سنان منصر بيرق* في مشهد يعكس بروز معادلة جديدة في موازين القوة والسياسة والاقتصاد، حطّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رحاله في المملكة العربية السعودية، في زيارة تكاد تكتب فصلاً غير مسبوق في كتاب العلاقات الدولية الحديثة. إنها زيارة تتجاوز حدود البروتوكول، لتلامس عمق التحالف، وتعيد رسم خرائط المصالح بين أقوى دولة في العالم، ودولة اختارت أن تصعد لا لتتبع، بل لتُقود. في السياسة لا مكان للصدفة... بل للمواقف التي تُصنع حين يجتمع قائد أعاد تشكيل الخطاب الأمريكي بشجاعة، مع زعيم عربي يقود مشروعًا إصلاحيًا جريئًا تجاوز مفاهيم التقليد، فإن الاجتماع لا يكون مجرد لقاء رسمي، بل نداء واضح للعالم بأن الشرق الأوسط لم يعد رهينة الفوضى، بل شريكًا في صناعة القرار العالمي. ترامب ومحمد بن سلمان... كيمياء التحالف الاستراتيجي لم تكن الملفات المطروحة بين الجانبين مجرد وثائق تفاهم، بل كانت أشبه بعقود سياسية تمهرها الإرادة والندية. من استثمارات تفوق ال600 مليار دولار، إلى أكبر صفقة دفاعية في تاريخ العلاقات بين البلدين، مرورا بتفاهمات دقيقة حول ملفات إقليمية ساخنة كإيران،سوريا، غزة، والطاقة… بدت الرياض وواشنطن وكأنهما تعيدان صياغة "الشرق الأوسط الجديد" ولكن هذه المرة وفق منطق السيادة والتوازن وليس الهيمنة. لغة المصالح، حين تكون مشروعة، تصبح أرقى أشكال الدبلوماسية لقد أثبتت المملكة العربية السعودية – برؤية ولي عهدها الطموح محمد بن سلمان – أنها قادرة على إدارة حوار متكافئ مع أقوى دولة في العالم. لم تعد الرياض تنتظر التعليمات، بل باتت شريكًا في الصياغة، مساهمًا في الحل، ولاعبًا في القرار. من جانب آخر، بدا ترامب – السياسي الذي يقرأ لغة الصفقات كما يقرأ المحامي نصوص العقود – مدركًا لقيمة التحالف مع المملكة، ليس فقط كحليف أمني، بل كفاعل اقتصادي قادر على ضخ الاستثمارات، وتوجيه الاقتصاد العالمي ضمن منطق الشراكة لا التبعية. بين قاعات السياسة ومجالس القضاء… الحق يُقال لو طُلب من محامٍ أن يرافع عن هذه الزيارة في محكمة التاريخ، لقال: إنها ليست مجرد زيارة دولة، بل وثيقة إرادة متبادلة بين رئيس يُحسن قراءة الخرائط الدولية، وولي عهد يرسم المستقبل بقلم التنمية، ويرفض منطق العزلة والخضوع. ولمن يشكك أو يتساءل، فإن لغة الأرقام لا تكذب. 600 مليار دولار، اتفاقيات دفاعية غير مسبوقة، شراكات في الذكاء الاصطناعي والطاقة والفضاء… كلها تشهد أن المملكة لم تعد "تابعًا في الحلفاء"، بل "رأسًا في التوازن". خاتمة: عندما تتصافح الشجاعة مع الرؤية في زمن الانهيارات، هناك من يختار الوقوف بثبات. وفي زمن الصخب، هناك من يبني بهدوء. وفي زمن الحسابات الضيقة، هناك من يفكر بعقل الدول لا الأفراد. ومن هذه الأرض، انطلقت من جديد قاطرة التحالفات العالمية، تحمل ختمًا سعوديًا أمريكيًا، ولكن بروح جديدة: ندية، نضج، ونظرة للمستقبل. زيارة ترامب للرياض لم تكن عابرة… بل لحظة مفصلية سُتكتب بحبر مختلف في سجلات العلاقات الدولية. لقد أعادت تعريف التحالف، وحددت معايير الشراكة، وأعلنت للعالم أن الشرق، حين يقوده عقل استراتيجي، لا يهدد أحدًا… بل يُبهر الجميع. *محامي وكاتب