أيوب التميمي في هذا الوطن، ليس هناك قداسة سوى للفساد، ولا شرف إلا لمن باع ضميره لقاء كرسي. الشرفاء يُطعنون في ظهورهم، والحق يُسحق، والعدالة تُشوَّه لتغطية رذائل السلطة. هنا، كل كلمة حقيقة تصبح جريمة، وكل نقد صادق يُصنَّف على أنه خيانة، وكل صوت مستقل يُقمع بوحشية. القمع لا يقتصر على الجسد، بل يمتد ليقتل الروح ويزرع الرعب في القلوب، ليصبح الخوف قانونًا، والجبن دستورًا، والفساد طقوسًا مقدسة. وفي ظل هذه السلطة، تتماهى المصالح الضيقة مع الخيانة اليومية، وتُستبدل المبادئ بالمظاهر، وتصبح المسيرة، والقيم، وحتى الدين مجرد أدوات للغطاء والتزييف. والنتيجة؟ شعب يُرغم على الصمت، وفساد يُكرَّس نفسه، وعنف يتكرر بلا نهاية، وكل من يفكر بالحق يُصبح عدوًا. ولكي يبقى البعض في مناصبهم، لا يردعهم رادع عن استغلال كل وسيلة، والانحدار إلى كل رذيلة، حتى لو تطلب الأمر خيانة الشرفاء وطعن القيم في قلبها. وحين ينتشر الفساد، وتُنهب ثروات المواطنين، ويُهان القانون، تبدأ الاتهامات الجاهزة في الانطلاق: "مرجفون"، "طابور خامس" و"متصهينون" لكل من يجرؤ على قول الحقيقة. عندها تشهر السلطة عصاها المشروخة، وتطلق أذرعها الإعلامية وأبواقها المأجورة لتنهش سمعة الشرفاء، وتزوّر مواقفهم، وكأن حماية الفساد أصبحت واجبًا وطنيًا مقدسًا. لقد تحولت التهم الزائفة إلى أداة إرهاب رسمي تُمارس بكل صلف، لزرع الخوف في النفوس. وأي نقد يُوجَّه لمسؤول – خاصة من أولئك "المؤمنين زورًا" – يواجه مباشرة بجوقة من الموظفين البؤساء، بائعي الوهم، الذين يعملون بالأجر اليومي، لتبرير الفضائح المتكررة بخطاب سمج وممجوج. فالنقد يصبح "خيانة"، والدعوة لاحترام القانون وتحقيق العدالة تُعتبر "تحريضًا على الوطن". الحقيقة أن سجلات هؤلاء مليئة بما يثبت فسادهم، وتتضمن إدانات تكشف جرائمهم، لكنهم يصرّون على رؤية الأمور بعيون المرجفين والطابور الخامس، للهروب من مواجهة الواقع، والتموضع في خندق حماية مصالحهم الخاصة. نحن أمام شبكة مصالح مترابطة، بلا ضمير أو أخلاق أو رقابة، مستعدة لارتكاب أي جريمة متى ما سنحت الفرصة. وقد اتخذ هؤلاء من "المسيرة القرآنية" مجرد لافتة لتغطية فسادهم المتكرر، متجاهلين أن المسيرة – في أبجدياتها – منظومة قيم ومبادئ وأخلاق، وليست غطاءً لكل طامع أو فاسد يريد أن يتقمص دور "رمز للمسيرة" وهو غارق في الخداع والفساد. إن أي سلطة قمعية لا يمكنها الحفاظ على هيبتها بالعنف وحده؛ فالقمع يتعطل إما حين يمتص الناس الخوف أو حين يتمردون عليه. والسلطة التي تحاول ترقيع صورتها بمزيد من العنف، إنما تجرّ على نفسها نتيجة عكسية. فالعدالة هي ما يرسّخ الحكم، أما الظلم – ولو تلحف بثوب العدالة – فيثير سخط الناس، الذين يملكون حسًا جمعيًا يميز بين الحق والباطل. اليوم، لا أعلم إن كان لا يزال هناك وقت أمام القائد لتصحيح المسار، لكن ما يحدث الآن هو نتيجة طبيعية للاختراق والانحراف عن مسار الثورة. ولا مفر من استمرار الثورة، وتصحيح المسيرة، وإعادة قيمها وأخلاقها إلى جوهرها، قبل أن تتحول إلى مجرد شعار يُستغل لإضفاء القدسية على الفساد والخيانة.