وزير إصلاحي الجنوب لا يمكن أن يتوحد مع نظام امامي في صنعاء    مصر تحصل على عدد من راجمات صواريخ WS-2 بمدي 400 كم    منجز عظيم خانه الكثير    سبب انزعاجا للانتقالي ...الكشف عن سر ظهور الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى الوحدة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    اتالانتا بطلا الدوري الاوروبي لكرة القدم عقب تخطي ليفركوزن    بمناسبة يوم الوحدة المغدور بها... كلمة لا بد منها    السفارة اليمنية في الأردن تحتفل بعيد الوحدة    سموم الحوثيين تقتل براءة الطفولة: 200 طفل ضحايا تشوه خلقي    الكشف عن القيادي الحوثي المسؤول عن إغراق السوق اليمني بالمبيدات المحظورة    حقيقة افلاس اكبر البنوك في صنعاء    في سماء محافظة الجوف.. حكاية سقوط حوثي.    "أهل شرعب أرق قلوباً و حسين الحوثي إمام بدعوة النبي إبراهيم"؟" حوثيين يحرفون احاديث الرسول وناشطون يسخرون منهم (فيديو)    ساعة صفر تقترب: رسالة قوية من الرياض للحوثيين    أول تعليق حوثي على إعلان أمريكا امتلاك الحوثيين أسلحة تصل إلى البحر الأبيض المتوسط    محاولا اغتصابها...مشرف حوثي يعتدي على امرأة ويشعل غضب تعز    قيادي انتقالي: تجربة الوحدة بين الجنوب واليمن نكبة حقيقية لشعب الجنوب    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل تقر تعديلات على لائحة إنشاء وتنظيم مكاتب التشغيل الخاصة    بيب يُعزّز مكانته كأحد أعظم مدربيّ العالم بِحصوله على جائزة أفضل مدربٍ في الدوري الإنجليزي!    رئيس انتقالي لحج يتفقد مستوى النظافة في مدينة الحوطة ويوجه بتنفيذ حملة نظافة طارئة    إجتماعات عسكرية لدول الخليج والولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض مميز    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    الهجري يتلقى التعازي في وفاة والده من محافظي محافظات    سيلفا: الصدارة هدفنا الدائم في الدوري الانكليزي    مفاوضات إيجابية بين بايرن ميونخ وخليفة توخيل    اليابان تسجل عجزاً تجارياً بلغ 3 مليارات دولار    الحكومة اليمنية ترحب بقرار إسبانيا والنرويج وايرلندا الإعتراف بدولة فلسطين مميز    رونالدو على رأس قائمة منتخب البرتغال في بطولة أمم أوروبا    نافذون حوثيون يسطون على مقبرة في بعدان شرق محافظة إب    انقلاب حافلة محملة بالركاب جنوبي اليمن وإصابة عدد منهم.. وتدخل عاجل ل''درع الوطن''    أغادير تستضيف الملتقى الأفريقي المغربي الأول للطب الرياضي    إعدام رجل وامرأة في مارب.. والكشف عن التهمة الموجهة ضدهما (الأسماء)    اعلان القائمة الموسعة لمنتخب الشباب بدون عادل عباس    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعة لموقع الممثل في المسرح العربي
نشر في الجنوب ميديا يوم 26 - 11 - 2012

إذا كان من الضروري الحديث عن جوهر للمسرح . فليكن حديثاً عن جوهر تجربته التاريخية . قام المسرح عبر تاريخه المطلق بأدوار حاسمة في صياغة الحدود الثقافية وهيكلة الأنساق الرمزية للمجتمعات التي أزدهر فيها وأينعت تجاربه . استعملته المدينة اليونانية كامتداد للنشاط السياسي ونظرت إليه على أنه الطرف الآخر للخطابة . يتوجه إلى العواطف والأهواء والمخاوف اللاعقلانية .
