إنشاء مركز للبحوث الفقهية مهمته دعم أطروحات الشباب - تغطية : سيف بن ناصر الخروصي - سيف بن سالم الفضيلي - أكد معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية خلال افتتاحه امس لفعاليات ندوة تطور العلوم الفقهية (فقه رؤية العالم والعيش فيه، المذاهب الفقهية والتجارب المعاصرة) أن العالم العربي يمر بمرحلة تحتاج الى مثل هذه الندوات لتبيان العدل والحق وتقديم الخدمة التي ينبغي أن توجه ثمارها لخدمة المجتمعات. وقال: المجتمعات يمكن أن تنمو وتتطور اذا كانت في حالة سلم لكن ذلك يتطلب من أصحاب الفضيلة العلماء وجميع الفعاليات الأخرى في المجتمعات العربية أن تتضافر جهودها في سبيل تبيان الطريق الى المستقبل. وهذه الندوة إن شاء الله هي باكورة عمل في هذه المرحلة، سوف يكون لها دور في نشر ما سوف يتفضل به المشاركون من أصحاب الفضيلة العلماء في بيان الطريق الى المستقبل. وأكدت الندوة في أولى فعالياتها أمس أن الأمة الاسلامية أمة واحدة عقيدتها واحدة ومصادرها الفقهية تكاد تكون واحدة وأن الاختلافات بين أئمة الاجتهاد لا تعدو ثمرتها الانقسام إلى رأيين أو ثلاثة وهو أقل بكثير من الاختلافات بين شرّاح القانون المدني أو غيره فقد تكون بالعشرات كما هو مسطر في كتبهم. ومنبهة إلى أن هذه الخلافات إثراء لساحات إعمال النظر ورفع للحرج عن المقلدين والمجتهدين وبخاصة عند اختيار قانون واحد سواء في الأحوال الشخصية أو القانون المدني أو الجنائي (الجزائي) كما أنها تعتبر تعليما للعلماء على مدى الزمان وتدريبا على الاجتهاد وتمكينا لأهل كل عصر من اختيار رأي واحد يلائم المصلحة وظروف العصر وذلك أيضا إشعار بأن الثروة الفقهية الاسلامية مفخرة ودليل واضح على صلاحية الشريعة الاسلامية أو الفقه الاسلامي للتطبيق في كل زمان ومكان. وبيّنت الندوة أن جوهر الاسلام والمسلم يحمل في طياته رسالة العهد والسلام والأمن عبر العالم، لذلك فإن تصوير الاسلام على انه دين العنف وإظهار المسلم في صورة الرجل الإرهابي لا ينبغي أن يزعزع إيمان المسلمين الحقيقيين بالسلام والأمن والعهد وإصرارهم على العمل من أجل السلام والأمن والعهد في العالم. كما أشارت الى وجود بعض الرجال غير المسؤولين فيما بين المسلمين من الذين يلحقون بتصرفاتهم الأذى بالإسلام والمسلمين وهم يظنون أنهم يخدمون الاسلام والمسلمين لأنهم يفعلون ذلك بطريقة لا أحد يفهمها ولا يمكن لأحد أن يقبل بها لذلك فهي تحتاج لأجيال وأجيال مع الجد والاجتهاد لتصحيحها. وتطرقت الندوة الى قواعد فقه السياحة في الاسلام مبينة ضوابط وقوانين لا يمكن تجاوزها فهي مبنية (أي الضوابط والقوانين) على معاهدات دولية ومن المعطيات الفقهية الاسلامية الثابتة الوفاء بالعهود (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، كما ان هذه الضوابط والقوانين والمعاهدات لا تصادم أصلا شرعيا ثابتا وهي جارية لذلك على أصل المصلحة المرسلة وقد يسميه الأصوليون المناسبة وقد يسمونه استحسانا ولكنه بمختلف صيغه وتكييفاته الأصولية مبني على ملاحظة الأوامر والنواهي الشرعية العامة التي هي بمثابة ميزان به يعرف الصواب فيما يستجد مما لا نص فيه ولا عهد بمثله. كما أشارت إلى أن الفقه الاسلامي أقر كما هو الحال بالنسبة للقانون الدولي تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات الشخصية من حيث المعاملة اللائقة واحترامه وعدم جواز القبض عليه أو احتجازه وحرمة مسكنه وأمتعته الشخصية. موضحة ان الفقه الاسلامي يقرر كما هو الحال بالنسبة للقانون الدولي حصانة لمقر البعثة الدبلوماسية وذلك في إطار من الضوابط والشروط التي تكفل عدم إساءة استخدام هذه الحصانة ضد مصالح دولة مقر البعثة. وشهد افتتاح فعاليات الندوة الإعلان عن إنشاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لمركز للبحوث الفقهية مهمته دعم شباب العلماء في أطروحاتهم التي تتناول فقه العيش بمعناه الواسع. وناقشت الندوة أمس في جلستيها الصباحية والمسائية خمسة عشر بحثا من بينها فقه العيش مع الآخر في المذاهب الاسلامية والتجارب المعاصرة لسماحة الشيخ علي جمعة وفقه العيش والى أين يتجه المسلمون للدكتور رضوان السيد و رؤية العالم والعيش فيه من منظور قرآني لسماحة الشيخ رحمي يرن ومفهوم الخلاف عند الفقهاء لفضيلة الدكتور وهبة الزحيلي وفقه التعايش (مقارنة فقهية) ومفهوم الخلاف الديني من منظور فقهي للدكتور حميد الحمر ومفهوم العهد ومفهوم الأمان ودار الاسلام لسماحة الشيخ الدكتور مصطفى تسيريتش ومفهوم الذمة وتطوره التاريخي للدكتور محمد كمال إمام والمواطنة في الخطاب التشريعي الاسلامي مع اختلاف العقائد للدكتور سلطان الحراصي. وفي كلمة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أكد فيها أن هذه الندوة الدورية تعنى دائما بالقضايا المستجدة وتضع اللمسات على ما يشغل بال كل مسلم ومسلمة بل ما يشغل الضمير الإنساني في هذا العالم المتموج بالكثير من الأحداث. وأوضح أن الأسرة البشرية جعلها الله سبحانه وتعالى أسرة متواصلة بالفطرة لأن الله تعالى جعل مصالح الناس منوطا بعضها ببعض والناس وإن اختلفوا في المشارب والأفكار واختلفوا فيما آتاهم الله سبحانه من مواهب حسية ومعنوية ظاهرة وباطنة إلا أنهم جميعا متداخلون من حيث المصالح متعاونون في القضايا التي تشغل بال الجميع فالله سبحانه وتعالى جعل بين البشر هذا التكامل مع هذا الاختلاف وهذه حكمة أرادها الله سبحانه وتعالى إذ لو كان الجميع على وتيرة واحدة لما احتاج بعضهم الى بعض ولما كان بينهم هذا التداخل وهذا التراحم. وقد جاء الاسلام ليعزز هذه العلاقة بين هذه الأسرة البشرية ومن أهم ما جاء به ما يطمئن كل واحد الى حقه فالعدل جعله الله سبحانه وتعالى حقا للجميع يشترك فيه المؤمن والكافر والبر والفاجر فان العدل يجب أن يكون ميزانا يؤدي لكل أحد حقه من غير حيف على أحد بسبب بعده وبغير مراعاة لغيره بسبب قربه فالله سبحانه وتعالى يقول(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ويقول عز من قائل(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) في هذا ما يدل على ان العدل حق لجميع الناس إذ لم يقل عز من قائل واذا حكمتم بين المؤمنين أو اذا حكمتم بين المسلمين أن تحكموا بالعدل وإنما قال (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ) فإذن العدل حق لأي أحد كان والإسلام يأمر بالعدل مهما كان هناك من خلاف او كانت هنالك من بغضاء فالله سبحانه وتعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ولم يكن العدل في الإسلام أمرا نظريا بل كان أمرا تطبيقيا بدأ الله سبحانه به عندما أنصف يهوديا كان في المجتمع المسلم وقد ألقيت إليه