قبل بضعة أسابيع، أظهرت دراسة جديدة أن الأغذية الناتجة عن الزراعة العضوية تحوي فوائد غذائية أكثر بقليل فقط من الأغذية الناتجة عن زراعات تقليدية. وإذا كان هذا صحيحاً، فما الدافع إذن إلى تحمل التكلفة المادية العالية في الزراعة العضوية بدلاً من اللجوء إلى الزراعة التقليدية التي لا تكلف إلا القليل؟ وإذا كان الفرق بين فوائد الزراعتين لا يكاد يُذكر، فلماذا يفضل بعض المستهلكين دفع مال أكثر لشراء أغذية مزروعة ومحصودة بطريقة عضوية؟ إنه الحفاظ على البيئة، وأشياء أخرى ستفيد سكان كوكب الأرض الحاليين، وتفيد أكثر الأجيال المقبلة من سكان الأرض. لا شك أن التأثير البيئي لمنتج غذائي معين يُعد أمراً بالغ التعقيد، بحيث يصعب إيفاؤه حقه والإحاطة به في مقال صغير كهذا، لكن دعونا نتناول بعض جوانبه فقط. فإذا أخذنا موضوع استخدام الأرض على سبيل المثال، ونظرنا إلى البيانات العلمية الحديثة الصادرة مؤخراً، نجد أن الزراعة التقليدية تُنتج أغذية أكثر وتستخدم بقعاً أرضية أقل من تلك التي تستخدمها الزراعة العضوية. قد تكون هذه المعلومة محبطة بالنسبة للمدافعين عن الإيجابيات المطلقة للزراعة العضوية. ولكن آخرين يقولون إن هذا الأمر لا يُعد سلبية تُحسب ضد الزراعة العضوية، خاصة إذا نظرنا إلى الصورة الكاملة للتأثير البيئي العام لهذا النوع من الزراعة. وقبل الانتقال إلى جوانب أخرى من التحليل الإيكولوجي، لا بأس في أن نناقش بشكل علمي وبإيجاز بعض إيجابيات وسلبيات كل نوع من الزراعتين. آثار نسبية لا يمكن اعتبار الأشياء التي ننتجها خيراً مطلقاً للبيئة ولا شراً مطلقاً لها. فمعظم اختياراتنا تشمل الموازنة بين أنواع مختلفة من الأضرار البيئية. وإذا أخذنا مثالاً بسيطاً كالأكياس الورقية مقابل الأكياس البلاستيكية، فيجب أن نعلم أن الكيس الورقي يحتاج كميات أكبر من الماء والأشجار والبقع الأرضية لنموها، بينما يعني الكيس البلاستيكي استخراج كميات بترول أكبر والبقاء في البيئة عقوداً مديدة دون أن يتحلل. وبالتالي فإن الاختيار ما بين الاثنين يبقى قراراً صعباً على المستوى البيئي، أي أننا نحتاج في موقف كهذا إلى اختيار أقل الضررين، وليس أفضل الحلين. والأمر نفسه ينطبق على الطعام والغذاء. فمع تزايد عدد سكان كوكب الأرض وزيادة الحاجة إلى استهلاك سعرات حرارية أكثر، تُصبح الفوائد البيئية للزراعة العضوية أمراً غير مهم إذا كان علينا التضحية بهكتارات ثمينة من مناطق التنوع الحيوي الساخنة والمساحات الغابوية القديمة من أجل إقامة مزارع عضوية. وإذا انتقلنا إلى استخدام الطاقة، فإنه يمكننا القول إنه على الرغم من وجود بيانات مكتملة وإحصاءات كافية، تُشير معظم الدراسات إلى أن الزراعة العضوية تستخدم طاقة أقل من تلك التي تستعملها الزراعة التقليدية. ولعل خير مرجع للتحقق من مدى دقة هذه المعلومة هو معهد رودال الذي بدأ الترويج للزراعة العضوية بعد أن قضى باحثوه 30 سنة كاملة في إجراء الدراسة تلو الأخرى، إلى أن تمكنوا من الجزم بالحقائق والوقائع العلمية الدامغة التي تفيد بأن الزراعة العضوية تحتاج طاقة أقل. وأجرى الباحثون خلال هذه العقود الثلاثة بحوثاً ميدانية عديدة شملت زرع الذرة والقمح وفول الصويا في بقع أرضية اختبارية بالطريقتين التقليدية والعضوية، ثم قاسوا كمية الطاقة التي تتطلبها كل زراعة. وحسب إحصاءات هذا المعهد الذي يعد مؤسسة غير ربحية، فإن زراعة هكتار واحد من الذرة العضوية يحتاج 10,150 ميكاجول من الطاقة، أي ما يعادل 78 جالونا من البنزين. وبالمقابل، فإن زراعة هكتار واحد من الذرة التقليدية يحتاج 17,372 ميكاجول من الطاقة، أي 71% أكثر مما تحتاجه الذرة العضوية. ولا يهم هنا كميات المبيدات الحشرية والعشبية التي تُقلق بعض المستهلكين، بل ما يهم أكثر هو الأسمدة المصنعة من النيتروجين، والتي تمثل 41% من الطاقة المستخدمة في تقنيات الزراعة التقليدية. أسمدة ومبيدات ... المزيد