يتميز التراث الإماراتي بغناه وتنوع مفرداته من الشعر إلى البناء والعمارة وصولاً إلى الرقصات والأهازيج الشعبية وغيرها الكثير مما هو نتاج سنوات طويلة من الحياة على هذه الأرض . وتعتبر "الخراريف" من العناصر المهمة والمميزة في هذا التراث الغني، لما تحمله من تشويق، ولما لعبته من دور في ترسيخ الأخلاق الحميدة، ففي هذه الحكايات البسيطة ينتصر الحق دوماً . وفي محاولة لإحياء هذه الحكايات، نفذت مجموعة من طالبات جامعة زايد في أبو ظبي مشروعاً بعنوان "ميل من الحكايات"، يقوم على أن تؤلف كل طالبة خرافة تستوحي شخصياتها من القصص القديمة لكن الأحداث تدور في زمننا الحالي . وبعد جمع القصص تعرض في لوحات كبيرة على مسافة ميل على كورنيش أبوظبي . الطالبة شيخة حسن تقول عن مشاركتها في المشروع: "تقوم الفكرة على إحياء جزء مهم من التراث الإماراتي، وهي الخراريف، والتي كانت الجدات تحكيها للأحفاد بغية تعليمهم درساً ما أو حكمة مفيدة بطريقة مشوقة لا تنسى، وعندما علمت بهذا المشروع بادرت إلى المشاركة فيه من خلال تأليف "خروفة" تعتمد على شخصيات قديمة" . وترى أن هذه الفعالية أسهمت في تعريف الناس بالخراريف، وأنهم من خلال زيارتهم للمعرض وسؤالهم عن محتواه وقراءتهم للقصص المعروضة أصبحت لديهم فكرة واضحة عن التراث الأدبي للدولة وترى الطالبة العنود المزروعي أن إحياء التراث من الأمور التي يجب أن يوليها الشعب الإماراتي أهمية كبرى، فهو جزء مهم من الهوية الإماراتية، وتضيف: "شعرت بسعادة كبيرة عندما أتيحت لي فرصة المشاركة في مثل هذه الفعالية، فإضافة إلى الجانب التراثي الذي تحمله، عملت على إحياء روح الإبداع في الطالبات المشاركات ، فقمن بتأليف قصص جميلة، تحمل دفء الماضي بلمسة عصرية، بالنسبة لي قمت بتأليف قصة بعنوان "حمار الظهيرة"، وهي شخصية معروفة كانت تستعمل في الماضي لمنع الأطفال الصغار من الخروج في وقت الظهيرة واللعب تحت وهج الشمس المحرقة، وقمت باستنساخ هذه القصة والتعديل عليها لتصبح ملائمة لوقتنا" . أما الطالبة خولة سالم فرأت في المشروع فرصة مناسبة لتسهم في إحياء التراث الإماراتي، وتقول: "يأتي المشروع ضمن المنهاج الجامعي، فقد طلب منا كتابة قصة معينة لنختبر من خلالها قدرتنا على التأليف، ثم تطور الموضوع لتكون هذه القصص مستوحاة من الخراريف المعروفة في التراث الإماراتي، وأسهمت بقصة تتحدث عن كيف يستطيع المرء بذكائه التغلب على المشكلات والمصاعب" . أما الطالبة أسماء الهاجري فتقول: "من يطلع على الخراريف التراثية الإماراتية يرها تذخر بالدعوة إلى الأخلاق الحميدة ونبذ الظلم، فهي في معظمها تحمل أفكاراً سامية تعكس الرقي الأخلاقي الذي يتمتع به المجتمع الإماراتي، وكانت الخراريف تلعب دوراً مهماً في إيصال هذه الأخلاق إلى عقول الجيل الناشئ بطريقة سلسلة وممتعة فتبقى عالقة في أذهانهم طوال العمر" . وتشير الهاجري إلى أن هذه التجربة الأولى لها في تأليف القصص، ووجدت فيه جانباً ممتعاً، وقد تستمر في هذا الاتجاه . لم تكن "الخروفة" التي شاركت بها الطالبة خلود الكندي محاولة الكتابة الأولى لها، وتقول عن ذلك: كان لي عدة محاولات أخرى، وما كان لي أن أفوت فرصة المشاركة في هذا المشروع، وخصوصاً إن كان الأمر يتعلق بجزء مهم من تراثنا العريق، وتأتي أهمية هذا المشروع من خلال تسليط الضوء على الحكاية الشعبية الإماراتية، عرضها بطريقة مبتكرة على مسافة طويلة في منطقة من أهم المناطق السياحية في أبوظبي وهي الكورنيش التي يقصدها يومياً آلاف الزوار من مختلف الجنسيات وعدد كبير منهم توقف ليقرأ الحكايات وبدأ يسأل عنها" . أما الطالبة عائشة محمد فكان مغزى القصة التي شاركت بها هو الحكم على الناس من أفعالهم وليس من أشكالهم، من خلال عرض شخصية أبو راس، تقول: "هو شخصية معروفة في التراث الإماراتي، كان شكلة قبيحاً لكن اخلاقه عالية، اذ يعمل على مساعدة الناس بلا مقابل، ومع ذلك، لم يكن يلقى الاحترام من الناس، إلى أن جاءت حمدة وهي صبية صغيرة كان أبو راس قد ساعد والدها، فشكرته وهو أمر ترك كبير الأثر في نفسه، فقد وجد أخيراً من يقدر أعماله ويشكره حتى لو بكلمة، فالقصة بمجملها تدعو إلى تقدير المعروف" . الطالبة سلمى المنصوري مزجت قصتين تراثيتين، تقول عن ذلك: "حاولت أن أقدم شيئاً جديداً في المشروع ، فجمعت ما بين شخصيتين خرافيتين عاشتا نفس الظروف ولهما صفات متشابهة، هما أم الرويس التي كانت تعاقب الأزواج الخائنين، وشنق بن عنق وهو رجل عملاق، إن دخل بلداً دمره، ونتيجة ظروف معينة تجتمع الشخصيتان، فيجد كل واحد في الآخر مكمل له، فيتزوجان لتتغير صفاتهما السلبية"، وتشير المنصوري إلى أن هذا المشروع لقي إقبالاً كبيراً من الطالبات الإماراتيات اللواتي وجدن فيه فرصة لتعريف المجتمع على التراث الإماراتي . الطالبة شما المنصوري تقول عن مشاركتها: "الفائدة الأولى لهذا المشروع معرفتي بالتراث الإماراتي، فأنا كنت أسمع بالخراريف وبعض شخصياتها، لكن لم يكن لدي فكرة كافية عن محتواها، وبعد مشاركتي في المشروع احطت بكل المعلومات" . وتشير الطالبة مايسا محمد إلى أنها قبل المشروع لم يكن لديها فكرة عن تأليف القصص، وتضيف: وجدت فيه فرصة لاختبار قدراتي في التأليف، واتصل المشرف على هذا المشروع بعبد العزيز المسلم مدير إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة والذي قدم لنا خلاصة تجربته في عالم الكتابة والتأليف، وهذا الأمر دفعني لآخذ الموضوع على محمل الجد، فحاولت من خلال الخرافة التي ألفتها أن أكتب شيئاً جديداً، فقصتي تتحدث عن أبو درياه وهو عفريت البحر الذي كان يسرق زوارق الصيادين، لكن وبعد التطور الذي حصل في الإمارات وتقلص نشاط الصيد والغوص، قام ابو درياه بالهجوم على القرية للانتقام من أهلها، فراح يخطف بنات القرية ويقتلهن، وهنا يظهر بطل القصة واسمه عبد الله وهو شاب سيئ السمعة والسلوك، لكنه كان يهوى إحدى بنات قريته التي تعرضت للخطف، فبحث عن الخاطف ليعرف أن أبو درياه هو الفاعل، فطلب من أهل القرية مساعدته، لكنهم رفضوا ذلك نظراً لسوء سمعته، حتى جاء رجل مسن ونصحه بتغيير سلوكه حتى يلقى المساعدة، واستجاب للنصيحة ثم هجم هو وأهل قريته بالهجوم على مخبأ أبو درياه وأنقذ المختطفات .