تهمة من غير أن يتسبب لها عندما سرقت درع وخاف السارق ومن حوله أن يفتضح أمرهم فألقوا بهذه الدرع في بيت يهودي وأشاعوا انه هو الذي سرقها وكاد النبي صلى الله عليه وسلم ان يؤاخذه بها لولا ان قرآنا نزل من عند الله سبحانه وتعالى يتلى في الصلوات وفي غيرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كل ذلك لأجل إنصاف ذلك اليهودي والله تعالى يقول (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ)، هذا كله لأجل تبرئة ساحة يهودي فإذن العدل حق مشروع لجميع الناس في المجتمع المسلم وليس ذلك فحسب وإنما الأخلاق. وبيّن ان الأخلاق التي يتعامل بها الناس تكون بين الجميع فالله تعالى يقول (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) لم يقل الله تعالى وقل للمؤمنين حسنا أو وقولوا للناس حسنا أو وقولوا لمن آمن أو لمن أسلم حسنا وإنما قال (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) وفي قراءة (وقولوا للناس حَسَنا) ومع هذا النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بأن يخالق جميع الناس بالأخلاق الحسنة (قل ربي الله ثم استقم وخالق الناس بخلق حسن) هكذا يوصي النبي صلى الله عليه وسلم من استوصاه. فإذن العدل والأخلاق في المعاملة حق مشروع لكل أحد وعلى كل أحد فالكل عليه ان يبذل العدل وأن يبذل هذه الأخلاق في تعامله مع غيره كما أن للكل ان يعامل بالأخلاق الحسنة وأن يعامل بالعدل وبهذا تكون حياة الناس حياة آمنة مطمئنة إذ لا يخشى أحد من الناس حيفا من أحد بسبب معتقده أو بسبب لونه أو بسبب جنسه أو لأي سبب من الأسباب إذ الناس جميعا هم أعضاء في هذه الأسرة البشرية والإسلام يظللها بهذا الظل الوارف ظل العدل والأخلاق والعطاء والتعاون والاجتماع فالكل اذن في ظل الاسلام الحنيف يجدون حقوقهم كاملة غير منقوصة بإذن الله والكل يتطلع في هذه الندوة المباركة إلى ما تسمح به قرائح العلماء من استنباط الأحكام الشرعية التي تقرب ولا تبعد وتؤلف ولا تنفر والتي تردم الهوة ما بين الناس ليجد كل احد حقه كاملا غير منقوص. ووجه سماحته الشكر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه - على الاهتمام بالمصالح البشرية وتوجيهاته السامية بإقامة هذه الندوة في كل عام. أما فضيلة الشيخ شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية فقد أشاد في كلمته بالندوة وقال: الواقع أن الموضوع الذي طرحته هذه الندوة في هذا العام هو من الموضوعات التي تعالج قضايا الساعة وهو طرح قبل ذلك وسيطرح فهو موضوع قديم جديد يتجدد بتطور البشر وتطور علائقهم وتعقد مشاكلهم فهو موضوع يطرح بين (الأنا والآخر) فعلى الرغم أن بعض أساتذة الفلسفة في الوقت المعاصر ينكر هذه التسمية (الأنا والآخر) إلا أن القرآن الكريم اعترف بها على مستويات عديدة في آياته الكريمة ويمكن ان نتصور هذه العلاقة في ثلاث صور الصورة الأولى تتمثل في علاقة المسلم بالمسلم والثانية في علاقة المسلم بغير المسلم في داخل الدولة المسلمة والثالثة في علاقة المسلم بغير المسلم في خارج الدولة المسلمة. فالصورة الأولى تحكمها الأخوة في الدين حتى أن المسلم في داخل المجتمع لو حاد عن التعاليم فإن واجب المسلم الآخر أن يعينه بالتوجيهات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن إذا كان ثمة خلاف يحتمله النص