م. سعيد الفرحة الغامدي تدور رحى حروب أهلية دامية ومدمرة في العالم العربي بين فئات الشعب الواحد، تُغذِّيها نزعات طائفية وحزبية، وكل فئة تدّعي بأنها صاحبة الحق والرأي السديد، غير مكترثة بأن الحياة على صعيدٍ واحد، وفي ظل نظام يفترض أن به من الضوابط ما يُنظِّم شؤون الجميع.. وأن التعاون والاحترام المتبادل بين فئات المجتمع ينبغي أن تكون فوق كل اعتبارات فردية ذاتية محدودة الفوائد على المدى الطويل. الحيز الجغرافي له أهميته ومقوماته.. والعمق التاريخي مُحمّل بترسبات منها ما جعل المنطقة بكاملها مطمعا للغزاة من الحضارات الأخرى المنافسة، وبعد انبثاق البترول بكميات كبيرة في المنطقة الذي تكيّفت حضارة العالم حوله، تصاعدت وتيرة الأطماع ونزعة الصراع لمحاولة السيطرة على المنطقة والتدخل المباشر وغير المباشر في شؤونها. الخصوم الطامعون في السيطرة استخدموا كل الوسائل، وعلى رأسها بث الفرقة، وتشتيت وحدة الشعوب والمجتمعات، لكي تبقى القوى الأجنبية مسيطرة، يلجأ إليها الطرف الأضعف في النزاع، والأقوياء يدّعون أنهم هم الأقدر على حماية مصالحهم، ولذلك هم الأولى بالدعم والتأييد. مواجهة التحديات نزعة إنسانية، وليست مقتصرة على شعب دون آخر، والعرب بتاريخهم ومشاركتهم في الحضارة الإنسانية على مر العصور يُنظر إليهم من الخارج بأنهم يُشكِّلون تحديا حقيقيا، وهم ينظرون إلى أنفسهم بالأحقية في مجابهة التحديات التي تُهدِّد أمنهم واستقرارهم، وتحاول استنزاف خيراتهم، وفرض نمط معين من الحياة عليهم وفق أهداف تخدم أعداءهم، أكثر من تحقيق تطلعاتهم وتلبي طموحاتهم، والتاريخ يحابي المقدام نهّاز الفرص. وفي صدر الإسلام نال العرب نصيبا وافرا من انتهاز الفرص بقدرة الله وبفضل وجود قيادات ذات إرادة قوية، تعرف ماذا تريد وتعمل بجد وإخلاص لتحقيق أهدافها، وعلى ذلك الأساس رسمت صورة الإنسان العربي المسلم المقدام في ذهنية الحضارات المنافسة واستمر السجال. لم يكن الوجود في الأندلس على مدى ثمانية قرون ضربة حظ، بل كان نتيجة لخطة طريق انتصرت ودامت حتى حاد العرب عن الطريق القويم، ودبّت الخلافات والصراعات، فأتت النكسة لتعود الانتصارات القهقرى، وتذهب كل الإنجازات أدراج الرياح. يعزي بعض علماء الاجتماع الاضطرابات الاجتماعية في العالم العربي إلى ثلاثة عوامل رئيسة، الأول: القبلية التي لم تتمكن المجتمعات من تذويب نفوذها برغم التطور الحضاري الذي وصلت إليه، والعامل الثاني: الأطماع الأجنبية في المنطقة؛ بدوافع مكانتها الحيوية ومصادرها الطبيعية، والعامل الثالث: الخلافات المذهبية التي استُغلَّت لتوسيع شقة الخلافات، وتأجيج التصادم بين الطرق، ادعاء بأحقية دون غيرها على صحة الرأي ومصداقيته. إن ما يحصل على امتداد الساحة العربية من القتل والدمار وزعزعة الأمن والاستقرار وبث الفتن، والسماح لأعداء الأمة بالتدخل في شؤونها يعني مزيدًا من التخلف، ومزيدًا من الإحباط لمقدرات الأمة من النهوض من جديد، ويُشكِّل إعاقة كبرى لتصحيح مسارات ضلّت الطريق، وتحقيق مطالب مستحقة. لقد خلق التفوق العلمي الذي تحقق على أيدي أعداء/ منافسي العرب التقليديين فجوة كبيرة بين من يملك ويجيد وسائل التصنيع والإنتاج، وبين دول العالم الثالث الذين بقوا مستهلكين وخارج لعبة التفوق، وأصبح أي تحرك للفكاك من أسر التخلف يواجه تحديات جبارة من الصعوبة بمكان التغلب عليها، فالعرب تتحكم فيهم العوامل المشار إليها سابقا. وفي ظل الوضع السائد حاليًا في العالم العربي، فإن الفرصة متاحة أمام علماء الاجتماع المتخصصين في الجامعات ومراكز البحوث العلمية لتقصّي الظواهر الاجتماعية والعوامل التاريخية التي أدت إلى الوضع الراهن، واستنباط حلول تساعد الأجيال القادمة على تصحيح مساراتها، وإيقاف النزيف العبثي الذي تمر به الأمة.. والله من وراء القصد. [email protected] [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (23) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain