نحرمها من حقوقها ونعاديها ونحاربها في قوتها وسكنها وحقوقها المدنية ونشعرها بالذل والإهانة حتي ترحل عنا أو تخرس. فاللائحة التنفيذية للقانون رقم14 لسنة2012 الخاص بالتنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء تتولي ايجاد أقلية جديدة في مصر بجرة قلم واحدة. أقرأ معي بالنص المادة الثامنة من تلك اللائحة والتي نشرت في الجريدة الرسمية في13 سبتمبرالماضي, ولم يتم بشأنها أي نقاش اعلامي أو مدني وبالتالي لم يسمع بها إلا القليلون. وتنص المادة الثامنة علي ما يلي: يلتزم المصري الذي اكتسب جنسية أخري واحتفظ بجنسيته المصرية بالتصرف فيما يملكه من أراض أو عقارات مبنية في منطقة شبه جزيرة سيناء لمصريين حاملين للجنسية المصرية وحدها ومن أبوين مصريين وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بتلك اللائحة. فإذا انقضت مدة ستة أشهر دون إتمام التصرف تؤول ملكيتها للدولة مقابل ثمن المثل يسدد إلي المالك. ويتم تحديد هذا الثمن من قبل لجنة خبراء يصدر بتشكيلها وتحديد مهمتها قرار من وزير العدل. ستة أشهر فقط( مضي منها شهران) وعلي كل العائلات المصرية التي تمتلك شققا في شرم الشيخ وفنادق في دهب ومنتجعات سياحية في نويبع ومنازل في طابا أن تتخلص من أملاكها لو كانت تلك العائلات, وهي حالة منتشرة للغاية في سيناء, مزدوجة الجنسية. أقول للخبير الفذ الذي تفتق ذهنه عن هذا النص إن سيناء قامت علي أكتاف العائلات المصرية المزدوجة الجنسية, وأن تلك العائلات المزدوجة الجنسية هي أيضا عماد اقتصادنا وحركتنا العلمية في أماكن أخري من البلد وليس فقط سيناء. أقول لهذا الخبير الفذ إن مصر كانت وستظل دائما ملتقي للحضارات, يتزوج أبناؤها بأجنبيات ويأتي إليها الأجانب ليتزوجوا. مصر كانت دائما مكانا يحس فيه السوري والمغربي واليمني والسوداني بالانتماء, لأن هذا هو بلدهم ويجب ألا يحسوا فيه بالغربة. لا يجب أن يكون لدينا مصريون دماؤهم زرقاء ومصريون أقل مصرية لأنهم ولدوا بالخارج أو عاشوا فيه طويلا أو لأن أحد أبويهم غير مصري. هذا كلام غير قانوني أو دستوري. وهو أيضا غير صحيح تاريخيا. قد يعلم القارئ أن قانون الجنسية المصرية لم يصدر إلا في منتصف العشرينات من القرن الماضي, بعد انهيار الخلافة العثمانية. قبل هذا لم تكن هناك أوراق ثبوتية لأغلب السكان ولم يكن أحد يحمل الجنسية المصرية بالمعني الحالي, لأنها ببساطة لم تكن موجودة. بالتالي فكل مصري ولد من أبوين مولودين قبل1920 ليس مصريا بالمعني الحرفي للكلمة ولا يحق له تملك أرض في سيناء. المشكلة يا سادة أننا بدأنا ندخل في نفق مظلم. اليوم سيناء مشكوك في أمرها ومشكوك في أمر سكانها حتي ولو كانوا مصريين. وغدا سيأتي الدور علي غيرها. ثم نبدأ في استبعاد مزدوجي الجنسية من البنوك أو المعاهد العلمية التي نجري فيها بحوثا مهمة تتطلب مصريين من أصحاب الدماء الزرقاء وليس مصريين كده وكده. هناك نقاط أخري. خذ عندك ماذا سيحدث لقيمة الأراضي في سيناء ولقيمة الاستثمارات والعقارات بها. ما الذي يحدث عندما يضطر آلاف من العائلات إلي بيع ممتلكاتهم في خلال ستة أشهر؟ ومن لديه المال ليشتريها؟ من لديه سبعة أو عشرة بلايين دولار ليشتري بها تلك العقارات ونحن نطلب الإحسان من الشرق والغرب؟ وماذا يحدث بعد انهيار قيمة العقارات في سيناء؟ هل تتذكر ما حدث للعائلات الأجنبية عام1956 أو1961 ؟ سيحدث هذا ثانية ولكن هذه المرة سيحدث لعائلات مصرية كريمة دفعت الغالي والرخيص لكي تبني لنفسها حياة نافعة في بقعة من الوطن الحبيب. ما هي حجم خسائرهم المادية, ما هو حجم خسائر سيناء, ما هو حجم خسائر البورصة؟ وما هو انعكاس هذا علي سمعتنا نحن كدولة محترمة يفترض أنها دولة مؤسسات؟ المشكلة التي كان يشتكي منها المستثمرون المحليون والأجانب في أيام الرئيس السابق مبارك هي أن قوانينا واجراءاتنا الإدارية ليس لها عمر. في يوم تصدر قانونا لتشجع الناس وبمجرد أن يتشجعوا ويبدأوا في عمل حساباتهم لكي يقيموا شركة أو يعمروا أرضا يصدر قانون آخر يعكس ما قاله القانون الأول أو تصدر اجراءات إدارية تربك الجميع وتجعلهم يندمون علي اليوم الذي قرروا فيه بدء أي مشروع في مصر. تلك المشكلة كان يجب أن نتخلص منها بعد الثورة, لا أن نزيد الطين بلة بكتابة قوانين خرقاء. كيف نطلب من عائلات مصرية عاشت عشرين أو ثلاثين سنة في سيناء أن تبيع ما تملك في ظرف ستة أشهر. هل هانوا علينا إلي هذا الحد؟ هل نحتقرهم ولا نراهم مساوين لنا لأنهم ليسوا مصريين أبا عن جد؟ ولماذا ستة أشهر؟ لماذا لا نطلب منهم مغادرة البلد علي الفور بحقيبة واحدة وفي ظرف أسبوع أو عشرة أيام مثلا, لماذا لا نعتقلهم ونحقق معهم بالمرة حيث إنهم أشخاص يشتبه في وطنيتهم إلي هذا الحد؟