بيروت نبيه البرجي لم يفاجأ الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية بالمشهد البابلي الذي امامه، كل كتلة تكلمت بلغتها الخاصة، والمناقضة كلياً للغة الاخرى، لكن الضحكة العريضة بدأت تتراجع، من يستطيع ان يفك كل هذه العقد؟ حاول الرئيس تمام سلام ان يلتف تكتيكيا على الاطراف بالتركيز على ان حكومته هي لاجراء الانتخابات النيابية، باعتبار انها تستقيل دستوريا، لدى بدء ولاية المجلس النيابي، ولكن من قال ان هذا المجلس سيولد بعد شهر او شهرين او ثلاثة او بعد سنة او سنتين او ثلاث؟ الانقسام لا يزال هو نفسه، ثمة من ضبط الساعة اللبنانية على التوقيت السوري، الخشية ان يدخل لبنان في المجهول كما دخلت سوريا في المجهول، وربما في ما هو ابعد من المجهول، لكن ما بدا من المواقف العربية والدولية وحتى التركية والايرانية يشير الى ان ثمة رغبة في الدفع باتجاه تشكيل حكومة لاراحة اعصاب الناس، وللحد من التدهور الذي احدثته المواجهة الحادة ان داخل الحكومة المستقيلة او بين بعض مكونات هذه الحكومة والمعارضة. جنبلاط والخوف الأمني رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحدث عن «اكثرية سابقة» و«معارضة لاحقة» سلم منذ استقالة الحكومة بحصول تغير في المعادلة، لكن المشكلة ان النائب وليد جنبلاط الذي تميل الاكثرية حيثما يميل اعلن انه لن يشارك في اي حكومة، ولن يمنح الثقة لاي حكومة لا تضم مختلف الافرقاء، موحياً بأن حكومة اللون الواحد، وفي ظل الظروف الضاغطة يمكن ان تفضي الى هزات امنية، وحتى الى فوضى امنية لا احد يمكنه التكهن بعواقبها. لا يبدو ان حكومة التكنوقراط ممكنة، مثل هذه الحكومة يمكن ان تشكل في «ظروف معقولة» لا في «ظروف مجنونة» كما هي الحال في لبنان الآن، اذاً حكومة وحدة وطنية يريد سلام ان تكون بوجوه جديدة تحدث صدمة ايجابية لدى الرأي العام، مع تطعيمها ببعض التكنوقراط لا سيما في ما يتعلق بحقيبتي الطاقة والاتصالات اللتين يدور حولهما صراع استراتيجي بكل معنى الكلمة. ويقال ان الصراع حول هاتين الحقيبتين يتجاوز الحدود اللبنانية، فثمة جانب امني بالغ الحساسية لحقيبة الاتصالات، كما ان وجود النفط والغاز في المياه الاقليمية لابد ان يزج لبنان اكثر فأكثر في لعبة الامم. ثمة من اقتاح، وبالطريقة اللبنانية المعروفة، تحويل وزارة الطاقة الى وزارتين، احداهما للنفط والاخرى للمياه والكهرباء، لكن المؤشرات لا تدل على ان هذا الاقتراح يمكن ان يشق طريقه الى النور. اذا ترك للافرقاء اللبنانيين تشكيل حكومة، فهذا قد يستغرق اشهرا وربما سنوات، خصوصا ان الملف يتداخل مع ملف قانون الانتخابات، الانتخابات بكل اوزارها واوزانها. فيما يبدو واضحا ان سلام يراهن على الدفع العربي والاقليمي والدولي الذي كان واضحاً منذ اللحظة الاولى للتكليف، اذ ان ثمة توافقا خارجيا على ان تكون هناك حكومة في لبنان، وان تستمر العملية السياسية والدستورية، لان تعطل هذه العملية، في ظل الاحتقان الراهن، يمكن ان تنتج عنه مفاعيل دراماتيكية على الصعيدين السياسي والامني على السواء. الخلاف الجوهري الان ان حقيبتي الطاقة والاتصالات لن تكونا في يد واحدة، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة كانتا في يد وزيرين من التيار الوطني الحر الذي يرأسه النائب ميشال عون، وتصريحه امس الاول بعدما التقى سلام في اطار المشاورات النيابية واضح المعاني، وواضح الدلالات. فهو لن يقبل بحقيبة المالية مقابل التخلي عن الطاقة والاتصالات. على الجنرال ان يتزحزح لكن المصادر السياسية نفسها ترى ان على عون ان يتنبه الى ان ظروف تشكيل الحكومة المستقيلة مختلفة كليا عن الظروف الحالية. الظهير السوري الذي كان يحرك باصابعه الكثير من الخيوط لم يعد يمسك حتى بخيوط العنكبوت، كما ان العلاقات داخل قوى 8 اذار لم تعد على ما يرام، فهناك في هذه القوى من يرى ان يأخذ الجنرال حجمه الطبيعي لان المرحلة دقيقة مصيرية ولا تتحمل لا الشروط الكبيرة ولا الاصوات الكبيرة. انقاذ لا انقلاب وبالرغم من كل هذه التعقيدات، فإن سلام يعتبر ان ما سمعه من الكتل مسألة طبيعية، وهو لم يأت لتنفيذ انقلاب على غرار ذاك الذي حصل في يناير 2011 عندما اسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري، اتى للانقاذ لا للانقلاب، قالها، وان بصورة غير مباشرة للكثيرين ممن التقوا به، وحتى لو كانت حكومته للاشراف على الانتخابات النيابية فإن اجراء هذا الاستحقاق الدستوري انما هو الرافعة الاساسية لعملية الانقاذ.. وقد قالت مصادر سلام امس «اما ان تكون حكومة منسجمة باعضائها او سياسية مثقلة بمطالب وحصص وعندها لا يمشي الحال». واكدت المصادر ان الرئيس المكلف «جاء من اجل وظيفة محددة هي اجراء الانتخابات، واذا ارادوا التمديد للمجلس النيابي اعتذر وليأتوا بحكومة تمديد».