القرآني أو السنة المشرفة فإننا في هذه الحالة لا بد أن نحتكم الى مبدأ عظيم قرره العلماء وهو (لا إنكار في المسائل المختلف فيها) بهذا نتصور بأن يكون العيش بين المسلم وأخيه المسلم في هذا الإطار عيشا آمنا مطمئنا ودعم العلاقة بين المسلم وغير المسلم في داخل الدولة المسلمة بمبدأ العقد الاجتماعي أو ما يطلق عليه حديثا مبدأ المواطنة وهو مبدأ يضمن كافة الحقوق لغير المسلمين في داخل الدولة المسلمة نظريا وتطبيقيا نظريا في تلك الأفهام المتعددة المختلفة الراسخة الثابتة لفقهاء المسلمين على مر عصورهم الى وقتنا المعاصر من إن غير المسلم له كافة الحقوق وعليه الواجب التي على المسلمين. والذي يهم في النهاية وهي الصورة الثالثة والتي تعنى بها هذه الندوة المباركة وهو علاقة المسلم وبغير المسلم في خارج الدولة الاسلامية وهي علاقة يكتنفها الكثير من التعقيدات ذلك أن العلاقات الدولية الآن أصبحت علاقات تكاد ان تكون تنزع الى الهيمنة في هذا العصر الذي تسود فيه العولمة ومع هذا فإن فكرنا نحن -المسلمين- هو فكر مستقر على أننا نتعايش بالعدل والمساواة ونعامل الآخر على أنه يعيش معنا في هذه الأرض ونشترك جميعا في إعمارها وأن لكل منا له فكره الخاص . مؤكدا أن فكرة الإقصاء ليست مطروحة في فكر المسلمين وإن كانت وهذا ربما سيعالج من خلال هذه الندوة وإن كان الإقصاء لنا نحن -المسلمين- يكاد ان يكون هو المهيمن في الوقت المعاصر وأبرز ما يمكن أن يقال في ذلك ما كتبه الباحثون المعاصرون وعلى رأسهم صاحب كتاب نهاية التاريخ ثم من بعده صاحب كتاب صدام الحضارات وهذان وغيرهما يلتقيان في فكرة إقصاء الفكر الاسلامي بل انه في نظرهما يمثل خطرا على الحكم الديمقراطي الليبرالي ومن ثم فان المتصور ان تكون نهاية التاريخ هو الحكم الليبرالي الحكم الديمقراطي ثم بعد ذلك يجب الدفاع طويلا ضد هذا الفكر الآخر. ومشيرا إلى أننا لا نريد أن نقصي غيرنا وإنما نريد الخير للجميع نحن لا نريد أن نقف موقف المدافع عن فكرنا وإنما نريد أن نقف موقف الموضح والمعمق والمجذر لهذا الفكر. من جهته قال سماحة الشيخ آية الله احمد مبلغي: إن هذه الندوة بما لها من موضوع مهم تملي علينا ان نذهب بتأسيس فرع فقهي جديد اسمه فقه العيش المشترك، الفرع الذي له جمعة اطارية وتمهيدية بالنسبة الى الفروع الفقهية الأخرى فإن الكثير من مسائل الفروع الكلاسيكية أو حتى الفروع المستجدة الفقهية تتأطر بمسائل هذا الفرع الذي تملي علينا هذه الندوة تأسيسيه أي فقه العيش المشترك. مشيرا الى ان هذا الفرع غائب فعلا في الأوساط الفقهية والعلمية في مجتمعاتنا الاسلامية فالموجود الآن ليس إلا فقه أجزاء من العيش (فقه الكسب أو فقه السوق أو فقه المأكولات) ونتناول هذه الأجزاء بشكل جذري منقطعة الصلة بعضها عن البعض فنحن بحاجة ماسة الى فقه العيش المشترك. ومؤكدا على الأهمية الكبيرة نحو القيام بتأسيس هذا الفقه بحيث لو ترك فقه العيش على هذه ولا يتناوله يصبح العيش أمره موكولا إلى السلائق وأحيانا إلى بعض الرؤى أو الذهنيات المتطرفة فيحدث الهرج والمرج في العلاقات التي لا بد أن تحمل على عاتقها تحقيق مهمة العيش ولكن الفقه لا بد أن يعلم ليس بإمكانه ان يقترب من العيش إلا وأن يعد في ما سبق الأرضية المؤاتية والمناسبة للدخول في هذا الفرع ومن جملة المؤهلات التي لا بد من