العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم الفن فاسد... مزوّر أعمال جياكوميتي يكشف كامل قصته
نشر في الجنوب ميديا يوم 23 - 08 - 2012

كان يخت رومان أبراموفيتش الفخم يرسو في الخليج. جلسنا تحت نخيل جوز الهند على شاطئ أبيض وكانت أغنية بوب ديلن (Like a Rolling Stone) تصدح في المكان عبر جهاز ستيريو. أشعل روبرت دريسن سيجارة وقال: «أنا عالق في الجنة».
عاش دريسن في تايلاند خلال السنوات الثماني الماضية. يملك مقهى قريباً من الشاطئ ولكنه بعيد جداً عن أوروبا. تطارده السلطات في أوروبا، موطنه الأصلي، لا سيما التحري إرنست شولر من شتوتغارت كونه متخصصاً بالجرائم الفنية. كان دريسن قد زوّر منحوتات فنية للنحات السويسري ألبيرتو جياكوميتي (1901-1966). يقبع اثنان من شركائه في السجن في ألمانيا بعدما حصدت العصابة أكثر من ثمانية ملايين يورو (10،4 ملايين دولار) بفضل خردة المعادن التي تستعملها. عضو العصابة الوحيد الذي لا يزال حراً طليقاً هو دريسن.
تظن الشرطة أنه زوّر ألف منحوتة على الأقل. قال إن العدد يتجاوز عتبة ال1300 على الأرجح: «لكني لم أحتسب العدد المحدد يوماً».
أمضى دريسن (54 عاماً) أكثر من 30 سنة وهو يزوّر الأعمال الفنية، بما في ذلك اللوحات والمنحوتات، وقد عاش حياة مترفة نتيجةً لذلك. جنى ثلاثة ملايين يورو على الأقل بفضل السلع المزورة. لا شك في أن التحول إلى سجين في بحر الصين الجنوبي ليس أسوأ مصير في العالم، بل يؤكد دريسن أنه لا يندم على شيء. لكنه يظن أن الوقت حان كي يعلم العالم حقيقته وطبيعة عمله.
زوّر فولفغانغ بيلتراتشي، رسام من منطقة راينلاند في ألمانيا، 100 لوحة تعبيرية على الأقل خلال فترة مماثلة من الزمن، فكسب ما يقارب الثلاثين مليون يورو. إنه ملك تزوير الأعمال الفنية، ويتسم بشخصية غريبة ويحب أخذ المجازفات، وقد خدع عالم الفن وأصبح نجماً في وسائل الإعلام منذ أن قُبض عليه قبل ثلاث سنوات.
يمكن أن يدعي دريسن أنه يُعتبر، بعد بيلتراتشي، ثاني أهم مزور للأعمال الفنية في أوروبا. لكن تكمن المشكلة الوحيدة في واقع أن أحداً لا يعلم حقيقة من يكون. يقبع بيلتراتشي في السجن بينما يقيم دريسن في تايلاند.
النحات الأعلى كلفة
كان ألبيرتو جياكوميتي أحد أعظم الفنانين في القرن العشرين ويُعتبر اليوم، بعد 47 عاماً على وفاته، النحات الأعلى كلفة في العالم. منذ ثلاث سنوات، اشترت أرملة مصرفي لبناني منحوتة له بعنوان «الرجل الذي يمشي» خلال مزاد علني في سوثبي مقابل 74 مليون يورو. دائماً ما يكون نجاح معارض منحوتات جياكوميتي، مثل المعرض الذي يتم تحضيره راهناً في هامبورغ، مضموناً.
انتقل جياكوميتي من بلدته الأم في بيرغل، سويسرا، إلى باريس حين كان في العشرين من عمره. كان صديق ماكس إرنست، خوان ميرو، بابلو بيكاسو، جان بول سارتر، سيمون دو بوفوار، أندريه بريتون، مان راي، سامويل بيكيت، جان جينيت، وإيغور سترافينسكي. تظهر صورة جياكوميتي بعينيه الواسعتين وشعره الأشعث الداكن ووجهه المليء بالتجاعيد على ورقة المئة فرنك في سويسرا اليوم. كان جزءاً من موجة فن الطليعة في باريس وكان الرجل مهووساً بفنه وبوهيمياً بطبعه، فكان فطوره في فترة الظهر يتألف من بيض مسلوق وكمية وافرة من القهوة السوداء، إلى جانب عدد من السجائر غير المفلترة. ابتكر مجموعة من التماثيل الغريبة والكائنات الحساسة والطويلة والهزيلة التي تبدو عليها ملامح اليأس بما يشبه نموذج قنينة الكوكا كولا.
يُقال إن هذا الفنان أنتج أكثر من 500 تحفة فريدة من نوعها مع أن أحداً لا يعلم العدد المحدد. حتى مؤسسة ألبيرتو وأنيت جياكوميتي التي أسستها أرملته في باريس تجد صعوبة في تنظيم الفوضى التي طبعت حياة جياكوميتي الفنية. غالباً ما كان يستعمل مسابك مختلفة لإنتاج التحف البرونزية انطلاقاً من التصميم نفسه بعد أن ينسى نماذج الجص التي قولبها وتلك التي حطّمها لأنها لم تعجبه. ما من كتيّب يشمل أعماله بل ثمة قاعدة بيانات ناقصة فيها صور لأعماله على الإنترنت. كان فناناً عظيماً وقد ابتكر مجموعة فنية عظيمة ولكنه ترك وراءه فوضى عارمة. في هذا السياق، صنع جياكوميتي تحفاً سهلة جداً بالنسبة إلى روبرت دريسن.
كانت العملية سهلة نسبياً من الناحية التقنية. قال دريسن: «كانت التماثيل طويلة ورفيعة وكان السطح غير متبلور ومتفتّت. لا يصعب نسخ أعمال جياكوميتي». بعد قليل، اعتبر دريسن أنه كان «يضع جياكوميتي بين أصابعه حرفياً». بحسب قوله، كان يحتاج إلى 30 أو 40 دقيقة لصنع التماثيل الصغيرة. لكنه ما كان يعيد قولبة نسخ التحف الأصلية بكل بساطة. بل إن دريسن كان يضيف تفاصيل إلى جوهر تحفة جياكوميتي. فهو صنع نماذج خاصة به وقولبها وختمها بطوابع المسابك التي كان يستعملها جياكوميتي.
دريسن مواطن هولندي من أرنهيم في شرق هولندا ولكنه يجيد اللغة الألمانية بطلاقة. في عمر السادسة عشرة، رحل من المنزل وغادر المدرسة وبدأ يرسم لكسب لقمة عيشه: كان يرسم طواحين الهواء، القنوات، الصيادين، المراكب، والبحر. كان ينتقي مشاهد نموذجية من هولندا ويرسمها بعرض 30 سنتم وطول 40 سنتم، وقد لاقت رواجاً كبيراً في ألمانيا. سرعان ما سأله التاجر الذي باع لوحاته إذا كان يستطيع نسخ أعمال الرسامين الرومانسيين الهولنديين: بول غابريال، ويوهان هندريك وايسنبروش، وهندريك ويليم ميسداغ. اشترى دريسن لوحات قديمة في أسواق البرغوث ونزع اللوحات من أغطيتها القماشية وبدأ العمل.
لم يهتم أحد بلوحاته الخاصة. بعد سنتين أو ثلاث سنوات، بدأ دريسن يرسم نسخاً متنوعة من أعمال الفنانين التعبيريين من أمثال إميل نولد، وأوغست ماك، وفاسيلي كاندينسكي، وكارل شميت روتلوف. كان يكتفي برسم نسخ مطابقة للأعمال الأصلية حيناً ويبتكر لوحة جديدة مستوحاة من لوحات متعددة أحياناً: إنها تقنية المزوّرين القدامى.
ازدهار الأعمال
سرعان ما بدأ عدد متزايد من التجار يشتري لوحاته. كان أحدهم ميشال فان رين الذي أصبح في نهاية المطاف أنجح مهرّب للتحف الفنية في العالم. كان يعيش في فيلا في مدينة الاستجمام الإسبانية ماربيلا وقد تعرّض لحملة شرسة من المنافسين ثم عاد وتعاون مع شرطة «سكوتلند يارد». مقابل لوحة مزيفة للفنان شميت روتلوف مثلاً، كان دريسن يجني بين 500 و700 يورو. طلب منه التجار أيضاً صنع أعمال زخرفية. يتذكر أنه رسم في إحدى المرات 15 لوحة مائية للفنان نولد في يوم واحد.
وفق تقديرات دريسن، يبدو أنه رسم على الأرجح أكثر من ألف لوحة، وتراه لا يهتم بمعرفة ما حدث لها: «تُعلَّق واحدة أو اثنتان منها على الأرجح في متحف ألماني أو هولندي». يتذكر أن تاجراً حصل على لوحات كان قد باعها في مزاد علني من تنظيم شركتَي «سوثبي» و{كريستي»: «كنت أعلم أنني أزوّر الفن. وكان التجار يعلمون أنهم يشترون قطعاً مزيفة. لكننا لم نتحدث بالموضوع. أفترض أنهم باعوا الأعمال المزيفة باعتبارها لوحات أصلية».
حصل ذلك في الثمانينيات وكانت الأعمال مزدهرة حينها. استأجر دريسن فيلا فيها 11 غرفة نوم وستة حمّامات وثلاثة استوديوهات في الطابق الأعلى في مدينة أرنهيم، على بُعد 10 كيلومترات فقط من الحدود الألمانية. وكانت سيارته من طراز «بي أم دبليو 7» مركونة في الخارج.
لكنه يعيش في منزل أكثر تواضعاً اليوم، فهو مصنوع من الخشب ويرتكز على أعمدة ويقع على بُعد كيلومترين بين الجبال الخضراء. يشمل المنزل غرفتين فقط وتضم غرفة المعيشة مجموعة صفحات عليها شخصيات صينية رسمها أخيراً بناءً على طلب صديق. لقد كتب قصته كمزور للأعمال الفنية في دفتر رسم كبير.
فن النحت
في عام 1987، بدأ يقولب المنحوتات وكان قد تعلّم هذه الحرفة من رويل ماسكانت، وهو حرفي من برومين بالقرب من أرنهيم. من المعروف أن المنحوتات البرونزية تكون مكلفة ومعقدة ولا شك في أن المسار الذي يجب اتباعه لتحويل التمثال المصنوع من الشمع أو الجص إلى قالب لاتكس وصولاً إلى إنتاج المنحوتة النهائية هو مسار طويل. يقول دريسن: «لا نعلم إذا كان العمل سينجح. الأمر مشوق».
تبدو سوق المنحوتات أكثر غموضاً من سوق اللوحات لأن إعادة القولبة أسهل من الرسم. لطالما كانت القوالب تظهر في العلن حين كان الورثة يطلبون قوالب معينة بعد وفاة النحات. على سبيل المثال، ثمة 80 قالباً لمنحوتة شهيرة من صنع الفنان جورج كولب من برلين. يصعب التأكد من عدد القوالب المتوافرة لمنحوتة معينة لأن المسابك تصنّع نسخاً منها في أغلب الأحيان أو تنتج منحوتات إضافية بما يفوق ما طلبه الفنان. نتيجةً لذلك، ثمة منحوتات أصلية حقيقية ومزيفة ولا يمكن التفريق بينها.
يُعتبر ديرك غروسمان أفضل من يصنع القوالب البرونزية في أرنهيم. اشترى دريسن عدداً من قوالب اللاتكس من غروسمان وقد استعملها لإنتاج تحف برونزية لفنانين مثل ديغاس ورودان وماتيس وليهمبروك وبارلاش وكولويتز، أو بالأحرى جميع النحاتين المعاصرين المعروفين. على سبيل المثال، شملت عملية الشراء قالباً لمنحوتة إرنست بارلاش بعنوان «مجموعة التقبيل» وتحفة كاثي كولويتز بعنوان «الشكوى». أعاد دريسن قولبة التحف البرونزية وأخذها إلى برلين، تحديداً إلى مسبك هيرمان نواك التقليدي الذي عمل على إنتاج أعمال بارلاش وكولويتز في العشرينيات والثلاثينيات، فقيل له هناك إن القطع البرونزية التي أُعيدت قولبتها كانت أصلية. باع دريسن القطع مقابل 17 ألف غيلدر هولندي (حوالى 7700 يورو) إلى تاجر تحف في هايغ.
كان من الأصعب تزوير تحف برونزية في حال عدم وجود أي قالب لها. قصد دريسن مدينة دويسبورغ أكثر من عشر مرات لالتقاط أكثر من 200 صورة للوحة «المرأة الراكعة» الشهيرة للفنان فيلهلم ليهمبروك من أمام متحف ليهمبروك. لبيع التحف البرونزية المنجزة التي كانت تزن 150 كيلوغراماً، نشر إعلاناً في صحيفة «ويلتكانست». وصل أول مشتري محتمل إلى أرنهيم بمروحية.
كان العميل الثاني تاجر تحف من كولونيا وهو مايكل ويرنر، أحد أعظم مالكي المعارض في ألمانيا وكان يمثل فنانين مثل أ.ر. بينك، وماركوس لوبيرتز، ويورغ إيميندورف. كان ويرنر يقود سيارة «جاكوار» وقد دفع 42500 يورو مقابل نسخة من أعمال ليهمبروك. اليوم، تُعرَض التحفة في حديقة معرض ويرنر في تريبن، في جنوب برلين. كان ويرنر متحمساً جداً حين حصل على القطعة في تلك الفترة بحسب قول دريسن، ولكنه يعتبرها اليوم مجرد «عمل مزيف مشين».
تسويق علامة تجارية
صنع دريسن أول منحوتة لجياكوميتي في عام 1998. بعد دراسة أسلوب الأخير وتواقيعه وختم المسبك، صنع تمثالاً رفيعاً من الجص بطول 2،7 متر وأسماه «أنيت»، تيمناً باسم زوجة جياكوميتي، واحتفظ به في قبو منزله. لم يصنع القالب البرونزي إلا بعدما وجد أحد شركائه عميلاً محتملاً.
بعد فترة قصيرة، زار عدد من الرجال دريسن: تاجر تحف هولندي كان يعرفه منذ فترة طويلة، وتاجر تحف قديمة من مدينة ماينز في جنوب غرب ألمانيا اسمه غيدو س.، ورجل يوناني كان يعيش في منطقة سوابيا في جنوب ألمانيا. أخرج اليوناني مغلّفاً بنياً وعدّ أموالاً نقدية مطبوعة حديثاً بقيمة 250 ألف مارك ألماني، وقدّمها إلى تاجر التحف الذي سلّم المال بدوره إلى دريسن.
فيما كانوا يستعدون للمغادرة، سأل غيدو س. دريسن: «هل تملك تحفاً أخرى لجياكوميتي؟». فأجاب دريسن: «نعم، قد أتمكن من صنع 12 تحفة أخرى وقد يكون بعضها من إنكلترا».
هكذا بدأت حقبة تزوير أعمال جياكوميتي العظيمة. ذهب غيدو س. لرؤية دريسن مجدداً بعد ثلاثة أسابيع ولكنه غادر هذه المرة حاملاً 12 تحفة برونزية من أعمال جياكوميتي وكانت جميعها عبارة عن تماثيل صغيرة يقل طولها عن 40 سنتم. حصل دريسن على 6 آلاف مارك ألماني. لم ينزعج غيدو س. ولا المزوّر حين وجدت الشرطة، بعد بضعة أشهر، 13 تحفة من أعمال جياكوميتي كان قد زوّرها دريسن في منزل محب الفنون اليوناني الذي كان متورطاً في صفقات مشبوهة عدة. بل بدأ الرجلان يطوران أعمالهما.
