حدد السلطان قابوس بن سعيد عدداً من النقاط التي تشكل محاور انطلاق إلى برنامج عمل وطني خلال المرحلة المقبلة، حيث نبه إلى أن أجهزة الدولة لن يكون بمقدورها أن تلعب دور المشغل الرئيس للمواطنين "الى ما لا نهاية"، وأن تلك هي مسؤولية القطاع الخاص باعتباره المجال الحقيقي للتوظيف على المدى البعيد، مطالباً أصحاب الأعمال بتعديل نظام الأجور خاصة عند المستويات الدنيا والمتوسطة، بما يكفل الاستقرار الوظيفي للعاملين من المواطنين في شركاتهم ومؤسساتهم، وأن يتحملوا مسؤولياتهم الاجتماعية وفاء لواجباتهم تجاه الوطن ومواطنيه، داعياً شباب بلاده إلى عدم التردد في الالتحاق بمؤسساته وشركاته وعدم هجرها انتظاراً لعمل حكومي، مشدداً على أهمية مشاركة أعضاء مجلسي الدولة والشورى مع مجلس التعليم وغيره من الجهات المعنية في مراجعة المنظومة التعليمية بما يضمن وفاء مخرجاتها باحتياجات سوق العمل، موضحاً أن نجاح تجربة الشورى العمانية يرجع إلى انسجامها مع قيم المجتمع ومبادئه، واعتمادها الكلمة الطيبة والمنطق السليم والحكمة المستندة إلى النظرة الصائبة للأمور، ومؤكداً استمرارية استكمال الضروري من مشاريع البنية الاساسية التي يحتمها التوسع العمراني ويقتضيها التطور الاجتماعي والاقتصادي وتؤكدها حاجة الإنسان إلى التواصل والسعي من أجل حياة أفضل . ففي خطابه الذي ألقاه، الاثنين الماضي، خلال افتتاحه السنوي لمجلس عمان، يؤكد سلطان عمان أهمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص باعتباره أحد الركائز الأساسية في التنمية، سواء بمفهومها الاقتصادي المتمثل في تطوير التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والمال والاقتصاد بشكل عام، أو بمفهومها الاجتماعي الذي يتجلى في تنمية الموارد البشرية وتدريبها وتأهليها وصقل مهاراتها العلمية والعملية وإيجاد فرص عمل متجددة وتقديم حوافز تشجع الالتحاق بالعمل في هذا القطاع، رافضاً القبول بالانطباع السائد لدى بعض المواطنين العمانيين باعتماده على ما تقدمه الدولة وعدم اسهامه بدور فاعل في خدمة المجتمع ودعم مؤسساته وبرامجه الاجتماعية، وأنه لا يهدف إلا إلى الربح فقط ولا يحاول أن يرقى إلى مستوى من العمل الجاد يخدم مجتمعه وبيئته ووطنه، موضحاً أن الآثار السلبية لهذا الانطباع سوف تمتد إلى خطط التنمية، خاصة ما يتعلق منها بخطط تنويع مصادر الدخل، مطالباً القطاع بالعمل على إزالة هذا الانطباع من الأذهان واتخاذ خطوات عملية مدروسة وناجعة في هذا الشأن بزيادة إسهاماته في التنمية الاجتماعية مشاركاً للحكومة "بهمة وعزم" لتنفيذ سياساتها في هذا المجال، والعمل مع مؤسسات المجتمع المدني التي تنشط في ميدان الخدمات الاجتماعية والإنسانية، بما يعزز ثقة المواطنين وتقديرهم لدوره ويحفز الشباب العماني على العمل فيه والثبات في وظائفه ويغرس في نفوسهم بذرة الانتماء إلى مؤسساته بما ينعكس إيجاباً على أدائهم الوظيفي والتزامهم بواجباتهم وإخلاصهم لعملهم وارتفاع مستوى إنتاجيتهم وبذلهم وعطائهم بما يؤدي في النهاية إلى جعله "رديفاً حقيقياً لعمليات التشغيل" ولخطط التنمية التي تعدها الجهات الحكومية التي تشكل دافعاً قوياً لهذا القطاع بصورة أو بأخرى من أجل تطوير أعماله وتعزيز قدراته وتعظيم إمكاناته في مجالات المنافسة المحلية والإقليمية والدولية، داعياً شباب بلاده إلى "عدم الانتظار للحصول على عمل حكومي"، منبهاً إلى أن الدولة بأجهزتها المدنية والأمنية والعسكرية ليس بمقدورها أن تظل المصدر الرئيس للتشغيل، وأنها لن تقوى على الاستمرار في تلك المهمة التي تفوق طاقتها إلى ما لانهاية، مطالباً مواطنيه بإدراك حقيقة مفادها أن القطاع الخاص هو المجال الحقيقي للتوظيف على المدى البعيد، داعياً اياهم لعدم التردد في الالتحاق بمؤسساته وشركاته وعدم هجر العمل فيها، إلا أنه قال أيضاً إن هذا يتطلب بصفة خاصة "تعديل نظام الأجور لاسيما في المستويات الدنيا والمتوسطة من وظائفه"، معتبراً ذلك "مهمة وطنية" واجبة على القطاع الخاص لبلاده التي احتضنته وخدمة للمواطنين الذين وثقوا به وأعطوه من جهدهم وفكرهم الكثير . وقال إن السلطنة طبقت خلال السنوات الماضية أنظمة ومناهج تعليمية متنوعة وبرامج تدريبية وتأهيلية متعددة، إلا أن الأمر يتطلب إيلاء عناية أكبر "للربط بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل"، وأن أولويات المرحلتين الحالية والمقبلة تستدعي مراجعة سياسات التعليم وخططه وبرامجه وتطويرها، بما يواكب المتغيرات التي تشهدها بلاده والمتطلبات التي يفرضها التقدم العلمي والتطور الحضاري وصولاً إلى بناء جيل مسلح بالوعي والمعرفة والقدرات المطلوبة للعمل المفيد، مشيراً إلى أن إنشاء مجلس للتعليم يستهدف النهوض بهذا القطاع، مطالباً كافة الجهات المشرفة على التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته بالتعاون معه بكل فاعلية وجدية ومثابرة، داعياً مجلس عمان إلى تقديم رؤاه وأفكاره في هذا الشأن إلى مجلس التعليم . المعالجة الحكيمة ويؤكد السلطان قابوس أن نجاح تجربة الشورى العمانية يرجع إلى أنها جاءت متسقة مع مراحل النهضة - لم تحرق المراحل - متفقة مع قيم المجتمع ومبادئه متطلعة إلى بناء الإنسان الواعي لحقوقه وواجباته المعبر عن آرائه وأفكاره بالكلمة الطيبة والمنطق السليم والحكمة المستندة إلى النظرة الصائبة للأمور، وأن العمانيين أثبتوا خلال الفترة الماضية أنهم يتمتعون بمستوى جيد من الوعي والثقافة والإدراك والفهم في تعاملهم مع مختلف الآراء والحوارات والنقاشات التي تنشد مصلحة عمان وأبنائها الأوفياء، معبّراً عن ثقته بأن هذا الوعي سيزداد وأن هذه الثقافة سوف تنمو وتترسخ من خلال الدور الذي يقوم به أعضاء مجلس عمان في مجال تبادل الرأي وتداول الأفكار وبفضل النهج الحكيم الذي يتجلى في تناولهم لمختلف القضايا بالدرس والتدقيق ولكل الآراء بالتمحيص والتحقيق، معرباً عن أمله في أن تشهد المرحلة المقبلة طرحاً بناء للأمور ومعالجة حكيمة لها تظهر من خلالهما لكل من يراقب هذه التجربة - في الداخل أو الخارج- قدرة العمانيين الواضحة على المشاركة بالفكر المستنير والرأي الناضج في صنع القرارات التي تخدم وطنهم وترقى به وتحقق له مكانة بارزة ومنزلة سامية بين الدول . حقائق الأشياء ويشدد العاهل العماني على أن الحاجة للاستمرار في