أن نعدها ونحققها هي المنهجية المناسبة لهذا الفقه، وفي المنهجية لا بد أن نراعي الخصائص الذاتية للعيش فما دام ان يكون نظرنا على العيش المشترك نظرا بسيطا وغير علمي فدخولنا في هذا العيش ربما ينتهي بهذا العيش إلى مشاكل ضخمة. وتابع، إن للعيش المشترك خصائص أربع على الأقل، أولها أن العيش أمر ناسي يرتبط بأناس ما دام ان كان هناك ناس وإنسان فله عيش ولا بد ان يعيش، فالعيش ليس محصورا أمره داخل الأمة الاسلامية بل العيش للانسان بما هو إنسان ومهما كان هذا الانسان ولذلك إنما أدرج في عنوان هذا المؤتمر وهو رؤية العالم ينطبق تماما على هذه الخصلة الذاتية المتوفرة في العيش وهو كونه ناسيا يرتبط بالانسان. الخصلة الثانية، كونه أمرا تبادليا ليس العيش أمرا يمكن أن يتحقق من جانب عدة مع إهمال الآخرين وما للآخرين من العيش بل قوام العيش بالتبادل (الناس بالناس). الثالثة، كونه أمرا يرتبط بالتجربة قوامه ترميم العيش وتطوره وتكامله، العيش بالتجربة فالعيش تطور على أساس التجربة ولذلك عنوان هذا المؤتمر عندما أدرج فيه التجارب المعاصرة هذا الإدراج إدراج مواءم وذكي، لا بد ان يكون للفقيه نظرة إلى العيش في إطار استحصال هذه التجارب والمتراكمة التي ترتقي يوما بعد يوم. الرابعة، كونه أمرا انسانيا ليس العيش أمرا متسلطا جافا يصنع من الحديد بل العيش فيه إحساس ومحبة وود وعشق وجمال وفيه لذات فيه أطفال ونساء فيه جوانب إنسانية على الفقيه ان لا يقترب من هذا الفقه إلا أن يراعي هذه الخصال كمناهج عندما نقول هذه الخصال كمناهج بمعنى ان الفقه الذي يتوجه الى العيش ولكن ينتهي بعيش الناس وبعيش المجتمع الى عيش جاف عيش مبتعد عن الجمال، هذا الفقه فقه خاطئ وفيه جنبة نفس كبيرة لا بد ان نفهمها على أساس هذا. عندما نجد أن فقيها يستنبط أحكام العيش بحيث لا يتلاءم مع التجارب البشرية لا بد أن يعلم هذا الفقيه أن فقهه يعاني من نقص كبير ومن هالة نفس كبيرة فعلينا ان ننقح المنهجية قبل كل شيء وندخل في هذا العيش حتى نتمكن من أن نهيئ أرضية بإطار كامل يتحقق فيه جميع الفروع الفقهية فتناول الفروع الفقهية من دون تناول فقه العيش المشترك تناول خاطئ وغير مثمر وأحيانا يكون تناولا للفقه بشكل مضر للاسلام وللمجتمع الاسلامي. كلمة الوزارة ألقى الدكتور عبدالرحمن بن سليمان السالمي رئيس اللجنة المنظمة للندوة كلمة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية جاء فيها، اعتاد كثير من باحثينا الاجتماعيين والسياسيين، ومن المُراقبين لمجتمعاتنا من الاستراتيجيين والأنثروبولوجيين الغربيين - على الحديث عن ظواهر متعددة يجمعونها تحت اسم الظاهرة الإسلامية، باعتبارها بشكل عام، ناجمةً عن الفشل في مواجهة الحداثة والتحديث والعولمة، أو عما يسمونها عدم القدرة على المشاركة الفاعلة في حضارة العصر، وهذا التعليلُ العام لا أجده شديد السلامة والوضوح، لأنه لا يجعلنا نفهم أكثر عن هذه الانكماشية الدينية التي لم يعرفها تاريخنا القديم والحديث، منذ الحروب الصليبية إلى عصر الغزو الاستعماري. وقال: إن الجانب التاريخي للظاهرة الإسلامية المُعاصرة جاء من خلال الصدمةَ الاستعمارية التي أنتجت فقهاً متوتراً في الأوساط الدينية، تولدت عنه فكرة أحادية الجانب: إما جهادٌ وإما هجرة. ثم سيطرت الثقافة الغربية على العالم وأقامت نظامه، فتطور