كان كل شيء يدور كما هو مرسوم له. الممثلون على المسرح يتابعون أدوارهم والمتفرجون على مقاعدهم في الصالة وزجاجات الماء الفارغة والمليئة تحت المقاعد. ثم فجأة اضطرب كل شيء انتقلت الزجاجات الفارغة والمقاعد إلى خشبة المسرح كقذائف موجهة لفريق العمل وهرب الممثلون إلى ما وراء الكواليس وعلا الصراخ وهرع مدير المسرح إلى الميكرفون يناشد المتفرجين الناقمين أن يغادروا القاعة ليستمر العرض. كان ذلك من نصيب مسرح الأوديون في فرنسا أثناء تقديم مسرحية جان جانيه (الرداء) عام ألف وتسعمائة وستة وستين حسبما قرأت في مقال تحليلي للمسرحية نفسها والمسرحية بشكل عام كانت تدين فرنسا في حربها مع الجزائر وتسخر منها والفكرة بحد ذاتها تكفي لتثير غضب أي مواطن فرنسي. في هذا النموذج شعرت بذكاء الكاتب المسرحي الذي استخدم المساحة المتوافرة له من الحرية استخداما قويا جعل القاعة بأسرها تهتز من غضب الجمهور. ربما كان تأثير العمل على الجمهور سلبيا ولكنه ارتقى إلى واقع المجتمع الفرنسي والعالم في تلك المرحلة. تأملت طويلا تلك السطور. نحن هنا ننعم بحرية فكرية يحسدنا عليه العالم بأسره لكننا لا نكتب شيئا جديدا عن العالم حولنا لا نكتب عن واقع المتغيرات السريعة التي تنقلها لنا الفضائيات على طبق من ذهب لا نستمد منها حتى الفكرة لا نرتقي إلى ما يحدث على أرض الواقع في العالم بأسره أعمالنا المسرحية لا تعبر عما يحدث في العالم بأي شكل من الأشكال هذا وقد أصبح العالم قرية صغيرة وأصبح الإعلام يغرقنا يوميا بما يجري في العالم من تغيرات على كل المستويات لا أتحدث هنا عن السياسة بل عن الثقافة تلك الثقافة التي تروض كل شيء وتعرض كل شيء وتحكي عن كل شيء أتحدث عن الكلمة تلك الكلمة التي قد تصنع معجزات الكلمة التي تعالج تشرح تحلل وتبرر وتفتح آفاقا وتعزز قيما ومبادئ وتضيء نهجا. الأقلام مازالت متقوقعة في إطار محدود لا يتجاوز الحكايات الاجتماعية البسيطة رغم مساحة هائلة من الحرية التي ينعم بها المبدعون لدينا في كل المجالات. رغم الدعم اللامحدود والتشجيع والتقدير وتوافر الكوادر الفنية الجيدة. الفكرة تفرض نفسها دوما مهما كانت الإمكانات ضعيفة كانت أم قوية وهذا ما يبرر نجاح الأعمال القديمة شبه الخالدة كمسلسل درب الزلق على سبيل المثال والذي نجح بعفوية السرد وجمال الكلمة وقوة الفكرة وواقعيتها بعيدا عن الميزانيات الضخمة والإمكانات الأخرى في زمن بعيد كل البعد عن التطور التقني التكنولوجي الذي نشهده الآن والذي سهل علينا الكثير والكثير إلا أننا لم نستطع بعد الاستفادة من ذلك لأن الأقلام جافة والفكر لا يحلق في آفاق أرحب ولا يحاول أن يرتقي للعالمية ولا يأتي بأي جديد يصبح حديث الجمهور وحديث الناس والشارع ككل الأعمال العظيمة والخالدة. لا جديد مع كل عام لا جديد لا على مستوى المسرح الثقافي ولا الاجتماعي ولا الطفل. وعلى فكرة مسرح الطفل يكاد يندثر فهل من جديد؟