كنت منشغلاً بشكل القصيدة العربية الجديدة أكثر من أي شيء، وما حال الشاعر العربي وقد زال عنه الخوف منذ حلّت الدولة الوطنية محلّ البنى الملحقة بدولة المستعمر، وكيف سيشكل هذا الشاعر أدواته، بعد أن اطمأنّ إلى أدواته القديمة التي قدّها من تجارب بشرية متلاحقة، جاوز فيها كلام أهل السلطان الظاهر الحقيقي، بكلام الباطن المجازي، لتصير بعدها هذه الحيل الإنسانية أدباً يكتسب في المدارس، ومحافل الأدب. هل سيتفوق الشاعر المطمئن على صنوه الخائف، وهل الحرية شرط خارجي أم شعور يعبّر عن كفاءات في الطبع، هل سيكون حراً من استراح من مطاردة الأمن ولا يجرؤ على قول الحقيقة أو ظلالها، بينما يقولها شاعر آخر في ظروف صعبة قد يدفع لقاءها حياته، ألم يكن فتحي آدم وأحمد فؤاد نجم وغيرهما كثير أحراراً، ثم إن الحرية لا تكمن في الجانب السياسي، فمن سيجرؤ غداً على كتابة نص يثير قلقاً اجتماعياً أو فكرياً؟ كان همّ أدباء تونس الأول بعد سقوط نظام الحكم هو إقامة مهرجان أدبي في مدينة سيدي بوزيد، وملامسة الحدث الساخن أدبياً، وفي مصر ظهرت كتابات جديدة تحاكي الحدث كما في نصوص الشاعر جمال بخيت، وللأمانة فإن الشعر المصري في السنوات الأخيرة كان أكثر جرأة، وهناك أكثر من نصّ فصيح وعامّي وسم المشهد الأدبي في السنوات الأخيرة لشعراء من أمثال " أحمد فؤاد نجم، عبد الرحمن يوسف، إيمان بكري..الخ". ساهم الخوف في تأسيس نظام أدبي يضع الكاتب في (الوضع الآمن) بعيداً عن أسئلة العسس والقراء المتربصون، وباتت اللعبة الأدبية في حاجة إلى مزيد من الكدح، لا يكفي أحياناً لإلقاء القبض على المعنى في حياة الكاتب، مما يجعله في طمأنينة أن الحريق سينشب وهو بعيد. وهكذا برزت مفاهيم وتقانات في تأسيس مفاهيم جديدة: " المسكوت عنه – التأويل- النص الغائب- تعدد القراءات- مستويات التلقي " ومن قبيل ذلك، ما يبين منه أن المبدع الخائف استطاع أن يدس رسالته في لعبة الأدب. ربما علينا أن ننتظر طويلاً لنخرج من بؤسنا الأدبي، وربما سنكون رهن تداعيات جديدة مرتهنة إلى تقاطع الاجتماعي مع السياسي في الوقت التالي من تبعات الربيع العربي. ربما علينا أن ننتظر فلسفة جديدة، أو طارئ غير متوقع، لأن الشعر العربي الذي انتعش إثر اكتشاف هوية الأمة بداية القرن الماضي، وبأثر الجرح الفلسطيني الغائر، لكنه اليوم أمام واجب ثقيل بعد أن اكتشف أنه لم يكن الذي أوقد جمرة الثورة.