يحذر الرئيس أوباما من أن "جميع الخيارات على الطاولة" في ما يتعلق باحتمال شن هجوم على إيران، برغم عدم وجود أدلة موثوقة على أنها تعمل لصنع السلاح النووي . وعلى النقيض من ذلك، تمتلك "إسرائيل" ترسانة نووية غير معلنة، في حين أن الولاياتالمتحدة لديها آلاف الأسلحة النووية، ولكن ليس لديها أي خطط لإزالتها . هذه التناقضات هي موضوع ناقشه الكاتب والمحلل الأمريكي نات باري في مقال نشره في موقع "كونسورتيوم نيوز" وقال فيه: تستمر الولاياتالمتحدة في إظهار ازدواجية، وثلاثية، ورباعية معايير في سياستها بشأن الانتشار النووي ونزع الأسلحة . فمن جهة، هي تستهزئ بتعهداتها بنزع الأسلحة النووية، المتضمنة في معاهدة حظر الانتشار النووي . وهي أيضاً تغمض على تحدي حليفتها "إسرائيل" لهذه المعاهدة، بامتلاكها ترسانة نووية غير معلنة، بل إن الولاياتالمتحدة تتبنى سياسة احتواء إزاء كوريا الشمالية، التي هددت علناً بشن حرب ضد كوريا الجنوبية، حليفة أمريكا، وذهبت إلى حد التهديد بضرب الولاياتالمتحدة ذاتها بأسلحة نووية . ولكن من الجهة الأخرى، عندما يتعلق الأمر بإيران - التي تؤكد بإصرار أن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية، وتواصل الانخراط في مفاوضات دبلوماسية - فإن الولاياتالمتحدة تفرض عقوبات، وتطلق تهديدات باستخدام القوة، وحتى بشن هجمات إلكترونية يمكن أن تعد عملاً حربياً . وخلال زيارته الأخيرة إلى "إسرائيل"، كرر الرئيس أوباما أن سياسة الولاياتالمتحدة تقضي بمنع إيران، بأي ثمن عملياً، من الحصول على أسلحة نووية، ووصف هذه الأسلحة بأنها "أسوأ أسلحة في العالم" . وأعلن أوباما أن "الولاياتالمتحدة و"إسرائيل" متفقتان على أن إيران مسلحة نووياً ستكون تهديداً للمنطقة، وتهديداً للعالم، ويمكن أن تكون تهديداً وجودياً بالنسبة إلى "إسرائيل" ونحن متفقان حول هدفنا: نحن ليس لدينا سياسة احتواء في ما يتعلق بإيران نووية . سياستنا هي منع إيران من حيازة سلاح نووي" . ومضى أوباما يقول: "نفضل حل هذه المسألة دبلوماسياً، ولا يزال هناك وقت من أجل تحقيق ذلك . غير أنه يتعين على قادة إيران أن يفهموا أنه يجب عليهم أن يتقيدوا بالتزاماتهم الدولية . وفي هذه الأثناء سيواصل المجتمع الدولي زيادة الضغط على الحكومة الإيرانية، والولاياتالمتحدة ستواصل التشاور بصورة وثيقة مع "إسرائيل" حول الخطوات المقبلة . وأنا أكرر: جميع الخيارات على الطاولة . وسوف نفعل كل ما هو ضروري من أجل منع إيران من الحصول على أسوأ أسلحة في العالم" . من جهة، يمكن أن نشعر باطمئنان لإعلان الرئيس الأمريكي أن الولاياتالمتحدة "تفضل حل هذه المسألة دبلوماسياً"، وليس عسكرياً، ولكن من الجهة الأخرى، فإن ما يقلق هو طبعاً الاصرار المعلن على أن "جميع الخيارات على الطاولة"، بما فيها الخيار النووي . وهذا الإعلان الأمريكي يعني ضمنياً أيضاً أن الولاياتالمتحدة - بحكم كونها الدولة التي ابتكرت السلاح النووي وراكمت أكبر مخزون منه، والوحيدة التي استخدمته - يمكن بالفعل أن تشن هجوماً نووياً بهدف منع إيران من امتلاك هذا السلاح . ففي النهاية، إذا لم يكن هناك أي خيار خارج الطاولة، فهذا يفترض أن يعني أن الخيار النووي مطروح على الطاولة . وربما يكون مثل هذا التهديد أكثر تطرفاً من أن ينفذ فعلياً، حتى بالنسبة للمعايير الفضفاضة للولايات المتحدة، إلا أن التهديد الضمني واضح: إذا استمرت إيران في تحدي إرادة الحكومة الأمريكية، فإن الولاياتالمتحدة تحتفظ لنفسها بحق إزالة هذا البلد من على الخريطة . وما قد يكون أكثر أثارة للاهتمام في تصريح أوباما هو الإشارة الصريحة إلى الأسلحة النووية على أنها "أسوأ أسلحة في العالم" . والتضمين غير المعلن هنا هو أن هذه الأسلحة تشكل صنفاً مختلفاً كلياً عن أية أسلحة أخرى في العالم . أي أنه إذا كانت الأسلحة النووية يمكن أن تعد خطراً أكبر من أن يستخدم، فإن أوباما يلمح إلى أن من الممكن استخدام أي سلاح آخر متوافر . والجدير بالملاحظة في هذا الإطار أنه في ذات الوقت الذي كان أوباما يصف الأسلحة النووية بالمرعبة، كانت