مشروعات البنية الأساسية لن تتوقف باعتبارها "عملية مستمرة" يحتمها التوسع العمراني ويقتضيها التطور الاجتماعي والاقتصادي وتؤكدها حاجة الإنسان إلى التواصل والسعي من أجل حياة أفضل، وأنها تحظى بالعناية دائماً في كل مراحل التطوير والبناء من دون استثناء "وإن كانت تكتسب أهمية قصوى وتحظى بأولوية أكبر في بعض هذه المراحل لظروف خاصة واعتبارات معينة"، وأن ما يثار أحياناً من حديث يراه البعض مبرراً حول الاتجاه الذي اتخذته خطط التنمية السابقة من تركيز على البنية التحتية والاساسية أكثر من التنمية الإنسانية أو الاجتماعية يغفل في الواقع حقائق الاشياء ويتجاهل الاوضاع التي كانت قائمة والأولويات التي استدعتها هذه الأوضاع، كما يتناسى ما صاحب هذا الاهتمام بالبنية الأساسية من اهتمام مماثل بالتعليم والصحة والتجارة والصناعة والزراعة والمال والاقتصاد، وجميعها تستهدف توفير سبل الحياة الكريمة للإنسان الذي هو هدف التنمية الشاملة وأداتها العاملة الفاعلة، مذكراً بأن تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية منذ بداية سبعينات القرن الماضي في كل مناطق السلطنة المترامية الأطراف كان يتطلب ضرورة إنشاء بنية أساسية قوية ترتكز عليها خطط التنمية وبرامجها، خاصة في مجالات التعليم والصحة والتدريب والتأهيل وإيجاد فرص العمل المتنوعة، وأن الاستمرار في استكمال البنية الأساسية الضرورية لم يمنعه من توجيه حكومته إلى التركيز في خططها المستقبلية على التنمية الاجتماعية، خاصة في جوانبها المتعلقة بمعيشة المواطن، من خلال إتاحة المزيد من فرص العمل وبرامج التدريب والتأهيل ورفع الكفاءة الإنتاجية والتطوير العلمي والثقافي والمعرفي، مؤكداً متابعته الدقيقة لما يتم اتخاذه من خطوات، وأن هذا الأمر سيكون محل اهتمام "المجلس الأعلى للتخطيط" الذي قال إنه يهدف إلى وضع خطط تنموية مدروسة ترعى أولويات كل مرحلة وتوازن بين مختلف أنواع التنمية بما يؤدي إلى بلوغ الغاية المنشودة . وفي عبارة مقتضبة حول السياسة الخارجية العمانية، يجدد السلطان قابوس الالتزام بدعوتها إلى السلام والوئام والتعاون الوثيق بين سائر الأمم والالتزام بمبادئ الحق والعدل والإنصاف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وفض المنازعات بالطرق السلمية بما يحفظ للبشرية جمعاء أمنها واستقرارها ورخاءها وازدهارها . المجمع البرلماني من جانب آخر، لم يكن افتتاح السلطان قابوس قبيل القائه لخطابه السنوي للمبنى "الثلاثي" الجديد للبرلمان العماني بغرفتيه الدولة المعين والشورى المنتخب، والذي يضم المباني الثلاثة لكل من المجلسين، فضلاً عن الثالث المشترك بينهما ممثلاً ل"مجلس عمان"، مجرد عمل تقليدي بقدر ما يحمل دلالة مهمة تؤشر إليها تجهيزات هذا "المجمع البرلماني" التي جرى تصميمها وتنفيذها وفق أحدث الأساليب التكنولوجية التي تتطلب نوعية متميزة من الكوادر البشرية الواعية بضرورات المرحلة المقبلة المبنية على أسس معلوماتية دقيقة، وليس على عبارات انشائية فارغة المضمون بما يخدم التناول الموضوعي لمختلف القضايا بالدرس والتدقيق ولكل الآراء بالتمحيص والتحقيق . فقد كان السلطان قابوس افتتح المبنى الجديد لمجلس عمان قبيل خطابه السنوي، الذي بلغ إجمالي مساحة الارض المخصصة لاقامته 040 .21 متر مربع، منها 931 .101 متر مربع، بما في ذلك مبنى مجالس عمان والشورى والدولة، ومجمع الخدمات 452 .4 متر مربع، وبرج الساعة 64 متراً مربعاً، وغرف الحراسة 250 متراً مربعاً، وقاعة الصلاة 154 متراً مربعاً . طول القاعة الرئيسة لمجلس عمان 57 متراً والعرض 23 متراً، والارتفاع 7_ متراً، وتم تصميم اللوحة الجدارية الرئيسة على النمط الهندسي الإسلامي مع زخرفة الأرابيكس المصنوع من الفسيفساء وأعمال النحت المطعمة بالأشكال المختلفة، ومساحتها الكلية 05 .28 متر مربع وأبعادها 5 .8 - 3،3 متر، ونوع الخشب المستخدم الساج المطعم بخشب الورد، وبوبينجا، وميرتل، وبيرل والنت، وقشرة خشب البلوط، وبادك، وخشب القيقب، وصدف الديكور، وعرق اللؤلؤ الأبيض، وعرق اللؤلؤ الذهبي . وتم تصميم المشربيات في القاعة الرئيسة لمجلس عمان بما يعكس نمط التصاميم التقليدية العمانية والإسلامية، وعددها 18مشربية استخدم في صناعتها خشب الساج المطلي بالذهب . وتم تصميم قاعة الانتظار بطريقة تكشف عن عمق القيم المعمارية التقليدية العمانية . كما أن المشربيات والأعمال الزخرفية لسقف الصالة تعطي منظراً جمالياً خلاباً، وتضيف الثريا المركبة في السقف جمالاً ورونقاً للقاعة، وهي المكان الذي يتجمع فيه أعضاء مجلس عمان والمدعوون قبل الدخول إلى القاعة الرئيسة، طولها 23 متراً وعرضها 23 وارتفاعها 18 متراً، والثريات الموجودة بقاعة الانتظار قامت بتصميمها شركة نمساوية التي تم تصنيعها خصيصاً لمشروع مجلس عمان، وهي تزين قاعة الانتظار من خلال أعمال الزخارف المصنوعة بحرفية كبيرة والقباب المصنوعة من كريستال الزجاج وكريستال سواروفسكي الفاخر، والإجزاء الداخلية التي تحمل الوزن الكلي للثريا مصنوعة من الصلب غير القابل للصدأ مطلب بالذهب عيار 24 قيراطاً، ويوجد بكل ذراع من أذرع الثريا الاثنتي عشرة مصابيخ إنارة خارجية تمنح المزيد من الضوء للزخرفة الخارجية للمصابيح من الخارج، والطول 5 .10 متر، والعرض 5 .3 متر . ويقع "برج الساعة" الذي يبلغ ارتفاعه 70 متراً في موقع متميز يغطي مساحة 64 متراً مربعاً، وتم تصميمه على النمط المعماري العماني التقليدي، وساعة البرج مربعة الشكل تبلغ أبعادها 7 .5 -5،7 متر، وتقع في أعلى البرج لها أربعة أوجه على الجوانب الأربعة للبرج وهي من تصميم وتصنيع شركة أجنبية متخصصة . ويتمتع مجلس عمان بأحدث الأنظمة وذلك لضمان التواصل الفوري والحصول اللحظي على البيانات والمعلومات مع ضمان أعلى مستويات الأمن والسلامة، ومن تلك الأنظمة مركز بيانات حديث يعمل على تنفيذ الأعمال الإدارية الرئيسة للأنظمة التقنية الخاصة بمجلس عمان، ونظام حديث للاتصالات الصوتية عن طريق الأي بي وعقد الاجتماعات بالفيديو، حيث إن جهاز آي بي للهواتف والعديد من أنظمة عقد الاجتماعات بالفيديو تسمح للموظفين والأعضاء بالتواصل من دون التقيد بحدود أو أمكنة، كما يتضمن تقنية عقد الاجتماعات التي تستخدم في إجراء اجتماعات رفيعة المستوى بين الأعضاء في المجلس وآخرين في جميع أنحاء العالم .