كان غيدو س. أحد الشراة الذين لا يكتفون بالقليل وقد وفر دريسن لتاجر التحف القديمة أعمالاً مزيفة بقدر ما يريد. كان غيدو س. يأتي شخصياً لاستلام القطع البرونزية وقد أخبر دريسن بأنه يخطط لفتح معرض بالقرب من لاغوس في منطقة ألغارف في البرتغال، على أن يشمل 1500 تحفة لجياكوميتي. كان الرجلان يتقابلان في أيام الآحاد في منطقة استراحة بالقرب من طريق سريع يمر من هولندا إلى منطقة الراين - الماين في ألمانيا. كان دريسن ينقل أعمال جياكوميتي المزيفة من سيارة «بي أم دبليو» الخاصة به إلى عربة قطار يملكها غيدو في محطة دايملر. في المقابل، كان يتلقى مغلفاً مليئاً بالأموال النقدية أو كان ثمن العملية يُنقَل بكل بساطة إلى حسابه المصرفي. استمرت عمليات تزوير تحف جياكوميتي طوال 10 سنوات.
نمو شبكة التزوير
قابل روبرت دريسن خلال إحدى زياراته إلى تاجر التحف القديمة في ماينز شريكه لوثار س. الذي كان يحمل لقب «كونت فون والدستاين» إلى جانب اسمه. كان لوثار سائق قطار في شرق ألمانيا قبل اعتقاله لأنه تحدى النظام السياسي ثم تم ترحيله إلى غرب ألمانيا. فيما كان الكونت يتولى عمليات البيع، كان غيدو س. يؤدي دور الخبير الاستراتيجي في العصابة.
حتى غيدو س. أعدّ كتاباً سماه «انتقام دييغو» وقد طبع 300 نسخة منه. يسرد قصة نصفها حقيقي ونصفها الآخر خيالي عن دييغو جياكوميتي، شقيق ومساعد الفنان، فهو كان قد أنشأ مخبأً سرياً للمنحوتات. وفق الكتاب، عمد الشقيق إلى إزالة «نتاج أعمال جياكوميتي الذي أمضى ليالي طويلة وشاقة وهو يصنعها» من الأستوديو وصنع قوالب خاصة بها «ثم أخذها إلى المسبك بنفسه أو بعد التشاور مع ألبيرتو».
ذكر الكتاب أن دييغو خبّأ القوالب في البداية. لكن بعد وفاة ألبيرتو في عام 1966، باعها إلى جامعي التحف في اليونان وفرنسا وإنكلترا. كتب غيدو س. في حكايته الطويلة أن الكونت والدستاين اشترى القطع البرونزية مجدداً من جامعي التحف. حتى رقم المعيار الدولي المطبوع في الكتاب كان مزيفاً. تحتاج كل عملية تزوير إلى أسطورة خاصة بها ويحتاج كل عمل مزوَّر إلى مصدر منطقي.
بحث شركاء دريسن عن أفراد أثرياء تكون معرفتهم محدودة بعالم الفن. وقد نجحوا في ذلك. اشترى ملياردير في فيسبادن، بالقرب من فرانكفورت، 49 عملاً مزيفاً لجياكوميتي مقابل 3،5 ملايين يورو. دفع مدير الاستثمارات بيتر هانس تشاك في شتوتغارت 3،7 ملايين يورو على الأقل مقابل 18 تحفة مزورة. لكن فشلت محاولة بيع حوالى 300 منحوتة إلى شخصين كانا يملكان معارض في نيويورك مقابل 50 مليون يورو بعد أن اشتبه الأميركيان بوجود أمر مريب في العملية.
حتى إن دريسن اضطر إلى توظيف مساعدَين له كي يواكبا عمليات القولبة. أُنتج معظم القطع في مسبك رويل ماسكانت في برومين. لكن اكتشف دريسن لاحقاً أنه حصل على أقل من خِمس سعر الشراء: «كان الأمر غير منصف بما أنني الفنان في هذه العملية كلها».
