لم أكن أتصور أن كل هذه الجموع في انتظار فتح باب المسرح فعادة في مسرح الغد أجد الكثيرين يجلسون فيما يشبه الكازينو من خلال بعض المقاعد والمناضد. المهم دخلت المسرح وهنا لابد من أن أقول إنه كان في تمام الساعة المحددة للعرض وهو أمر لا أجده كثيرا في الواقع. بدأ العرض الذي يحمل اسم ليل الجنوب الذي كتبه شاذلي فرح مقدما ايضا أحوال الصعيد الجواني وبالذات المرأة فيه, فمن خلال أربع سيدات يقدم لنا الصورة القاتمة بل شديدة القتامة التي تعيش فيها المرأة في الصعيد. في البداية كان أمامي الديكور الذي أعده د. محمود سامي, ومع الاعتراف بأنه جيد إلا أنني كنت أفضل أن يكون أبسط مما شاهدت حتي لا يخطف العين اكثر من اللازم وليكون اكثر في خدمة العرض أي النص لدينا مستوان علي خشبة المسرح الأول فحرو أبواب للبيوت والثاني عبارة عما يمكن أن نسميه ساحة في الصعيد. كل إمرأة تسكن في هذه البيوت المظلمة تخرج من الباب لتحكي قصتها, فالأولي مشكلتها أنها لا تنجب وفي الصعيد هذه مثل الشجرة غير المثمرة أو النخلة غير المثمرة. والطباع هناك تقول إن هذا سببه المرأة وليس الرجل. الثانية تضطر إلي قتل وحيدها بنفسها لتكون أرحم من أقاربها الذين لابد أن يقتلوه برغم صغر عمره أخذا بالثأر. الثالثة أيضا لديها مشكلة نتيجة تقاليد الصعيد البالية التي لابد من الالتزام بها, والأخيرة برغم أنها درست في الجامعة وأصبحت من خلال التعليم مستنيرة الفكر إلا أن والدها يرغمها علي الزواج من إبن عمها الذي يكبرها ولا تشعر تجاهه بأي مشاعر. إنها العادات والتقاليد البالية التي مازالت تحكم صعيد مصر وربما بعضا من ريف شماله. المخرج لدينا ناصر عبدالمنعم الذي أشهد بأنه قدم عملا بديعا ينفذ داخل الوجدان بصورة مؤثرة مع مجموعة الممثلات اللاتي قدمن أداء بالغ الروعة مع ملابس مناسبة لنادية المليجي, وكانت الموسيقي الحية التي تضم الآلات الشعبية التقليدية لم تكن وحدها ولكن كان أيضا ثمة موسيقي مسجلة وكان أيضا لدينا طفل يربط الأحداث, وأعتقد أنه لفرط نجاحه قد أذهل الجميع. عمل أستطيع أن أقول عنه إنه من بين العروض الجيدة القليلة التي ظهرت علي خشبات مسارحنا هذا الموسم.