في ما تتوجه خطب السياسيين إلى العقل والمسؤولية . وعمل في بداية العصر الحديث الأوروبي على تقوية الثقافات القومية الناشئة في وجه ثقافة الكنيسة اللاتينية . وكان بمثابة القاعدة التي قامت عليها الآداب القومية . فأسهم بشكل عميق في تطور اللغات القومية . ومن هذا الموقع لعب أدواراً ريادية في صياغة المخيال والذائقة الجمالية للارستقراطية .
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، انخرط المسرح في وظيفة هيكلة حقل الفرجة العمومية في المدينة البورجوازية الناشئة . فقد خرج من البلاطات المنهارة إلى الساحة العمومية والتقى بأنماط الفرجة الشعبية . فتشربها ودمجها في الجسد المسرحي . وعمل على تعقيد أسسها وتحويلها إلى فن "نبيل" .
خلال القرن التاسع عشر التقت مختلف مسارات المسرح الغربي في دائرة واحدة . هي مسرح الجمهور . والواقع أن هذه الكلمة السحرية التي أضحت المبرر الرئيس لكل التجارب المسرحية شرقاً وغرباً . لم تنشأ إلا في سياق التحولات الكبرى الاجتماعية والتقنية للقرن 19 .
دخل المسرح إلى الثقافة العربية في القرن التاسع عشر، على خلفية وعي مغاير للوظيفة التي كانت له في أوروبا . وعي نهضوي جعل منه علامة من علامات التميز الحضاري الغربي . وجعل منه - على خلفية هذه النظرة ذاتها - جسماً دخيلاً على الثقافة العربية التقليدية . وحكم عليه من جراء ذلك بالتهميش غير المعلن من قبل النخب المثقفة . لم يستطع المسرح العربي أن يقوم بدوره التحديثي الذي كان منذوراً له في الثقافة والمجتمع . وهو الدور الذي كانت تحلم به طلائع المسرحيين العرب . كما أنه الدور الذي قام به المسرح الحديث في أوروبا نفسها .
وعلى الرغم من أن التمثيل وفن الممثل يعتبران الحلبة الرئيسة للتطور المسرحي منذ نهاية القرن التاسع عشر، كتتويج للمسار التحديثي الذي أشرنا إليه أعلاه . ظل الاهتمام بالتمثيل والممثل هامشياً إلى أبعد الحدود في الخطاب التنظيري والنقدي حول المسرح العربي . وانشغل هذا الخطاب . بدلاً من ذلك . بنسج سحابة من الأفكار ضد الممارسة المسرحية القائمة . وضد الاعتراف بشرعية هذه الممارسة .
في الوقت الذي كان فيه ممارسو المسرح إجمالاً يلحون على اكتساب المزيد من المهارة المهنية . عبر التكوين المهني وتبادل الخبرة مع المهن المسرحية في الدول السابقة في الميدان . إما من خلال البعثات الدراسية أو عبر تبادل الزيارات والمشاركة في المهرجانات . وإما عن طريق إحداث المعاهد الأكاديمية للدراسات المسرحية، في هذا الوقت، كانت الكتابات التنظيرية . تأتي غالباً من كتاب مسرحيين أو نقاد . فكتب توفيق الحكيم . كتابه "قالبنا المسرحي" في شكل نص تطبيقي . وكتب يوسف إدريس مسرحية "الفرافير"، راجياً من ورائها أن تكون نموذجاً للمسرح المأمول، وصدرها بمجموعة مقالات بعنوان "نحو مسرح مصري" . وتوالت الكتابات بعد ذلك هنا وهناك تارة مجددة في الشكل الدرامي أو داعية إلى التجديد فيه . وطوراً ساعية إلى تجديد المضمون الدرامي . أو تجديد مضمون العلاقة مع المتفرج .
