بيروت - نبيه البرجي شهر آخر من التكليف، والرئيس تمام سلام لا يزال يتأرجح بين حكومة الانتخابات وحكومة اللاانتخابات، مصادره تقول ان الايام المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة الى تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، لكنه لن يغامر ويصعد الى قصر بعبدا، ويقول «هذه حكومتي»، بعدما سمع كثيرا من الكلام، واحيانا الكلام القاسي، بأنه لم يعرف بأن الجمهورية قد انتهت، وان لبنان يعيش في نعيم (ام جحيم؟) الجمهورية الثانية، وحيث تشكيل الحكومات يخضع لآلية معينة ما دام مجلس الوزراء قد تحول وبفعل اتفاق الطائف، الى سلطة فدرالية. كل ما يقال عبر الشاشات يختلف عما يقال في الردهات، فلا انتخابات هذا العام، وسواء في موعدها الدستوري قبل نهاية ولاية المجلس النيابي في 19 يونيو او بتأجيل تقني في الخريف المقبل، المداولات التي تجري وراء الستار هي التمديد لعام او لعامين وربما لاربعة او اكثر اذا ما بقيت الحرائق السورية على تصاعدها. تراجع الزخم الخارجي وتلاحظ الاوساط السياسية كيف ان الزخم الخارجي، سواء كان عربيا ام دوليا، قد توقف تقريبا، وهذا الجمود بدأ يثير المخاوف فعلا، اذا ما اخذت بالاعتبار الضغوط السورية، وحيث مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية باتت مسألة استراتيجية، وحيث يبدو ان حكومة بنيامين نتانياهو تتوخى الحفاظ على مستوى معين من التوتر الحدودي الى ان تحين اللحظة المناسبة، حتى ان الطائرات الاسرائيلية حلقت في الاجواء اللبنانية امس، منفذة غارات وهمية فوق الجنوب وصولا الى بيروت. وثمة من يرى الآن ان الطبقة السياسية في لبنان يجب ان تدخل موسوعة غينيس في اللامبالاة، فالبلاد بين نارين، النار السورية التي لا يعرف احد الى اين تصل، والنار الاسرائيلية التي تعبر عن نفسها، وبصورة شبه يومية، ان بالمناورات او بالتهديدات. رهان على التطورات العسكرية لكن من يتابع احاديث الكواليس يلاحظ ان بعض الذين كانوا يراهنون على الدفع الدبلوماسي الخارجي في اتجاه تأليف الحكومة انما يراهنون الآن على التطورات العسكرية، وبالصورة التي تحمل رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وكما يتردد في الكواليس، على دق ناقوس الخطر اذ ان الوقت يمضي والفراغ يتقدم، وان كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري ما زال يوزع على الاطراف ما تبقى لديه من تفاؤل، تفاؤل يقال انه من دون رصيد. يوما بعد يوم يقول سلام للمقربين انه لن يسقط في الدوامة، بينما يوجد هناك من ينصحه بالتأمل والتحليل وعدم اطلاق المواعيد، واذا كان يعتبر الاجماع الذي حظي به في الاستشارات النيابية الملزمة على انه تعبير عن توحد الكلمة والموقف حوله فهو مخطئ، كما انه مخطئ كما ردد امامنا بأن الاجماع الذي حصل عليه يحمل الآخرين مسؤولية معنوية وسياسية ووطنية. الاجماع انعكاس للمآزق ولعل سلام جاهز لكي يسمع ان الاجماع الذي حصل انما هو انعكاس للمأزق الذي يواجهه الجميع، انه تعبير عن اللاتوافق، وليس تعبيرا عن التوافق، وعلى هذا الاساس عليه ان يبذل جهودا هائلة، ومركزة، لكي يخرج من الحصار الذي فرضته التجاذبات عليه. من يدخل الى دارة آل سلام في المصيطبة الآن يشعر ان رئيس الحكومة المكلف داخل الحصار، وسواء كان الحصار اللامرئي ام ذاك الذي تعكسه ندرة الاتصالات معه، حتى ليبدو ان هناك اكثر من جهة، ومن فريقي الصراع، تراهن على فشله، لا على نجاحه في الخروج بحكومة تواجه تحديات المرحلة. وحيدا على الخشبة الى حد بعيد، يبدو سلام وحيدا على الخشبة، ضمنا يدرك مدى التعقيدات التي تحيط بمهمته، لكنه يراهن على حصول اعجوبة ما تفضي الى التوافق على قانون انتخاب يزيل كل الصخور من امام العربة الحكومية. وحتى اذا لم يحصل التوافق على القانون يتم التوافق على التمديد، وفي كلتا الحالتين هناك واقع جديد قد يساعد على دفع التشكيلة الحكومية الى الضوء، وان كان قد صرح بالاعتذار اذا ما تم تغيير مهمته من ترؤس حكومة للانتخابات الى ترؤس حكومة للتمديد، وهناك من هم حوله ويقولون له ان موقفه هذا خطأ لانه هو من رفع شعار «المصلحة الوطنية»، وهذه المصلحة توجد حيثما يتوافق الطرفان. وبمعنى آخر، سلام ليس في حالة حصار، انه في حالة انتظار، يعرف ان الذين يرفضون التمديد علنا يعمل معظمهم لتسويقه في الاروقة الخلفية، اي ان لعبة الاقنعة في ذروتها، لكن الوقت يمشي بسرعة، ثمة مائة ساعة ما بين 15 مايو، موعد انعقاد الهيئة العامة لمجلس النواب، و19 مايو موعد انتهاء تعليق العمل بمهل الترشيح على اساس قانون الدوحة (2008/25) في تلك الساعات تتبلور الصورة النهائية، الآن الكل يلعبون في الوقت الضائع.