معلومات جديدة تنشر بشأن استخدام الولاياتالمتحدة قنابل اليورانيوم المنضب في حربها ضد العراق خلال العقد الماضي، وأكدت هذه المعلومات أن استخدام اليورانيوم المنضب في مدينة الفلوجة - التي هاجمتها القوات الأمريكية بلا رحمة ولا شفقة عام 2004 - تسبب بتشوهات مواليد تزيد بأربع عشرة مرة عما حصل في هيروشيما وناغازاكي - المدينتين اليابانيتين اللتين قصفتهما الولاياتالمتحدة بقنبلتين ذريتين بنهاية الحرب العالمية الثانية . وقد افاد تقرير نشره موقع "هوفنغتون بوست" أنه "بعد عشر سنوات من بدء الغزو الأمريكي للعراق، سجل أطباء في بعض مدن بلدان الشرق الأوسط ارتفاعاً غير عادي في أعداد حالات السرطان والتشوهات الخلقية" . والقى علماء اللوم على استخدام اليورانيوم المنضب وقنابل الفوسفور الأبيض خلال الهجمات العسكرية الأمريكية . وأوباما على صواب طبعاً عندما يقول إن الأسلحة النووية رهيبة حقاً، وإنه يصعب إدارك كل تأثيراتها المخيفة . غير أن تأكيده ضمنياً أن هذه الأسلحة تبقى مع ذلك مأمونة إذا كانت في أيد معينة - أي تحديداً في أيدي القوى النووية الحالية مثل الولاياتالمتحدة و"إسرائيل" - هو تأكيد مشكوك فيه . وبينما لم تقم أيران بغزو أي بلد آخر خلال مئات السنين، فإن الولاياتالمتحدة قامت بعشرات العمليات السرية والحروب العدوانية منذ أن ارتقت إلى مصاف قوة عظمى في أعقاب الحرب العالمية الثانية . وبالمثل، "إسرائيل" لطالما هاجمت جيرانها، بمن فيهم لبنانوالعراق وسوريا، إضافة إلى اعتداءاتها الدائمة على الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية . وإن كانت هناك دول لا يمكن حقاً الاطمئنان إلى امتلاكها "أسوأ الأسلحة في العالم"، فهي تلك الدول التي تشن بالفعل حروباً عدوانية على أساس منتظم . إضافة إلى ذلك، الأسلحة النووية تتميز طبعاً بقدرة فريدة على أحداث دمار لا يستطيعه أي سلاح آخر في العالم، ومع ذلك، فقد كان الخبراء في استراتيجية الأمن النووي يعدونها منذ زمن طويل عامل استقرار . باختصار، هذه الأسلحة يمكنها أن تشكل رادعاً قوياً للمعتدين المحتملين، بسبب قدرتها الفائقة على إحداث التدمير . وهذا بالطبع هو السبب الأولي الذي يجعل بلداناً تسعى لحيازة أسلحة نووية، والسبب الأهم الذي يجعل من نزع شامل لأسلحة الدمار الشامل العامل الوحيد الذي يمكنه حقاً إزالة خطر الانتشار النووي . وقد أوضحت كوريا الشمالية ذلك بجلاء تام من خلال تهديداتها الأخيرة ضد الولاياتالمتحدة . وفي مارس/آذار، أعلن وزير خارجية كوريا الشمالية أن بلاده ستمارس حقها في "شن ضربات نووية استباقية ضد مقار قيادة المعتدين"، لأن واشنطن تندفع نحو بدء حرب نووية ضدها . وإذا كان المجتمع الدولي قد دان بشدة - وبالحق - هذا التهديد، إلا أن هذا التهديد لا يختلف كثيراً في الجوهر عن السياسة الأمريكية الرسمية، التي تقول إن الولاياتالمتحدة تحتفظ لنفسها بحق المبادأة بشن ضربة نووية أولى، والاستراتيجية الدفاعية التي اعتمدتها إدارة أوباما، والتي نشرت العام الماضي، تنص بوضوح على أن الولاياتالمتحدة ستحتفظ بترسانتها النووية طالما أن هذه الأسلحة موجودة، وسوف تستخدمها عند الضرورة . وتقول هذه الاستراتيجية: "طالما بقيت أسلحة نووية موجودة - فسوف ننشر قوات نووية قادرة في جميع الظروف على مواجهة خصم بإمكانية تعرضه لخسائر غير مقبولة، وذلك من أجل ردع خصوم محتملين، ومن أجل التأكيد لحلفاء الولاياتالمتحدة وشركائها الأمنيين الآخرين أن بإمكانهم الاعتماد على التزامات أمريكا الأمنية" . وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية تتباهى بحيازتها قنابل نووية وقدرتها على شن ضربات استباقية، إلا أن الاعتقاد السائد هو أنها لا تمتلك قدرة على صنع رؤوس حربية صغيرة بحيث يمكن تثبيتها على صواريخ تستطيع الوصول إلى الولاياتالمتحدة . ومع ذلك، فإن ما يستوقف النظر هو ذلك الاختلاف الكبير في الطريقة التي تتعامل بها الولاياتالمتحدة مع هذه القوة شبه النووية، مقارنة بتعاملها مع بلدان لا تملك قدرات على الحاق ضرر بالولاياتالمتحدة، مثل إيران .