رد الفعل الفقهي إلى مواجهة التغريب والغزو الثقافي، وأنتج ذلك الوعيِ المتأزم حركات هوية صارت أحزاباً شديدة القوة والقدرة على الحشد، وأنتج ذلك فقهاً تأصيلياً جديداً اكتملت به أو ظهرت مقولات التكفير والفسطاطين. ولست بذلك أعمِّم في قول إن هذا الفقه أو الفهم انفرد بالسيطرة، ولكنه اجتذب إليه فئات واسعة من شرائح المجتمع المسلم، ولا تزال آثاره تتوالى جارفة معها الكثير من تقاليد العيش والثقة والأمن في مجتمعاتنا، ومحلّةً محلها الهواجس والشكوك مما كان، أو صار غريباً، أو متآمراً ينبغي تجنُّبُهُ أو تنبغي مكافحته باسم الدين. بيد أنَّ لهذا الانكماش وجهاً آخر، وهو الذي يتصل بموضوعنا اتصالاً وثيقاً، ونعني به الجانب الرافض للعنف أو شبه العنف للظواهر السائدة، والإيمان بضرورة إزالتها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد اشترك في صنع هذا الوعي كل من الإصلاحيين والأُصوليين. والواقع أنّ هذا الإتباع النصي، وهو نزوع قوي يتصدى في الوقت نفسه لتقاليد العيش، بقدر ما يتصدى لمستجداته، ومن أجل ذلك يكون طبيعياً أن يحاول أصحاب الإتباع النصي استنان ما يعتبر شريعةً خالصةً بدون تقليد أو ابتداع، فالإصلاحي يرى ضرورة رفض التقليد لارتباطه بأزمنة أخرى، ومن أجل فسح المجال للاقتباس من الغرب ومستجداته- والأُصولي كان يريد رفض التقليد بالمعاني الدينية والفقهية والاجتماعية لأنه يهدف بزعمه إلى العودة إلى الكتاب والسنة مباشرة. ومع تداعي التقاليد والأعراف تحت وطأةِ الصدامات من الاتجاهين، تداعت أيضاً تقاليد العيش بين الجماعة وما يجاورُها. ونحن الآن في ندوةٍ علميةٍ وفقهيةٍ، تلتمس قراءة ما جرى على تقاليد العيش، وما كانت تسهم به المذاهب الفقهية التي هوجمت باعتبارِها جزءًا من التقليد، فينبغي أن يكون من ضمن اهتماماتنا أيضاً النظر في المذاهب الفقهية باعتبارها جزءًا أساسياً في رؤية المسلم للعالم وفقه العيش فيه، أين صارت هذه المذاهب الآنْ، وهل يمكن التنبوء بالمصائر؟ وأضاف، إنّ رؤيةَ العالم في الأصل مصطلح فلسفي، يُعنى بالتصورات الفردية والجماعية للخير والشر، والحق والباطل، والفضائل والرذائل في مجتمع معين، ومجال حضاري معين، بحيث يصبح ذلك كُلُّه عرفاً وتقليداً. بحيث تُسهم تلك الرؤيةُ في انتظام العلائق بين الفئات الاجتماعية بالداخل، والعلائق مع الجوار والخارجِ. وعندما تتوتر العلائق بين الفئات بالداخل، وتتوتر مع الخارج، فإنَّ ذلك يعني أنَّ رؤيةَ العالم متأزِّمة في هذا المجتمع أو ذاك، بسبب حيف شديد نزل به وتناقَض مع قيمه وتقاليده، ولم تستطعْ تلك التقاليد استيعابه أو تجاوزه- أو بسبب الفشل في التلاؤم مع متغيرات الوقائع والقيم. وبهذا المعنى فإنَّ المذاهب الفقهية التي نشأت وتطوَّرت وثبتت عبر قرون متطاولة، مثلت لدى المسلمين أنساقاً معرفيةً و رؤىً معينةً لطرائق العيش ذات شقين: الشق المتعلق بالنص الديني والسنن والإجماعاتِ، والشق المتعلق بالأفعال وردود الأفعال من جانب مجتمعات المسلمين، ومن جانب جوارهم القريب والبعيد. ولذلك فإنَّ التقاليد التي أرستها المذاهب كانت شديدة الأهمية في قدرة المسلمِ على تأمل العالم والعيش فيه، فكأنما كانت تعطي شرعية دينية وثقافية للعلائق السائدة بالداخل ومع الجوار، ومما له دلالته على تلك السعة التي كانت تتمتع بها المذاهب في