رأت السوبرانو اللبنانيَّة، هبة قوَّاس، أنَّ الإبداع هو الذي يبقى على مرِّ التَّاريخ مشيرة إلى أنَّها ليست فنَّانة نخبة وأنَّ الأوبرا لم تنتشر بعد في لبنان لأنَّ المسؤولين يهتمون بتقسيم الحصص وليس الفن، مؤكِّدة أنَّ حقَّها أخذته من الخالق. بيروت: هي إمرأة مميّزة في عالم الموسيقى ومثقَّفة روحانيًّا وحياتيًّا، كيف لا وهي المؤلفة الموسيقيَّة والرَّائدة في الأوبرا العربيَّة السوبرانو اللبنانيَّة، هبة قوَّاس، إبنة مدينة صيدا الجنوبيَّة الَّتي درَّست الموسيقى في الجامعة اللبنانيَّة والمعهد العالي للموسيقى، وعملت لسنوات على تطوير الأوبرا العربيَّة وإرسائها في المنطقة، وهي حاصلة على العديد من الأوسمة والجوائز العالميَّة والتَّكريميَّة. تحضِّر لمهرجان أوبرالي في سلطنة عمان حاليًا تتحضَّر هبة لإحياء مهرجان في دار الأوبرا في سلطنة عمان في الثَّاني والعشرين من نوفمبر الجاري، في حفل سيجمع السمفونيَّة الوطنيَّة الأوكرانيَّة بالسمفونيَّة السلطانيَّة العمانيَّة، ولأنَّه يضمُّ برنامجًا عالميًّا على أعلى المستويات وقع الإختيار على قوَّاس للغناء فيه، خصوصًا أنَّه لديها نتاج فني كبير وتتميَّز بأداء لافت. وتقول هبة في حديثها ل"إيلاف": "لقد صرت معروفة عالميًّا على مستوى الأوبرا، لذلك سأشارك في هذا المهرجان وسأقدَّم سيمفونيَّة عربيَّة من تأليفي إضافة إلى أغنية لعمان وأغانيَّ القديمة وألبومي "لأني أحيا"، وسيشاركني الحفل خوسيه ماريا غايلدو ديل ري، وأوركسترا كبيرة ستضمُّ أربعة لبنانيين، عازف عود وثلاثة عازفي إيقاع، فهذا المهرجان مهمٌّ على الصَّعيد العربي والعالمي وأنا فخورة بالتواجد في هكذا صرح". عثمان العمير نادى بدين إسمه "الموسيقى الكلاسيكيَّة" وباعتبار فن الأوبرا من الفنون الكلاسيكيَّة، وما إذا كان هو من يختار مستمعيه أم أنَّ المستعمين يختارونه، رأت قوَّاس أنَّ الإبداع الحقيقي هو الذي يبقى في التَّاريخ ويغربل مع الزَّمن، وقالت: "لا يمكننا معرفة ما كان الفنَّ الشَّعبي منذ 200 سنة، ولكن لم يصل إلينا سوى الأسماء الأوبراليَّة الكبيرة أمثال باخ وموليار وغيرهم، لأنَّ هذا النَّوع من الغناء هو الذي يبقى ويتوارث من جيل إلى آخر، وباقي الأعمال هي الَّتي تتبدَّل مع تبدُّل الزَّمن وحاجاته مثل أي استهلاك يومي". وأضافت: "الأعمال الإبداعيَّة تبقى، ولكن هناك صعوبة حاليَّة في إرسائها خصوصًا وأنَّ الإعلام موجَّه نحو الأمور الإستهلاكيَّة ومن الصَّعب تسويق ما هو معاكس، علمًا أنَّ العربي لديه قابليَّة للإستماع إلى هذا النَّوع من الموسيقى الَّتي ترفع ذكاءه وروحانيته وتمدَّه بالثَّقافة، ولا ننسى أنَّ العديد من الدعايات والكارتون إعتمدوا على الموسيقى الكلاسيكيَّة وباتت النَّاس تحبَّها لأنَّهم اعتادوا عليها، لذلك لنشر هذا النوَّع الموسيقي شعبيًّا يجب التَّركيز على نشره بين النَّاس من خلال الإعلام، وهناك العديد من الوسائل المحترمة، وأذكر "إيلاف" بشخص ناشرها عثمان العمير الذي كان لي شرف التَّعرف عليه والحديث معه وإدراك أنَّه من بين الذين يسمعون هذا النَّوع من الموسيقى ويلمون به ويطالب بخلق دين إسمه الموسيقى الكلاسيكيَّة". لست فنَّانة النخبة وهذا الطبقة مظلومة مجتمعيًّا وعمَّا إذا كانت تعتبر نفسها فنَّانة النُّخبة بحكم أنَّ الموسيقى الكلاسيكيَّة غير منتشرة شعبيًّا، أشارت السوبرانو اللبنانيَّة إلى أنَّها لا تحبِّذ هذه الصِّفات والألقاب، وقالت: "أحييت في تونس ليلتين غنائيتين الأولى كانت للنخبة والثَّانية كانت شعبيَّة، وشخصيًّا سعدت كثيرًا في الليلة الثانية لأنَّ النَّاس تفاعلوا معي ومدّوني بالقوة لأغني أجمل، عكس الليلة الأولى خصوصًا وأنَّ النخبة هي فئة مظلومة من المجتمع لأنَّها لا تستطيع التَّعبير عن أحاسيسها وحريصة على صورتها الرَّصينة في المجتمع". مسؤولينا يهتمون بتقسيم الحصص وعن الأوبرا في لبنان، رأت قوَّاس أنَّ لبنان يحوي العديد من الأصوات الرَّائعة في العالم العربي، ولكن تقنيًّا قسم الأوبرا في الكونسرفتوار الوطني ليس على مستوى عالمي، بينما العنصر البشري فيه ممتاز وطلابه يكملون ويتميَّزون في الخارج، إلَّا أنَّ ما ينقصنا هو الحاضن الإنتاجي، لأنَّ الدولة تزرح تحت تخبطاتها السِّياسيَّة ومسؤولينا لا يهتمون بالفن بقدر الإهتمام بتقسيم الحصص فيما بينهم، ولكنَّي أعمل شخصيًّا على خلق شكل أوبرا ومؤسَّسة متخصِّصة بتعليم ودعم الطلاب أكاديميًّا وإنتاجيًّا". وما إذا ظلمت في عصرنا الحالي، رأت هبة: "كل العصور هي صعبة، ولكن عصرنا هو الأصعب على كل المستويات وليس فقط الموسيقى، لأنَّ الطَّاقة السلبيَّة تزيد في المجتمع، وأنا لست المظلومة الوحيدة لأنَّ كل الناس مظلومون، بلدنا لا يقدِّم لنا شيئًا وإنَّما نعمل لتحقيق ما نريد، فقوَّتنا تكمن بالفرد والإنجازات الِّتي يحقِّقها وليس في المجموعة الَّتي تنتج الحروب فقط". حقِّي منحني إياه الله ومملكتي ليست في هذا العالم وما إذا أخذت حقَّها تقول هبة قوَّاس أنا حقَّها تأخذه من السَّماء لأنَّ مملكتها ليست في هذا العالم، وهي مؤمنة بأنَّ حقَّها منحها إياه الله عندما خلقت على شكل نعم ومواهب، وأنَّها أنصفت على المستوى العالمي وعلى المستوى العربي في السعوديَّة وسلطنة عمان وقطر، وتضيف: "وجدنا في بلد هذه رائحته وهذا لونه ولكن مهما ابتعدنا عنه لا يمكننا إلَّا أنّْ نعود إليه، فأنا أعمل طوال الشَّهر في بلدان أخرى ولكنَّي أعود لأقضي ولو ثلاثة أيَّام في ربوعه". وعن جديدها أكَّدت هبة أنَّها بصدد العمل على ألبومها الثَّاني بعد "لأني أحيا" وستسافر إلى روما للعمل عليه، كما ستقوم بجولة عالميَّة تنتطلق من لندن. ونهاية تمنَّت أنّْ تضاء حياتنا في العالم العربي الذي تحوَّل إلى عالم أحمر بسبب الدِّماء الَّتي تذرف يوميًّا وأنّْ يعود لونه الأخضر، وقالت: "الموسيقى جميلة وتفتح الأذهان وتثقِّف الإنسان، ومن خلاله لا يمكن لأحد أنّْ يغصب له عيناه، ولكن علينا أنّْ نكون متفائلين".