في هذا الوقت كان الطيب الصديقي في المغرب قد اتجه . في ملابسات ثقافية مغايرة تماماً، إلى مغامرة فنية بدأت بإخراج المسرح من أسوار القاعات التقليدية إلى الملاعب الرياضية والساحات العامة . من خلال مسرحيتي "مولاي إدريس" و"المغرب واحد" . كما غامر بإخراجه من الحدود المألوفة للمسرح الغربي أو الممغرب إلى تخوم التراث الشعبي مع مسرحيتي: "الحراز" و"سيدي عبدالرحمن المجذوب" . ثم مع مسرحيتيه الأكثر شهرة "مقامات بديع الزمان الهمذاني" و"أبو حيان التوحيدي" .
لم يكن الصديقي ممن يكتبون أو يتحدثون كثيراً عن مشروعاتهم الفنية أو مغامراتهم . ومع ذلك، فقد استطاع أن يطبع الحركة المسرحية المغربية والعربية بطابع جديد تماماً . على مستوى الكتابة الدرامية وعلى مستوى الإخراج وعلى مستوى الأداء التمثيلي . فقد كان يشارك ممثلاً في أغلب المسرحيات التي يقوم بإخراجها . وتميز أسلوبه في الأداء بطابع خاص يحتفظ فيه من جهة . بخصائص الممثل المهرج . ومن جهة أخرى بطابع خاص يحتفظ فيه من جهة . بخصائص الممثل المهرج . ومن جهة أخرى بطابع الجد الحاسم . سواء على مستوى الصوت أو النبرات أو الملامح . فضلاً عن حرصه المنهجي على الاحتفاظ بمسافة واضحة بينه وبين الدور الذي يقوم بأدائه . ولم يكن هذا أسلوبه وحده في الأداء . بل كان أسلوباً إخراجياً أيضاً . سعى على تعميمه على كل ممثليه . فالشخصيات عنده . بدءاً من بنائها النصي . وصولاً إلى تجسدها على الخشبة . لا تقوم على البعد الداخلي النفسي . أو على الحرص على الاكتمال أو الامتلاء plenitude بالمعنى السيميوطيقي للكلمة . كل الأداء يحرص على قدر من الأسلبة . وعلى الميل إلى التلميح عوض التشخيص "المطابق" للواقع .
ويمكن القول إن المتن المسرحي الذي خلفته تجربة الصديقي يكاد يكون هو المتن التطبيقي الأكثر بروزا من حيث مقاربة مسألة الممثل في الاتجاه التأصيلي في المسرح العربي . لنحتفظ الآن بهذه الخلاصة . ولنتجه إلى استشفاف ملامح مقاربة الممثل في اثنتين من أبرز دعوات التأصيل: دعوة يوسف إدريس . ودعوة جماعة المسرح الاحتفالي .
لم يقدم يوسف إدريس نظرية في فن الممثل . فهو ليس ممارساً بالمعنى المباشر للعمل المسرحي على الخشبة . والحال أن كل النظريات المعروفة في مجال فن التمثيل بلورها ممارسون مسرحيون . في تفاعل مع التجارب التي يجرونها في محترفاتهم على رقعة التداريب . وإنما نجد عند الكاتب اقتراحات على هامش مناقشته المعمقة لمفهوم التمسرح . كما استعمله وحدد مضمونه . باعتباره حالة أرقى من حالة الفرجة . يدخل فيها المتفرجون في علاقة تفاعل جماعية مع الممثلين . منكراً على الفرجات التقليدية أن تكون متمتعة بخاصية التمسرح .
ولا أن تكون قريبة من المسرح بالمعنى الذي يحدده مفهوم التمسرح .
وإذا كانت سمة الغموض في فهم الكاتب لحدود مقترحاته . ونزوعه الذي يكاد يكون سجالياً تبريرياً، ينتهيان به إلى الخلط بين التقمص المعروف في المسرح الميلودرامي . وبين المشاركة التي يريدها حية وحارة بين طرفي العلاقة الفرجوية . فيمكن القول إن الدور الذي يسنده للممثل في إرساء حدود هذه العلاقة أو تفعيل مضمونها . يظل أكثر غموضاً .
لكننا من جانب آخر، نقف على محاولة غير مخصصة مباشرة للحديث عن الممثل . يرسم فيها الكاتب ملامح شخصية فرفور . أو زرزور معتبراً إياه مثالاً صادقاً "للبطل المصري . الحذق الذكي الساخر الحامل داخل نفسه كل قدرة على الزيبق وكل مواهب حمزة البهلوان" . ومؤكداً أن "فرفور هذا أو زرزور ليس ممثلاً بالمعنى الذي نفهمه الآن من كلمة ممثل . لأنه في حقيقته أيضاً وفي حياته العادية فرفور . إنه ظاهرة اجتماعية موجودة في كل زمان ومكان ( . . .) ذلك الإنسان الساخر بسليقته وبطبعه . ذلك الذي لا يتصيد الانفعال ولا يدعي ما ليس فيه . إنه مضحك ومهرج وحكيم وفيلسوف في الوقت نفسه" .
يتداخل في هذا الوصف الذي قدمه الكاتب لما يعتبره عصب تجربته التطبيقية في الكتابة . نموذج شخصية فرفور كمادة إبداعية . وكنموذج اجتماعي . لم يعد الأمر هنا يتعلق باستلهام شكل فرجوي تقليدي واستحضاره ضمن المنظومة المسرحية . بل يتعلق بشخصية في المجتمع قابلة للاقتباس كما تقتبس الموديلات من طرف التشكيليين .
سيزداد الأمر غموضاً عندما يسمح الكاتب لنفسه بكتابة ورقة عن تمثيل المسرحية واختيار الممثلين . حيث يقترح أن يصل العرض المسرحي إلى درجة إفعام العلاقة بين المتفرجين والمشاركين في العرض (أو ما يسميه حالة التمسرح) وشمولها . ولهذا فمعظم حوار الأجزاء الأولى من الفرافير . بجانب أدائه لوظيفة النص في المسرحية يسهم من ناحية أخرى في التمهيد لحالة التمسرح ثم إيجادها ثم تطويرها . وبالنسبة لجمهور مسرح عام ( . . .) لا بد أن نشعرهم أنهم يمكنهم أن يتدخلوا في تأليفها (المسرحية) ويغيروا ويبدلوا منها . لا بد من إلغاء التمثيل والتفرج والممثل والمتفرج . ." .
في الوقت الذي نكون فيه على وشك الاعتقاد أننا بصدد منظور جديد فعلاً لمضمون العلاقة بين المتفرجين والعرض المسرحي . ونكون بانتظار مقاربة جذرية لمفهوم التمثيل . لا يلبث الكاتب أن ينبهنا إلى أن الأدوار المكتوبة لينطقها أفراد الجمهور الحقيقيين . إنما هي في الحقيقة لممثلين سيجلسون في قاعة العرض يمثلون أدوار الجمهور . هكذا نعود أدراجنا مرة أخرى إلى المسرح المعتاد والتمثيل المعتاد . الجديد الآن هو أننا نخدع الجمهور بأن نجعله يعتقد أن منه مشاركين فعليين في التمسرح . في وقت لا يعدو أن يكون الأمر تمثيلاً مضاعفاً (نمثل أننا لا تمثل) وهذا أمر قام به برنولد برخت طوال حياته الفنية . بل شكل جوهر أطروحته في التمثيل وفي تجديد العلاقة مع المتفرجين . سوى أنه لا يعمل على إخفاء خدعة التمثيل . بل يجعل التمثيل المضاعف في خدمة فضح الطبيعة الإيهامية للعرض المسرحي .
انطلقت الاحتفالية في البداية كمبادرة منتسبة إلى جماعة، أطلقت على نفسها اسم جماعة المسرح الاحتفالي، وأعلنت بيانها التأسيسي بمناسبة اليوم العالمي للمسرح منذ سنة 1979 بمدينة مراكش المغربية بمناسبة انعقاد الدورة العشرين للمهرجان الوطني لمسرح الهواة . وقد وقع على البيان الأول للجماعة ستة مسرحيين هم: عبدالكريم برشيد "كاتب وناقد"، والطيب الصديقي "مخرج وممثل"، وعبدالرحمن بن زيدان "كاتب وناقد"، ومحمد الباتولي "مخرج وناقد"، عبدالوهاب عيدوبية "مخرج" ثريا جبران "ممثلة"، ثم استمرت الجماعة في إصدار بياناتها كل عام، وتوسع أعضاؤها حتى بلغوا ثمانية عشر عضوا، لم تستمر الجماعة بشكل منتظم منذ ثمانينات القرن الماضي وكف أغلب أعضائها عن توقيع المنتسبة إلى الجماعة، ولكن أحداً لم يعلن انسحابه منها .
بينما استمر الكاتب المسرحي عبدالكريم برشيد وحده في حمل لواء الأدبيات الاحتفالية والدفاع عنها في مختلف المناسبات والمحافل والدخول في سجالات باسمها بين الفينة والأخرى، والحق أنه أكثر أعضاء الجماعة نشاطاً ومثابرة في الحديث باسم أدبياتها .
بحكم تعدد تخصصات أعضاء الجماعة المؤسسين لم يكن مستبعداً، بل كان سيكون من غير المفهوم، ألا يعلنوا عن تصور لفن التمثيل ووظيفة الممثل في مشروعهم التنظيري . وبالفعل فقد تضمنت بياناتهم الأربعة الأولى فقرات مخصصة للممثل والتمثيل كما تفهمه الجماعة وتدعو إليه، سنحاول أن نعرض خلاصتها في هذه الفقرة .
في البند 53 من بيانها الأول تعلن الجماعة أن فعل التمثيل هو أساساً الظاهرة المسرحية، وبالتالي فلابد من مراجعته ليتلاءم مع المنظور الاحتفالي . وبعد تصنيف أنواع المسرح كما تفهمها، إلى درامي "يحاكي الفعل الإنساني ويعرض ما كان كما كان) وملحمي (يروي الفعل الإنساني . ويحاكي ما هو كائن وما كان) واحتفالي يحيي فعلاً جديداً في حضور الجميع وبمشاركة الجميع، يعود البيان في البند 56 إلى مسألة التمثيل معلناً أن الاحتفالية ترفض مفهوم الإبعاد "كذا" البرختي، وترى أن التمثيل الاحتفالي ينبغي أن يقوم على الاندماج، ولكنه اندماج مع الدور والشخصية والجمهور، ويتميز عن مثيله عند ستانسلافسكي بكونه اندماجاً لمصلحة الواقع الآتي، لا لفائدة الوهم والماضي، ولكي يتحقق هذا النوع من الاندماج فإن الشخصية "التي تكون قادمة من الماضي" هي التي ينبغي أن تندمج مع الممثل (!) حتى تكسب صفة المعاصرة والحياة . وفي البند 61 يوضح البيان أن الاندماج الاحتفالي ليس عملية سحرية معقدة تحتاج إلى طقوس وستائر، بل المسرح الاحتفالي مسرح مفتوح، لا ستائر ولا حواجز ولا دقات تقليدية، فالكواليس لا وجود لها في المسرح الاحتفالي، كما أن الزمن الاحتفالي زمن دائري مفتوح لا ماضي فيه ولا حاضر ولا مستقبل، إنه مبدأ الهنا والآن الذي ستطوره الاحتفالية لاحقاً .
في البيان الثاني للاحتفالية تتساءل الجماعة: هل هناك منهجية معينة يتبعها التمثيل العربي حالياً؟ فتجيب نافية، مؤكدة أن هناك فقط ركاماً من المناهج والتجارب والتيارات المتجاذبة، ثم تتساءل لاحقاً: كيف السبيل إلى إيجاد منهجية عربية متميزة في ميدان الأداء المسرحي؟ وبعد تأكيد أن فن التمثيل صناعة صعبة تقوم على أسس وأصول دقيقة ومركبة، يؤكد البيان أن الممثل الاحتفالي ينبغي أن يمثل مع الجمهور وليس له، حتى لا يسقط في استعراض الذات، ومن جهة أخرى يعترف البيان للممثل بوضعية المبدع الشريك في العملية الإبداعية إلى جانب كل من المؤلف والمخرج . ومن ثمة فهو مطالب بألا يكتفي باستنساخ تعليمات المخرج، بل عليه أن يبدع مراعياً تفاعل الجمهور حريصاً على الاندماج معه . ويضع البيان على عاتق الممثل ضرورة إيجاد أبجدية أخرى مكملة للغة النص والإخراج . كما يطالبه بالاشتغال على داخليته وحقائقه الباطنية . ذلك أن المهم في عمل الممثل هو تجسيد روح الشخصية وليس صورتها الجسدية .
تعود الجماعة في بيانها الثالث إلى قضية التمثيل لتؤكد أن التمثيل الحق يكمن في اختفاء التمثيل، أي في غياب الزيف وحضور الحقيقة والتحرر من جاذبية التكلف والآلية .
خصص البيان الرابع للجماعة جزءاً مهماً من مادته للحديث عن الممثل . غير أن هذا الحديث كما هو الشأن بالنسبة للبيان ككل صيغه تأملية لا تقدم اقتراحات جديدة بالنسبة إلى ما سبق أن قدمته البيانات الثلاثة الأخرى، فهو نوع من التحصيل للمنجز الاحتفالي الذي تعتبر الجماعة أنه صار يتيح لها الحديث عن التوسع واستبطان التجربة .
من خلال العناصر التي عرضناها أعلاه، نلاحظ أن التحديدات التي اقترحتها البيانات، لا تهم في الواقع التمثيل كممارسة أو كتقنية، بل تهم - مرة أخرى - الاختيارات الإخراجية، لأن مجمل ما جاء ذكره، لا تقع مسؤولية تفعيله في الحقيقة على عاتق الممثل في حد ذاته بل على مجمل العملية الإبداعية، هذا فضلاً عن أن الجزء الأكبر من هذه التحديدات، ذات طابع تأملي نظري تتعلق بطبيعة فهم الممارسة الفنية ككل، أكثر مما هي قابلة بالفعل للتطبيق في تقنيات معلومة ومنهج مخصوص .
تطور
لعب التطور التكنولوجي الذي حرص المسرح على الاستفادة منه منذ منتصف القرن التاسع عشر، وعلى الخصوص إدماج عنصر الإضاءة . دوراً حاسماً في التطورات اللاحقة التي شهدتها الساحة المسرحية . ومن زاوية الموضوع الذي يهمنا . أسهم هذا التطور التقني في تطور فن التمثيل بشكل حاسم، فمن الضروري أن ننتبه إلى أن صورة الجمهور التي نعرفها اليوم هي في جزء كبير منها نتيجة لهذا التطور . لقد صارت العروض التي نعرفها اليوم هي في جزء كبير منها نتيجة لهذا التطور . لقد صارت العروض، وصار المتفرجون مدفوعين بالتدريج نحو العتمة والاختفاء أثناء العرض مقابل إضاءة الخشبة . وشيئاً فشيئاً أقرت قوانين تمنع المتفرجين من التسبب في التشويش على العروض . مما أرسى تقليد الصمت المطبق . والاختفاء شبه الكلي للجمهور في عتمة القاعة .
منذئذ صار صانعو العروض المسرحية يتمتعون بفائض من الصمت والهدوء ينبغي استثماره باتجاه الحصول على مزيد من "الطاعة"، التي عبر عنها المتفرجون، لقد كان من الطبيعي أن يواكب التطور في تهذيب المتفرج وسلوكه . تطور في الأداء المسرحي وأساليبه، ولذلك فإن أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين شهدت نمواً متزايداً للوعي لدى المسرحيين بكون التمثيل عملاً فنياً قائماً بذاته، ويحتاج إلى مهارات خاصة وتكوين أكاديمي.
* المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.