يومًا بعد آخر، تتضاعف معاناة الأسر الفقيرة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، مع فرض المليشيا قيودًا واسعة على أي أنشطة خيرية خارج نطاق أجهزتها، مما حرم آلاف المواطنين من مساعدات ظلت لسنوات مصدرهم الوحيد للبقاء. ويتزامن هذا التضييق الحوثي مع استمرار الانهيار الاقتصادي واتساع رقعة الجوع، في وقت كانت فيه المبادرات المجتمعية والصدقات الموسمية تشكل خط الدفاع الأخير أمام موجة الفقر التي تضرب البلاد منذ الانقلاب الحوثي واندلاع الحرب.
وبينما تعتمد الحكومات عادة على دعم المجتمع المحلي في مواجهة الأزمات، اختارت مليشيا الحوثي السير في اتجاه معاكس، عبر مصادرة التبرعات الشعبية ومنع التجار ورجال الأعمال من تقديم العون المباشر للمحتاجين دون إشرافها الكامل.
وتحذر منظمات دولية من أن هذه السياسة قد تدفع اليمن نحو مستويات غير مسبوقة من المجاعة، مع استمرار مليشيا الحوثي في تحويل قنوات الإغاثة إلى أدوات سياسية وعسكرية، على حساب الملايين من الأسر التي تكافح للبقاء.
تجفيف منابع العمل الخيري
خلال السنوات الأخيرة، توسعت مليشيا الحوثي في إجراءات تستهدف السيطرة على التبرعات الشعبية، بدءًا من منع التجار ورجال الأعمال من توزيع الزكاة والصدقات مباشرة، وصولًا إلى مصادرة أي نشاط خيري لا يخضع لسلطتها الأمنية والمالية.
وأقدمت المليشيا على تنفيذ مداهمات متكررة لمنازل وشركات رجال الأعمال الذين يقدمون مساعدات للفقراء، وأجبرتهم بالقوة على وقف التوزيع وتحويل المعونات إلى هيئات تابعة لها، لضمان التحكم الكامل بمسارها واستخدامها وفق مصالحها.
شكلت هذه الإجراءات ضربة قاسية لآلاف الأسر التي كانت تعتمد على الدعم المجتمعي، خاصة خلال مواسم الشتاء ورمضان والأعياد، إذ حرمتها من مبادرات ظلت لسنوات المتنفس الوحيد في ظل الحرب وتدهور الدخل وغياب الخدمات.
ويرى مراقبون أن المليشيا تهدف من وراء ذلك إلى تحويل العمل الخيري إلى مصدر نفوذ وتمويل، عبر إعادة توزيع المساعدات بطريقة تخدم أجندتها، بما في ذلك تغذية نشاطها العسكري والدعائي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
قيود جديدة على المبادرات المجتمعية
خلال الأسابيع الماضية، شددت مليشيا الحوثي قبضتها على المبادرات التطوعية والشبابية التي تقدم مساعدات نقدية وعينية للأحياء الفقيرة والمهمشة، رغم أنها كانت تؤدي دورًا حيويًا في سد الفجوات الإنسانية التي لم تعالجها المنظمات الدولية أو جهات رسمية أخرى.
وبحسب تقارير إعلامية، رفضت المليشيا طلبات عدة مبادرات لتوزيع بطانيات ووجبات ساخنة وملابس شتوية وسلال غذائية في أحياء العاصمة صنعاء، في وقت تتزايد فيه موجة البرد القارس وتتدهور أوضاع الأسر الفقيرة بشكل غير مسبوق.
ولم تكتفِ المليشيا بالمنع، بل أجبرت القائمين على تلك المبادرات على تسليم كشوفات المستفيدين وكل ما لديهم من معونات، بزعم أن هيئة الزكاة والمجلس الأعلى هما الجهتان المخولتان بالتوزيع، بما يضمن احتكارها الكامل لملف الإغاثة، وفقًا لموقع الشرق الأوسط.
ويؤكد سكان محليون أن هذا الاحتكار الحوثي أدى إلى توقف المساعدات الشعبية، وتراجع حجم الدعم المتاح بشكل كبير، ما ترك آلاف الأسر في مواجهة العوز دون أي بدائل حقيقية أو تدخلات رسمية تخفف وطأة الأزمة المتفاقمة.
الحرمان من الملاذ الأخير
يشتكي المواطنون في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي من أن الجماعة تتعمد منع وصول المساعدات الشعبية التي يقدمها التجار أو المبادرات الشبابية، والتي كانت بالنسبة لكثيرين "الملاذ الأخير" بعد توقف أغلب البرامج الرسمية.
ويقول سكان إن المليشيا تسعى لفرض سيطرة مركزية على كل أشكال الدعم الخيري، بحيث لا يحصل أي مستفيد على مساعدة إلا عبر قنوات مرتبطة بها، ما يؤدي إلى استبعاد آلاف الأسر التي لا تمتلك القدرة على الوصول إلى شبكات النفوذ الحوثية.
وأدى هذا التضييق الحوثي إلى اتساع فجوة الجوع، مع استمرار تدهور الدخل وفقدان الوظائف والمساعدات النقدية التي كانت تبقي الكثير من الأسر فوق خط الجوع، خصوصًا في الأرياف والمدن المكتظة بالنازحين.
من جهتهم، حذر ناشطون يمنيون من أن منع المبادرات المحلية سيترك العشرات من المجتمعات الفقيرة في البلاد دون أي موارد، ما قد يفتح الباب أمام كارثة إنسانية غير مسبوقة، خاصة مع تراجع برامج الإغاثة الدولية بسبب نقص التمويل.
تحذيرات دولية
يتزامن هذا التضييق الحوثي مع تحذيرات صدرت عن منظمتَي "الأممالمتحدة للأغذية والزراعة" و"برنامج الأغذية العالمي"، أكدت أن اليمن بين أكثر الدول المهددة بالانزلاق إلى المجاعة خلال الأشهر المقبلة إذا استمرت القيود الحالية على العمل الإنساني.
وأشار تقرير دولي مشترك إلى أن النزاعات المسلحة والانهيار الاقتصادي وتغير المناخ وتقييد وصول المساعدات تشكل عوامل مركبة تدفع ملايين اليمنيين نحو مستويات متقدمة من الجوع الحاد، في ظل غياب تدخلات فعّالة.
ويحذر التقرير من أن القيود المفروضة على المساعدات، وعرقلة وصولها إلى أكثر الفئات تضررًا، تجعل اليمن إحدى النقاط الساخنة التي قد تشهد وضعًا كارثيًا إذا لم تُرفع العوائق أمام المبادرات الإنسانية والمجتمعية.
ويرى خبراء إن استمرار المليشيا في احتكار قنوات الإغاثة يهدد بحدوث انهيار شامل في منظومة الأمن الغذائي، مؤكدين أن وقف هذه الممارسات يمثل خطوة ضرورية لتجنب دخول البلاد مرحلة من المجاعة يصعب احتواء تداعياتها.