لا يمكن فصل التطورات المتعلقة بالمشكلة الكردية في تركيا عن التقدم في العلاقات التركية- الإسرائيلية بعد تقديم إسرائيل اعتذارا إلى تركيا. تدل هذه التطورات على مسألتين: مركزية الأزمة السورية في الصراع الإقليمي والدولي ومركزية الدور التركي في أكثر من قضية إقليمية. لقد اتبعت تركيا في العقود الماضية سياسة التحالفات من دولة إلى دولة واكتفت بالانخراط بالسياسات الأطلسية في المنطقة عبر تحالفات إقليمية ودولية مثل حلف بغداد والتعاون مع إسرائيل. غير أن الرؤية التركية إلى المنطقة تبدّلت جذريا مع وصول حزب العدالة والتنمية الذي اختار سياسة الانخراط المباشر بالصراعات ولو كانت داخل الدول. وهو ما يفسر تلك الخلافات الكبيرة التي ظهرت خلال الثلاث سنوات الأخيرة بين حكومة حزب العدالة والتنمية وعدد كبير من دول المنطقة وخارجها. وبقدر ما كانت تركيا تنغمس بمشكلات المنطقة بقدر ما كانت عرضة لمواجهة مخاطر متعددة في علاقاتها مع هذه الدول. لقد شكلت المشكلة الكردية عقدة مزمنة للأتراك. وكانت عاملا في عدم استقرار البلاد وإعاقة نموها. ومع أن النمو الاقتصادي عرف طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة فإنه كان ليكون أكبر لو كانت المشكلة الكردية محلولة. لم تكن العلاقات التركية الغربية في أي وقت مضى قوية إلى الدرجة التي هي عليه الآن وهو ما يفسر الدور المتزايد الذي تضطلع به تركيا في المنطقة على أكثر من جبهة من سوريا إلى العراق وإيران وصولا إلى إقليم كردستان العراق. وما كان ممكنا للذهنية القومية في تركيا التي كانت تنظر إلى الأكراد على أنهم قوم من الدرجة الثانية وعاملتهم كأسوأ ما تكون عليه المعاملة الإنسانية أن تعيد النظر بهذه المعاملة وتفكر بحل ما لتخفيف ثقل المشكلة الكردية لو لم تكن دوافع التوجه نحو الحل مرتبطة بالمخططات الغربية للمنطقة التي تستخدم تركيا في مرحلة أولى أداة لتمرير السياسات الغربية ومن ثم تنقلب على تركيا نفسها على أساس أن الغرب يستخدم الآخرين وعندما تجف المياه في عروقهم يلفظهم مثل جيفة دون أسف. إن مخطط الغرب لتقسيم المنطقة لم يتوقف عند سايكس بيكو. فهاهو السودان ينقسم إلى دولتين مستقلتين وهاهو العراق يواجه المصير نفسه، ولن تتوقف حلقة التقسيم عند الشكل الجغرافي بل ستأخذ،حيث يتعذر التقسيم الجغرافي، شكل التقسيم الاجتماعي داخل البلد الواحد فيعيش في دوامة عدم استقرار دائمة كما هو الحال في لبنان. إن أفضل ما تقوم به تركيا أن تسعى إلى حل المشكلة الكردية تبعا للمصالح التركية وحاجة البلد للاستقرار والاعتراف بالآخر والعيش معه سواسية وليس وفقا لسيناريوهات غربية تطوّع أي حل لغايات لا تخدم سوى الغرب. في السياق ذاته دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إسرائيل للاعتذار من تركيا لإزالة آخر عقبة أمام عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها علما أنها لم تتراجع ولاسيَّما على الصعيد الاقتصادي لحظة رغم كل الخلافات. لقد صرّح رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أن الاعتذار الإسرائيلي مرتبط بالوضع في سوريا. أي إن مصلحة إسرائيل أن تعتذر من تركيا لكي تضمن مصالحها في سوريا خصوصا أن مسؤولا إسرائيليا قال: إن وصول الأصوليين الإسلاميين إلى السلطة(أي جبهة النصرة) هو أفضل لإسرائيل من بقاء النظام الحالي في سوريا. إن أي قضية تكون إسرائيل طرفا فيها يدفع إلى التخوف منها والتشكيك بنواياها، خصوصا إذا كان هذا متصلا بوضع في أحد البلدان العربية. وهو ما يجر إلى الحديث عن التعاون التركي الإسرائيلي في مجال الطاقة بعدما باتت إسرائيل بلدا منتجا للنفط والغاز ومصدرا لها واستعداد تركيا للتعاون معها لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر خط يمر عبر تركيا. وهذا يعني تعطيل ألغام التوتر في شرق المتوسط مع كل من إسرائيل وقبرص اليونانية من جهة وتحويل شرق البحر المتوسط إلى حوض تركي- إسرائيلي بالتشارك من جهة أخرى. تكفي نظرة إلى المشهد العربي والإسلامي لندرك مدى بؤس هذا المشهد وانعدام المناعة في الجسمين العربي والإسلامي تجاه الخارج الغربي الذي لم يكتف بزرع إسرائيل غدة سرطانية فينا بل يريدنا أن نكون مساعدين له على نشر هذا الورم بحيث لا تقوم لنا قائمة.