ملجأ في جنوب شرق آسيا
في عام 2005، اضطر روبرت دريسن وزوجته وابنهما إلى الهجرة إلى تايلاند هرباً من المشاكل في بلدهم الأم. قبل أن يغادروا، حرق دريسن جميع صور أعماله الفنية المزيفة، ثم استأجر فيلا كبيرة على خليج تايلاند بينما تابع غيدو س. إرسال المال إلى حسابه المصرفي من ألمانيا.
في البداية، لم يوقف دريسن رحلاته المتكررة إلى هولندا حيث تابع إنتاج تحف جياكوميتي. لكن في فبراير 2009، اعتقلته الشرطة التي كانت تطارد أصلاً غيدو س. والكونت المزيف واحتجزته طوال ساعتين في مطار فرانكفورت. حين توجه دريسن إلى هولندا من هناك، تابع شرطيون باللباس المدني مراقبته عن كثب خلال الأيام العشرة اللاحقة. تجنباً للمشاكل، قرر دريسن عدم زيارة المسبكين اللذين يملكهما وعاد بعد فترة قصيرة إلى تايلاند.
في بداية مارس 2009، تلقى دريسن الرسالة النصية التالية من غيدو س.: «أنا أنقل الأموال إلى حسابك لكن احرص على عدم المجيء إلى ألمانيا». بعد خمسة أشهر، اعتُقل غيدو س. ولوثار س. ومساعدان لهما في مطار فرانكفورت على يد وحدة شرطة متنقلة أثناء عملية بيع خمس تحف مزيفة لجياكوميتي مقابل 338 ألف يورو نقداً. كان لوثار س.، الكونت المزيّف، قد تقابل مع محققين فعليين كانوا يعملون كعملاء سريين تابعين لمركز الشرطة في ولاية بادن فورتمبيرغ في جنوب غرب ألمانيا.
بحث ضباط الشرطة أيضاً عن مستودع العصابة في مستديرة كايزر كارل في ماينز. في غرف متعددة في القبو، وُجدت 831 قطعة برونزية و171 تمثالاً مصنوعاً من الجص على طريقة ألبيرتو جياكوميتي، فضلاً عن 20 قطعة من الأثاث المعدني ونسخ من التحف الأصلية التي كان يملكها شقيق جياكوميتي، دييغو.
فرضت المحكمة الإقليمية في شتوتغارت عقوبات صارمة. أصر لوثار س. حتى الفترة الأخيرة على أصالة المنحوتات وأكد أنه كان يعرف دييغو جياكوميتي شخصياً، لكن حُكم عليه بالسجن مدة تسع سنوات بينما حُكم على غيدو س. بالسجن مدة سبع سنوات وأربعة أشهر. لا تزال القضية مفتوحة ضد دريسن لكن لا يستطيع المحققون استدعاءه من تايلاند بما أنه ليس مواطناً ألمانياً.
في شهر يونيو من السنة الماضية، نقل المحقق إرنست شولر ومساعدوه أكثر من ألف تحفة من صنع دريسن إلى مسبك في بلدة سوابيا في سوسن. استُعملت جرافة لتحطيم تماثيل الجص بينما تم تذويب التحف المعدنية وتحويلها إلى قضبان على حرارة تفوق الألف درجة مئوية. ثم استعملت القوالب خمسة أطنان من البرونز المذوّب لصنع أبواب لأحد العملاء في أبو ظبي.
شاهد دريسن تقريراً تلفزيونياً حول تدمير أعماله على موقع يوتيوب، لكنه لم يتأثر كثيراً. لا يشعر بالذنب وثمة حدود لشفقته على ضحاياه: «كل من يظن أنه يستطيع شراء تحفة حقيقية للفنان جياكوميتي مقابل 20 ألف يورو يستحق أن يتعرض للخداع. عالم الفن فاسد».
لا يعلم بعد ما إذا كان سيكرر تلك العمليات كلها. انتقلت زوجته وابنه مجدداً إلى أوروبا منذ فترة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.