في هذا البلد المُترع بالتاريخِ وبالأديانْ. أسمعُ راوٍ يحكي قصة راعٍ لم يقهره الإسمنتُ فظلّ يعيش على رقعة ماضٍ صمدت في السفحِ الممتدِ من القم الشمّاءِ إلى الوديان. الوقتُ شقائق نعمانْ ودموع امرأةٍ تتساقط .. قطرات ندىً فتبلل أنفاس الصبح وأوراق الريحان. أسمعُ ألحاناً تفلتُ من أنياب الصَخب المارقِ لا تتغيرُ بين زمانٍ وزمان. في هذا المرج المنهكِ من أثقال التاريخْ .. ما زلتُ أشاهد آثاراً ناطقةً في حطين وبيسان. في هذا البلد المفعم بالغزواتِ أُشاهد قرميدا أحمرْ. وبيوتا تنبت كالأعشاب الفصلية ثم تسافرُ مع هجرات اللقلق والقبر. في موطن كل ثقافات الدنيا وحضارات بني الإنسان. أعجَبُ من أسوارٍ وحدودٍ بُنيت كي تفصل بين النهر ومنبعه وتفرّق بين العازف والألحان. أعجبُ من أسطورة قومٍ غابرة تتولى سلطان الله على مُلك الأوطان. أعجبُ من بيتٍ مسروقٍ لا ترجُفُ فيه يد النحّات أو الفنانْ. البحر بيافا يحفظ زُرقته يشهد ما فعلوا بالبياراتْ. تهمسُ في أذني مقبرةٌ: لا تحزن! في الليل يقوم الأمواتُ وفي الفجر يُقيمون الصلوات. الليلةُ مقمرةٌ أسمع أصوات البهجة.. في القرية يحيون ثلاثة أعراسْ. لا أجمل من أن يجلس مغتربٌ في قريته مع كل الناس. في هذا البلد المترع بالبهجة والأحزانْ. في هذا البلد الواضحِ مثل رغيفٍ معجونٍ بالزعترْ. في هذا الوطن المبهمْ شاهدتُ الأفراحَ وشاهدت دموعا ما زالت تندي وجنة مريمْ. يوسف حمدان - نيويورك