د. عبد العزيز حسين الصويغ كتب الصديق الأستاذ أحمد تمساح هذه القصة في صفحته على الفيس بوك: [يقول شاب دخلت و صديقي إلى مقهى وطلبنا فنجاني قهوة وبينما نحن جالسان دخل اثنان فقالا لصاحب المقهى : نريد خمسة فناجين من القهوة علق ثلاثة منها !!! فسألت صديقي : ما معنى ثلاثة فناجين معلقة ؟! فقال لي : اصبر سنرى !! ثم دخل أربعة وطلب أحدهم سبعة فناجين ثلاثة منها معلقة !! وبينما أنا وصديقي نتحدث وننظر خارجاً إلى الطبيعة الجميلة .. فإذا برجل يلبس ملابس رثة قديمة يقترب من صاحب المقهى فيسأل :هل يوجد فنجان قهوة معلق ؟ علمنا فيما بعد أنه تقليد في نابولي يطلب فيه أحدهم فنجان قهوة مع أخرى معلقة لاحقاً للفقراء والذين لايستطيعون دفع ثمنه ..] *** مثل هذا السلوك هو من أساسيات التضامن والأخوة بين المسلمين حيث يحضنا ديننا الإسلامي بأن لا ينام المرء منا وجاره جوعان. ولقد جسد أنصار المدينة فضيلة سبقوا بها من بعدهم وهي فضيلة الإيثار في صورة لا عهدَ لتاريخ البشرية بها حين كان يعرض أحدهم على أخيه من المهاجرين أن يناصفه أهله وماله فيأبى المهاجر ويقول: "بارك الله لك في أهلك ومالك ".ولعل أحد أشهر صور الإيثار بين المسلمين تلك التي تتحدث عن حذيفة العدوي الذي انطلق في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له، ومعه شربة ماء. وبعد أن وجده جريحًا قال له: أسقيك؟ فأشار إليه بالموافقة. وقبل أن يسقيه سمعا رجلاً يقول: آه، فأشار ابن عم حذيفة إليه؛ ليذهب بشربة الماء إلى الرجل الذي يتألم، فذهب إليه حذيفة، فوجده هشام بن العاص. ولما أراد أن يسقيه سمعا رجلا آخر يقول: آه، فأشار هشام لينطلق إليه حذيفة بالماء، فذهب إليه حذيفة فوجده قد مات، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات، فرجع إلى ابن عمه فوجده قد مات. فقد فضَّل كلُّ واحد منهم أخاه على نفسه، وآثره بشربة ماء. *** وهكذا فإن الإيثار هو أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). لذا فالإيثار منزلة رفيعة القدر، لا يتخلَّق به إلاَّ أصحاب القلوب التي وعَت إنسانيَّتها، وفَهِمت دينها، وتحقَّق لها القرب من الله، وقد قال الله تعالى عن هؤلاء: }وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [الحشر: 9]. *** أما أعلى درجات الإيثار فهي الإيثار بمعناه الإيماني، وتُمثِّلُ قصة سَحَرة فرعون نموذجًا رائعًا له، حين ينفض السحرة عن فرعون رغم التهديد والوعيد، فما إن ظهر لهم اليقين صدقوا رب موسي، مُؤثِرين الانخراط في موكب الشهداء على البقاء أحياءً في ظلِّ العبودية لغير الله؛ }قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{ [طه: 71 - 73]. عبدالعزيز كحيل، "روائع الإيثار" * نافذة صغيرة: [فليتك تحلُو والحياةُ مريرَةٌ ** وليتك ترضى والأنامُ غِضَابُ وليت الذي بيني وبينك عامرٌ ** وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صحَّ منك الودُّ فالكّلُّ هينٌ ** وكل الذي فوق التراب تراب.] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain