خالد المتوكل يا أبي الحبيب محمد عباس المتوكل حين قرأت كلماتك التي كتبتها بعد خروجك من ظلمات السجن، شعرت وكأن الحياة تُنفَخ في قلبي من جديد. كل حرفٍ منك كان نبضًا من نور، يعيدني إلى قصة نبي الله يوسف عليه السلام، حين خرج من غيابة الجب، ومن ظُلم السجن، إلى مقام العزّة. رأيت فيك صورة يوسف في صبره وثباته وإيمانه بالغيب الذي لا يراه إلا المؤمنون. كلماتك التي التفتَّ إليها في عتمة السجن، وعدتَ لتخبر الناس عنها كالخبر اليقين، كانت دليلًا على إيمانك العميق بالله، الذي خلقك فسواك فعدلك، فلم ترَ في الظلمات إلا وجهه، ولم تتعلّق بغيره. كنت لنا، وما زلت، ضوءًا في العتمة، وشهابًا نقتبس منه الأمل، يومًا بعد يوم، ولحظة بعد لحظة. كم آلمنا ما نالك من وشايةٍ ظالمةٍ ومكرٍ من أناسٍ كنت تظنّهم أصدقاء! ساقوك بظلمهم إلى زنزانةٍ وأنت بريء، لكن الله — كما فعل بيوسف — أظهر براءتك، وردّ عنك كيدهم، وأراك نوره وعدله، وأعادك إلينا مرفوع الرأس، طاهر القلب، صادق النية، كما عهدناك دائمًا. نعم، قد يرى البعض أنك مكثت في السجن قليلًا، ولكن يشهد الله أن كل لحظةٍ ظلمتَ فيها كانت عندي بمقدار سنةٍ كاملةٍ من الألم والعجز. لن أنسى ما حييت تلك النظرة الصاخبة التي وجهتها إليّ قبل أن يُنزلوك من الطائرة، نظرة تختصر الوداع والوصية والإيمان في آنٍ واحد. كنتَ تقرأ الموقف بعين الحكيم، وأمرتني ألا أعترض، وأن أكمل رحلتي مع والدتي وابنتي. حينها لم يقشعرّ جسدي فحسب، بل تكهرب عقلي بتيار القهر والعجز وضعف الحيلة، وأنا أراك تُؤخذ ظلمًا دون أن أملك حيلةً سوى الصبر والدعاء. الحمد لله أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا، أن جعلك آيةً من الصبر والإيمان، وأن بعد الشدة فرجًا، وبعد الليل فجرًا. وشكرًا من القلب لكل من وقف إلى جانبك، بدعوةٍ صادقةٍ أو كلمةٍ طيبةٍ أو بصمتٍ كريمٍ لم يُشارك في ظلمٍ ولا شماتة. فالمواقف يا أبي تكشف معادن الناس كما تكشف النارُ صفاء الذهب. أما من ظلم وافترى، فحسبه الله ونعم الوكيل، فلن تضيع الحقوق عند من لا تخفى عليه خافية، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون. أفتخر بك يا أبي، وأحبك حبًّا لا تصفه الكلمات. أطمع في رضاك كما أطمع في رضا الله، وأسأله أن يعوّضك عن كل لحظة ألمٍ بطمأنينةٍ وسكينةٍ تملأ عمرك القادم نورًا ورضًا. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