الاختلافات ووجوه التنوع الكثيرة، ليس فيما بين مذهب ومذهب فحسب؛ بل وفي داخل كل مذهبٍ أيضاً. ومعنى ذلك العودة إلى المدخل العقائدي لفهم الأحداث ومجرياتها، وهو المدخل الذي غادره المسلمون منذُ قرونٍ حينما تركوا علم الكلام لصالح الفقه والمذاهب الفقهية، وقد مضى الفقهاء باتجاه الأخلاقيات ومسائل الاستحسان والكراهة والإباحة والحلِ والحرمة. وإذا وجدنا الفقهاء يلجأون إلى الأبعاد العقدية، فهذا يعني أنَّ هناك نوعاً من التأزم والانسداد، ومغادرة لتقاليد العيش وأعرافه وثقته، لصالح التحشد والحلول الجذرية. ولذا فقد كان متوقعاً بعد تراجع تيارات الإصلاح الفقهيِ في منتصف القرن العشرين، أن يظهر الوجه الآخر وهو اللجوء إلى العقدياتِ و ترك رؤية العالَم التي أرستها التقاليد الفقهية، لصالح رؤيةٍ طهوريةٍ للجماعة في مواجهة العالَم، استناداً إلى الآمن والمضمون والثابت، وهما الكتاب والسنةُ بحسب ظواهر نصوصهما، وليس بحسب ما آلت إليه التجربة التاريخية للأُمّة بهما و معهما في هذا العالم. مشيرا الى ان هذه الندوةُ تعقد بتوجيهات سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه اللهُ تعالى ورعاه - وذلك للفت الانتباه إلى هذه الظواهر في حياة أمتنا وعلاقتها بالذات والآخر، ومدخلاً لتعليل التأمل في فهم التطور الفقهي ضمن المذاهب وخارجها، لأنه صار ضامناً للتلاؤم في ضوء التجربة؛ تَجربة التفكير بالنوازل، وتجربةُ العيش المستقر والآمن، واستلهام فقهنا الحضاري ومقاصده في مواجهة التأزم وإزالته، وصُنْعُ الجديد والمتقدم، ومعرفةُ الإمكانيات والمآلات في ضوء مقاصد الشريعة وضوابطها. فأهلاً بكم في بلدِكم عمان، أسلمت وآمنت بدعوةِ نبيِّها بالسلام، محمد عليه الصلاة والسلام، وعملت بالإسلام في سلام، وأنشأت مجتمعات للثقة والأمن والسلام. تدشين وفي كلمة ألقاها الدكتور سالم بن هلال الخروصي نائب رئيس اللجنة المنظمة للندوة أعلن عن تدشين موقع الكتروني لندوة تطور العلوم الفقهية. كما أعلن عن إنشاء الوزارة مركز للبحوث الفقهية مهمته دعم شباب العلماء في أطروحاتهم التي تتناول فقه العيش بمعناه الواسع ، ويجري تنظيمه على النحو التالي، إنشاء موقع بوزارة الأوقاف يتلقى طلبات الشباب الحاصلين على درجة الماجستير في الفقه والأصول وفروع الدراسات الإسلامية الأخرى ، والذين يريدون كتابة أطروحات للدكتوراة في الدراسات الفقهية المتعلقة بالاجتهاد الفقهي المعاصر، ومن ذلك فقه التوقع، واستكشاف الآفاق وتوسيعها باتجاهات علوم النص ، وفلسفة الدين، والعلوم الإنسانية . إنشاء لجنة من الباحثين المعروفين للنظر في الطلبات والموضوعات ، والتواصل مع من تختارهم من المتقدمين ، ومتابعة عمل ونشاط الذين يجري إعطاء المنح لهم. التعاون في ابتعاث الطلبة مع إدارات كراسي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في الجامعات الكبرى بالعالم. تستمر المنحة الواحدة لأربع سنوات ، وتتولى وزارة الأوقاف نشر الأطروحات التي تقرر لجنة الباحثين بالوزارة صلاحيتها لذلك. مؤكدا أن رعاية الأجيال الجديدة من علماء الفقه والإسلام ، مهمة جليلة تستحقّ السعي الواعي، والجهد الحثيث والمستنير، ولذا فإن هذا الإسهام الدال على الاهتمام ، هو عمل مأجور ومشكور، قال تعالى (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) صدق الله العظيم.