مواضيع ذات صلة باريس مصاعب حزب الرئيس السابق ساركوزي، والخلاف الأوروبي- البريطاني حول الميزانية وسبل احتواء الأزمة النقدية، ودور مصر في دعم استمرار التهدئة في غزة، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. تمزق اليمين فتحت صحيفة ليبراسيون "اليسارية" النار في افتتاحية بعنوان "هزيمة" على حزب الرئيس السابق ساركوزي المسمى "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، مستعرضة بعض أوجه التمزق الداخلي والإخفاق السياسي التي عرفها مؤخراً، خاصة على خلفية الصراع المحموم على زعامة الحزب بين رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون والقطب الحزبي الآخر جان- فرانسوا كوبيه، وقد فاز هذا الأخير في النهاية بزعامة الحزب، ولكن تداعيات التجاذب الداخلي واتساع الشروخ بين أجنحة أكبر أحزاب اليمين التقليدي يتوقع أن تكون لها آثار سلبية مستدامة. وقد انطلق كاتب الافتتاحية "أريك ديكوتي" من الحكم بأن الساركوزية قد ماتت في الحقيقة، حيث إن زعيمها الرئيس السابق يتعرض الآن لمصاعب قضائية يتوقع أن تزداد مع مرور الوقت، كلما كشفت التحقيقات عن جانب آخر من جوانب جبل الثلج المتعلق بتهم الفساد، وسوء التسيير واللف والدوران في تمويل الأنشطة الحزبية طيلة فترة الخمس سنوات التي امتدت عليها ولايته الرئاسية الوحيدة. أما ورثته في زعامة الحزب ففي حال يغني عن السؤال، فهم ينشغلون عن معارضة اليسار التقليدي الحاكم بمواجهاتهم الداخلية العقيمة على خطوط استقطاب لا تبقي ولا تذر. والراهن أن الصراع الأخير بين "فيون" و"كوبيه" إنما يختصر جوانب ظاهرة فقط من المأساة- الملهاة السياسية التي يرزح في أسوار محنتها الحزب الآن، والتي تؤكد أن اليمين الفرنسي يدخل الآن في بداية نفق ويخرج من عهد قوة التأثير والتنفذ والحضور، إلى عهد التراجع وربما حتى التفكك، بعدما لم يعرف كيف يتجاوز سلبيات المرحلة الساركوزية، ولا كيف يستعيد إيجابيات المرحلة الشيراكية السابقة عليها. والأسوأ من كل هذا أن الجنوح المتنامي باتجاه الوقوع في غواية خطابة اليمين المتطرف، الذي بلغ ذروته خاصة خلال الحملة الانتخابية الأخيرة الخاسرة، لا شك أنه يكتب شهادة وفاة أخرى، وبالخط العريض، للساركوزية السياسية، يقول الكاتب. وقد كانت لمحاولة احتواء حزب "الجبهة الوطنية"، وجعله بيدقاً ضمن بيادق اليمين الحاكم السابق آثار عكسية، حيث تمكن حزب اليمين المتطرف هذا من الاستفادة من ذلك التبني المجاني، وتحول الآن عملياً إلى ما يشبه الحزب المعارض الأول في البلاد، والممثل المعتمد لليمين الفرنسي بصفة عامة. والحال أن هزيمة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إنما كانت مؤشراً على هذه الهزيمة ثلاثية الأبعاد التي مني بها مشروعه وفصيله السياسي، وهي هزيمة: أخلاقية، وسياسية، وإيديولوجية، نراها تعبر عن نفسها اليوم في حالة حزبه، وما انتهى إليه من مآلات يرثى لها. كبش الفداء البريطاني تحت هذا العنوان اعتبر الكاتب والأكاديمي نيكولا جان بريون أن فرنسا، وأوروبا، قد عثرتا أخيراً وسط مخاضات محنتهما الاقتصادية على كبش فداء هو بريطانيا، لكي يلقي عليه الساسة أعباء المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية والمالية المزمنة التي تتخبط في أتونها القارة العجوز. فالمملكة المتحدة هي المتهم الآن بعرقلة كافة جهود احتواء أزمة الميزانية، وفق هذا الادعاء. وهو ادعاء ديماغوجي ومضلل، ولا أساس له من الصحة، حتى لو كان يوافق هوى في آذان الفرنسيين. ونحن هنا، يقول الكاتب، لسنا معنيين بالدفاع عن "أصدقائنا البريطانيين"، كما يقال عادة في السياسة للتمويه على أي موقف من "عدو قريب"! وليس من الحقيقة في شيء القول إن البريطانيين هم المستفيدون من شيكات وخزائن شركائهم الأوروبيين. ومع ذلك فقد كانت المملكة المتحدة ذات يوم أحد أفقر دول الاتحاد الأوروبي، عندما كان عدد أعضائه تسعة فقط لا غير. ولكنها اليوم تعد أحد أغنى البلدان الأوروبية السبعة والعشرين. وفي الأخير يذهب الكاتب إلى أن كافة محاولات تحميل الإنجليز المسؤولية عن مصاعب الاتحاد الأوروبي الاقتصادية لا تقدم حلاً للمأزق الراهن، فطريقة تعامل بريطانيا مع الاتحاد، ومدى قناعتها بالانخراط بقوة في بعض جوانبه والنفور بقوة أيضاً من جوانب أخرى، إنما يصدر عن قناعة ذاتية لدى الإنجليز الحريصين للغاية على بعض الخيارات المتعلقة بهويتهم وتمايزهم، ومسافات الأمان اللازمة الخاصة بهم عن بقية البر الأوروبي الرئيسي. وليس هذا موقف كاميرون وحده. وتلفيق التهم لهذه الدولة أو ذلك الزعيم وتقديم التفسيرات التبسيطية الجاهزة حتى إن كان يرضي الرأي العام ويلبي لديه حاجة البحث عن متهم أو مشجب فهو لا يقوم بديلاً عن ضرورة إيجاد استجابات فعالة ومجدية لمآزق الميزانية الأوروبية. ولا يدخل ضمن تلك الاستجابات والحلول طبعاً الحديث عن احتمال خروج المملكة المتحدة من الاتحاد مرة واحدة وإلى الأبد. فكل هذه الذرائع السياسية ليست سوى حفلة تنكرية... حفلة تنكرية ونصف، يقول الكاتب. هدنة غزة اعتبر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو تحت عنوان "مصر تلعب دور الحكم بين حماس وإسرائيل" أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل والحركة الذي تم التوصل إليه في القاهرة، يضع مصر مجدداً في صلب المفاوضات المنتظرة بين الطرفين من أجل التوصل إلى هدنة أكثر استدامة. وقد بدا من إعلان التوصل إلى وقف إطلاق النار من قبل وزير الخارجية المصري ونظيرته الأميركية أن الولاياتالمتحدة تبارك أيضاً هذا الاتفاق وتدعم الوساطة المصرية، وقد أشارت الوزيرة الأميركية خاصة إلى الدور المحوري لمصر في "دعم الاستقرار والسلام على الصعيد الإقليمي". ومن خلال اتصالاته مع "حماس" يواجه النظام المصري الجديد تحدي إدارة الأزمة الفلسطينية. والحقيقة أن اتفاق التهدئة حال عملياً دون اجتياح بري إسرائيلي لغزة، وفي المقابل تعهدت الفصائل الفلسطينية الراديكالية أيضاً بالتوقف عن إطلاق المقذوفات على إسرائيل. وسيكون على القاهرة التحقق من التزام هذه الفصائل بالتهدئة. ولاشك أن الدعم الذي أبدته واشنطن تجاه الدور المصري هو الذي زاد القاهرة اقتناعاً بأهمية المضي قدماً في مهمة الوساطة. وتطمح إسرائيل أن تبذل مصر جهوداً مكثفة للحيلولة دون تهريب السلاح إلى القطاع. ويطالب الفلسطينيون، من جهتهم، بضمان توقف إسرائيل عن الاغتيالات المستهدفة للمقاومين، ورفع الحصار عن قطاع غزة. وفي كل الأحوال تواجه مصر تعقيدات كثيرة في هذه المهمة، ولذلك تعمل جاهدة لضمان عدم تعثر التهدئة الراهنة. وفي سياق متصل خصصت صحيفة لوموند أيضاً افتتاحية للتهدئة جاءت تحت عنوان "غزة: السلام المصري"، قالت في مستهلها إن الأيام الأربعة الأولى من الهجوم الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة مرت دون أن يظهر أي وجود للكبار المفترض أن يكونوا الأكثر تأثيراً في هذه المنطقة المحتقنة، وهم الأميركيون والروس والأوروبيون. وفي المقابل لم يرتفع أي صوت من قبل القوى الدولية البازغة المتحفزة للعب أي دور على المسرح العالمي، وهي البرازيل والصين والهند، فقد كانت غائبة هي أيضاً. ولذا فقد كانت الدولة الوحيدة التي انخرطت منذ البداية في مساعي احتواء النزاع ووقفه هي مصر. ولم يكن من المعتاد أن تأتي مثل هذه المبادرة الدبلوماسية من القاهرة وبهذه السرعة، فخلال عهد مبارك كانت الدولة العربية الأكثر سكاناً، والتي تعتبر قوة إقليمية كبيرة، ترزح فيما يشبه حالة سبات، بحكم انطوائها على نفسها لمواجهة مشكلاتها الداخلية الكثيرة، وخاصة أنها قد أنجزت أصلاً سلامها مع إسرائيل، وأصبحت مصطفة إلى جانب السياسة الأميركية. ولكن يبدو أن مصر قد استيقظت اليوم، تقول الصحيفة، من سباتها الإقليمي، وإذا زاد تأكيد هذا التوجه، فسيكون ذلك تطوراً مهماً. وقد بدا هذا منذ إطلاقات البداية للمواجهات الأخيرة في غزة، حيث تحرك الرئيس المصري ورئيس وزرائه لوقف الصراع، في وقت لم يكن هنالك مبعوث أميركي ولا روسي ولا أوروبي (مرحبا سيدة آشتون هل أنت على رأس عملك؟) -هكذا كتبت الصحيفة الفرنسية بلغة إنجليزية. وقد جاء هذا الصراع في وقت متزامن مع بداية ولاية أوباما الثانية، وهو الذي يتمنى من كل قلبه الافتكاك من تعقيدات وجع دماغ هذا الشرق الأوسط. ولكن فرض عليه احتدام النزاع العودة مجدداً إلى أجواء صداع الشرق الأوسط، ولذا فقد اختار بسرعة الاصطفاف إلى جانب الرئيس المصري، باعتباره المحاور المفضل. ولذلك بدا واضحاً تفاعل الرئيس الأميركي بإيجابية مع وساطته في غزة. إعداد: حسن ولد المختار