السوريون خائفون وحانقون في آن معًا، خائفون من تزايد وتيرة السيارات المفخخة في الأسواق والمناطق المأهولة، لأنها لا تميز مدنيًا من عسكريًا، وحانقون لأن طرفي النزاع متورطان في تدمير سوريا. كانت جايدة الكنة (65 عامًا) تحضر وجبة الغداء في مطبخها على الجانب الآخر من الحديقة العامة، في منطقة السبع بحرات وسط دمشق ظهر الاثنين. وفي الطابق الأرضي من المبنى، كانت مدرسة سليم البخاري الابتدائية تزدحم بالتلاميذ، والطلاب الأكبر سنًا يتعلمون الرسم الهندسي في مدرسة فنية يضمها المبنى نفسه. وفجأة، هز انفجار كبير الشارع فاتحًا ثغرة عرضها متران في غرفة المعيشة بشقة الكنة. وحطمت قوة الانفجار زجاج نوافذ المدرسة بوجوه تلاميذها، وخلع ابوابها، وتطايرت أشلاء الضحايا والسيارات المحترقة في الهواء، وتصاعدت أعمدة الدخان من مكان الانفجار. وقال شهود ومصادر رسمية إن الهجوم الانتحاري بسيارة مفخخة يوم الاثنين هو الأحدث من بين عشرات التفجيرات التي استهدفت مناطق تجارية واحياء سكنية وسط العاصمة السورية، خلال الحرب المستعرة منذ عامين. واحال الهجوم منطقة تجارية تضج بالحركة إلى مشهد من الرعب والفوضى. واتهم النظام السوري المعارضة بالمسؤولية عن الهجوم الذي قال إنه أسفر عن مقتل 15 شخصًا واصابة 53 آخرين على الأقل بجروح. الكل مستاء أثار تزايد التفجيرات والسيارات المفخخة مخاوف وسخط كثيرين على جانبي النزاع، سواء أكانوا موالين للنظام أو مناوئين. ولاحظ مراقبون أن استخدام هذه الأساليب العشوائية التي ترفضها بعض فصائل المعارضة نال من شعبية الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، واثار استياء الكثير من السوريين بسبب فشل الحكومة في وقف التفجيرات. وقد اتهم بعض سكان العاصمة الولاياتالمتحدة والدول الحليفة التي تدعم المعارضة بالمسؤولية عن الدمار الذي يلحق بمدينتهم. وبعد نصف ساعة على الانفجار، شقت معلمة تنحب ويدها مغطاة بالضمادات طريقها وسط الأنقاض وبرك الدم داخل ما تبقى من مدرستها الفنية. وقالت حنان، مكتفية بتقديم اسمها الأول لصحيفة نيويورك تايمز، إنها كانت تهم بفتح الباب حين سقط عليها، واصيب العديد من الطلاب بجروح. وقاطعها رجل بجانبها صارخًا أن أميركا والاردن ودولا خليجية هي التي تمول منفذي هذه التفجيرات. تدمير سوريا قالت أوساط المعارضة إن النظام يدبر هذه التفجيرات لتشويه صورة الانتفاضة. لكن جبهة النصرة، احد فصائل المعارضة المسلحة، بدأت تعلن مسؤوليتها عن هذه الهجمات. وتسبب هذا في ظهور بوادر انقسام في صفوف المعارضة المسلحة بين من يقولون إنهم يدافعون عن انفسهم ضد بطش النظام واقلية تدعو إلى اقامة دولة اسلامية. وادت هذه التفجيرات إلى خيبة أمل ناشطين نأوا بأنفسهم لاحقًا عن المعارضة، بحسب نيويورك تايمز. في هذه الأثناء، اصبحت جبهة النصرة قوة كبرى في ميدان القتال، تقود مجموعات مسلحة أخرى في عمليات قتالية تقليدية. ويشكل هذا مأزقًا للولايات المتحدة التي تدعم المعارضة، لكنها ترفض جبهة النصرة بعدما أدرجتها على قائمة المنظمات الارهابية. وتقتل التفجيرات سوريين من كل الطوائف والآراء. في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، انفجرت سيارة مفخخة في حي المزة، وتكهنت تقارير اعلامية أن التفجير استهدف منطقة تسكنها عائلات ضباط عسكريين في جيش النظام ومسؤولين علويين في اجهزته. واثار هذا التوصيف غضب المصمم الفني صلاح، الذي يعيش في المزة. وكتب في مقابلة عن طريق البريد الالكتروني مع صحيفة نيويورك تايمز أن بين القتلى زوجته أمل وابنته حنان ذات السبع سنوات. واضاف صلاح (31 عاما) إنه ليس من مؤيدي النظام ولا هو علوي، بالرغم من أنه يرى أن استهداف هؤلاء بعمليات تفجير يبقى غير مبرر. وقال صلاح إن التفجير أقنعه بأن المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب تريد تدمير سوريا. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، قُتل عشرات الأشخاص في سلسلة تفجيرات شهدتها بلدة السلمية التي تنشط فيها حركة معارضة لا تستخدم العنف ضد النظام. وفي آذار (مارس)، استهدف انتحاري مسجدًا وقُتل في الهجوم العلامة السني المعروف الشيخ محمد سعيد البوطي الذي كان من الموالين للنظام. حافلة فارغة بقي وسط دمشق تحت سيطرة النظام هادئًا بالرغم من استهدافه بين الحين والآخر بقذائف المعارضة وقنابلها. وأمس الاثنين، سار رئيس الوزراء وائل الحلقي بين الأنقاض خارج البنك المركزي، وقال للصحفيين إن عملية التفجير التي الحقت اضرارًا بمسجد قريب نفذها ارهابيون يريدون ضرب الرسالة التنويرية للاسلام المعتدل والمتسامح الذي ميز الشعب السورى خلال عدة قرون. ولم تعلن جهة مسؤوليتها عن هجوم الاثنين. ويبدو أن السيارة المفخخة انفجرت داخل ساحة البنك المركزي قرب ساحة السبع بحرات، واسفر انفجارها عن تدمير مبنى ملحق بالبنك وتحطيم نوافذ مبنيين آخرين يضمان مكاتب حكومية. وقال سائق سيارة أجرة تحطم زجاج سيارته إنه شاهد حافلة خفيفة كتلك التي تُستخدم لنقل الموظفين تمر عبر حاجز التفتيش إلى ساحة وقوف السيارات وليس فيها إلا السائق قبل أن تنفجر. كما قال صاحب متجر لبيع الستائر حطم الانفجار واجهة متجره: "كان الناس هنا يعملون ويمارسون حياتهم اليومية، وفجأة حدث الانفجار". الله يأخذهم! ابتعد المارة الذين كانوا قريبن من مكان الانفجار مشيًا على الأقدام، صامتين اولًا ثم راحوا يتكلمون بصوت عال على هواتفهم الخلوية. وتشبث صبي صغير بساق والده لا يريد أن يتركها، وصرخت امرأة محجبة: "ابنتي في المدرسة وهم هاجموا المدرسة، الله يأخذهم". وجلست الكنة بملابس البيت ومنشفة تجفيف الصحون بيدها وحيدة في غرفة المعيشة، حيث كانت قطة من الخزف تجثم سالمة على البوفيه. ورفضت الكنة أن تغادر شقتها بالرغم من أن غالبية أقاربها هاجروا إلى أصقاع بعيدة في الولاياتالمتحدة. ومن عادتها أن تعض سبابتها حين تكون خائفة، فقالت بضحكة عصبية: "هذه المرة سال الدم من إصبعي".