إن كلمة الأدب من المصطلحات التي دارت حولها المناقشات والآراء قديمًا ، ولا تزال موضع دراسة وبحث حتى الآن . وقد ذكر مصطفى صادق الرافعي أن هذه الكلمة – الأدب – تقلبت في العربية على ثلاثة أطوار لغوية ؛ تتبع ثلاث حالات من أحوال التاريخ الاجتماعي . وهذه الأطوار هي : أ – التمييز بين اللغة العلمية واللغة الأدبية ، فاللغة العلمية لغة دلالية محضة تهدف إلى التطابق الدقيق بين الإشارة والمدلول ،أما اللغة الأدبية فليست دلالية فقط ، إذ إن لها جانبها التعبيري فهي تنقل لهجة المتحدث أو الكاتب وموقفه ، كما أنها لا تقتصر على التعبير وإنما تريد أن تؤثر في موقف القارئ كما أنها تشيد على الإشارة نفسها ، على الرمز الصوتي للكلمة ، وقد وضعت جميع أنواع الصنعة لتلفت النظر إليه كالوزن والسجع وأنماط صوتية مكررة . (10) ب – الصعوبة الثانية : إن كان من السهل التمييز بين اللغة الأدبية واللغة العلمية ، فإنه من الصعب التمييز بين اللغة الأدبية ولغة الحياة اليومية . فاللغة اليومية لها معظم خصائص اللغة الأدبية ، كما تشترك معها في وظيفتها التعبيرية ، إلا أن اللغة الأدبية تختلف عن الاستعمالات المتعددة للغة اليومية ، وتتفوق في استغلال مصادر اللغة بكثير من التعمد والتنظيم ؛ ففي ديوان شاعر ذاتي تتألق الشخصية وتتفوق تفوقًا هادئًا في تماسكها وطغيانها شخصيات الناس كما نراهم في أوضاعهم اليومية . (11) ج - وهناك بعض نصوص الأدب تتضمن «تعبيرات عادية» دارجة تجري على ألسنة الناس كما نرى في السرد وفي الكتابات الشعرية والنثرية ، كل هذه الألوان يمكن أن تقتبس من لغة الحياة اليومية ، ومع ذلك فإن هذه النصوص المتضمنة المستوى اللغوي والعادي هي لغة أدبية أو نصوص أدبية . 5 - هناك من يعرف الأدب بأنواعه التي يتضمنها ، وفقًا لهذا التعريف يصبح الأدب هو كل كتابة تنتمي إلى الشعر والرواية والخطبة والمسرحية والقصة القصيرة والتراجيديا والحكمة . أما الكتابات الأخرى كالتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم فهي خارج إطار الأدب . وهذا التعريف كان في بداية ظهوره رفضًا لتعريف آخر للأدب يضم هذه الكتابات الفلسفية إلى نطاق الأدب ، فالتعريف القديم هو كل كتابة سواء معرفة دينية أو دنيوية أي كان موضوعها الحيوان للجاحظ مثله مثل ديوان أبو نواس ، لكن هذا التعريف الجديد ضيق نطاق الدائرة ليخرج من الأدب ما سوى “ الأنواع الأدبية الشعرية والنثرية “ 6 – قُدم تعريف آخر أضيق من التعريف السابق ، وحاول أن يضيق ميدان الأدب أكثر ؛ فهناك بعض الكتابات التي تنتمي إلى الأنواع الأدبية من مسرح وشعر ولكنها تخرج عن نطاق مصطلح الأدب ، وهذه الأنواع هي : 1 – الكتابة التي لا صاحب لها : كالأدب المنسوب إلى الشعب والسير والأغاني والأمثال . 2 – الكتابات التي لم تنجح في إختبار الزمن ، مثل القصائد التي نطالعها اليوم لأننا لا نعرف هل يحكم الزمن عليها أن تظل أم تختفي . هكذا نرى أن مصطلح الأدب لم يتحدد ولم يكون تعريف متفق عليه بين الكتاب في الغرب أو الشرق . وسنحاول أن نرى موقف العرب من هذا المفهوم حديثًا. مفهوم الأدب حديثًا عند العرب: لقد عرف الدكتور طه حسين الأدب بأنه “ فن جميل يتوسل بلغة “ ومعنى ذلك أن طه حسين يدرك الأدب في الفنون مثل النحت والرسم والفنون التصويرية ، وهي نظرة شبيه بأرسطو في الفن الشعري حين رأى أن الأدب فن من الفنون ، وهذه نظرة توسع من دائرة فهمنا للأدب وتذوقنا له ، لأنها تربطه بالفنون غير القولية التي يمكن أن نستفيد منها ، فالفنون نوعان : فن يستعين بالكلمة ، وفن لا يستعين بالكلمة وهو علم الجمال . وهذه الصلة بين الأدب وهذه الفنون تجعلنا مطالبين أن ندرك العلاقة بين الأدب وهذه الفنون ، وربما كان هذا هو فكر مدرسة “ الأدب المقارن الأمريكية “ التي ترى أن من موضوعات الأدب المقارن دراسة الصلة بينه وغيره من الفنون ، وهذا هو الأمر الذي يميز هذه المدرسة عن غيرها من مدارس الأدب المقارن وخاصة الفرنسية التي تحصر نطاق المقارنة في نطاق الأدب . فالمدرسة الأمريكية ترى أن الأدب يسمح أن يتأثر بالفنون الأخرى ، فالفنون تتواصل وينعكس تأثير بعضها على بعض ، فهي ترى أن الأدب فن من عائلة كبيرة . يرى الدكتور محمد عناني أن هذه هي النظرة الجديدة للأدب ، وذلك حين قال: عندما قال الدكتور طه حسين أن الأدب فن جميل يتوسل باللغة كان يقدم النظرة الجديدة للأدب التي لا تقتصر على الأدب العربي بل تشمل آداب العالم كله “ (12). لقد أخطأ الدكتور محمد عناني حينما ظن أن طه حسين يقدم نظرة جديدة للأدب لأن الفلاسفة القدامى كانوا يربطون بين الأدب والفنون الأخرى ، فأرسطو قال: أن الفنون كلها تخرج من بذرة واحدة وهي المحاكاة . ويرى الدكتور محمد عناني أن الأدب قديمًا كان مرتبطاً بما هو مكتوب حيث قال : “ ولما كانت المعارف تكتسباً باللغة وتتوسل في نقلها بالقراءة والكتابة ،فقد اقترن الأدب باللغة ومن بعد ذلك بالكتابة “ (13) وهذا يستطرد بنا إلى معرفة أنواع الأدب ، فالأدب نوعان أدب رسمي وأدب عامي ( شعبي ) . 1 – الأدب الرسمي : هو الأدب الذي ينتقل إلينا عبر اللغة الفصحى مثل الدواوين ، وهو أدب ينشأ في كنف السلطة يستخدم لغاتها ويحافظ على كيانها ويظل مرتبطاً بها وهو أدب البلاط الذي يكتسب فيه الأديب مركزه من اقترابه لصاحب السلطان الذي يسبغ عليه الترف ، ومنها ظهر لقب “ شاعر الأمير “ ؛ فالشاعر هو لسان حال الأمير أو السلطان ، وهذا هو الأدب الذي ندرسه ونتعلمه ، ونستقصي تاريخه في المدارس والجامعات ، وكأن مناهج التعليم تواكب هذا النوع من الأدب وتختصر الدائرة فيه ، وما يقع خارج الدائرة المكتوبة لا يعترف به . 2 – الأدب الشعبي ( العامي ) : هو الأدب الذي ينتجه الجماعة ، والجماعة لها أدواتها في صياغة هذا الأدب التي ليس من بينها الكلمة المكتوبة ، لأنه أدب الشعب ، فالناس يحرصون عليه ويحفظونه ويتداولونه جيلاً بعد جيل ؛ فهو ينتقل عبر الذاكرة . بعض دارسي نظرية الأدب المحدثين ينحو جانبا هذا الأدب الشعبي ولا يعترفون به حين يطلقون كلمة أدب ، ولذلك فإن كثيرًا من الجامعات – المصرية – لا تسمح بالدراسة في الآداب التي تستخدم العامية في الحوار مثل المسرحيات ، ولذلك يلجأ الباحثون إلى استخدام الفصحى التي يحاول أن يخففها حتى تقترب من العامية. وقد ارتبط الأدب بقائله ، فالأدب الذي يصح أن يطلق عليه الأدب هو الذي ينسب إلى صاحبه ، أما النص المجهول المؤلف فيستبعد من نطاق الأدب ، وربما كان هذا سبباً في إقصاء الأدب الشعبي خارج نطاق الأدب لأنه مجهول القائل إلى أن سمح طه حسين لتلميذته سهير القلماوي أن تسجل الماجستير في ( ألف ليلة وليلة ) ، وبعد ذلك دخل الأدب الشعبي الجامعات المصرية بصورة ضئيلة . والنظرة الجديدة قد حررت الأدب ، إذ لم يعد الأدب مقصورًا على الكلمة المكتوبة ولم يعد مرتبط ارتباطه القديم بأنماط السلوك ، بل أصبح فنًا جميلاً مكتوبًا أو مشفوهًا يتوسل باللغة أي أنه يشترك في جوهره مع سائر الفنون التشكلية والموسيقية والتمثيلية (14) . الهوامش : 10 - رينيه ويليك : نظرية الأدب ، م.س ، ص 22 11 - السابق : ص 23 12 – محمد عناني : الأدب وفنوته ، ط الهيئة العامة للكتاب ، ص13 13 : السابق نفسه 14 – السابق نفسه