12-02-2013 02:07 الجنوب الحر - بقلم الكاتب السياسي د/احمد عبد اللاه أنْ تتوقع بأن يهِبَك قاتلوك حياةً جديدةً فانه يعني أن تعيد تعريف موتك بلغةٍ شاعرية! .. أن تتوقع نتائج مختلفة، في أي عملية، من ذات العقليات وبذات الآليات والوسائل وبنفس الطريقة دائماً فانه يعني إصرارك على الغباء! أن تقفز من قمة جبلٍ مستقوياً بساقيك فأنت بلا رأس أصلاً ! .. أن تستبقي رئَتيك مفتوحتين لنافخ النار، فانت لا تستحق سنتيمتراً مكعباً من هواء الدنيا يبقيك على قيدها. وهكذا نعتقد، بإنسانيتنا البسيطة المتواضعة، بان هناك بديهيات صغيرة يتمثلها العقل ويفهما في سياق الممارسة، في السلوك وفي التجارب البشرية على المستوى الخاص والعام، تماماً مثلما هناك قواعد أولية يفهمها الدارسون كارشادات ثابته في المختبرات والمعامل. أَّما وقد اصبح هذا الخوف فينا من تكرار الأخطاء غريزةً حيوية فانه يتعين دوماً الانتباه قبل الافتتان، كما يتعين تحكيم العقل وذوي العقول بشكل مستمر وكذلك القفز على ثوابت الطبع العاطفي، وهنا اعني ( مع كل الاحترام) إخوتنا في الحراك الجنوبي، مَن ذهبوا الى الحوار على عجلةٍ من أمرهم ونصبوا الهيئات والشعارات من اجله ودخلوه وفي جيبهم بيان الانسحاب منذ اليوم الاول، وان لم يكونوا قد كتبوه حينها، الا انه كان مقدَّراً عليهم ان يفعلوه في الاخير لينقذوا ضمائرهم. كيف يتم تجريب الحوار مرة أخرى ومن موقع الضعف مع ذات القوى وقد زادت سطوة وخبرة ومال وسلاح واحتدمت غرائز السيطرة والاستملاك عندها؟ هذا ما حيَّرنا دوماً. لكن هذا الامر برمته لم يعد جديد على احد فقد عرفنا جميعاً بحواسنا وحدسنا بأنَّ القيادات الجنوبية على مدار الأزمنة السابقة والحالية هم الاكثر تهوراً يستمزجون اللحظة العاطفية ليبنوا قرارات تتعلق بحياة شعبهم ومصائره، مغامرون لم يثبتو لمرة ما بلوغهم سن الرشْدِ، وكلما سار بهم الدهر خفَّت عندهم أوزانُ تراكم العقل وتطهَّرَ منهم صفاء الذهن وصفة الدهاء. السابقون مغامرون واللاحقون مغامرون دون استثناء ... مغامرون في صلابتهم وسيولتهم في صمتهم ونطقهم في عزِّهم ومذلَّتهم في استراتيجياتها وتكتيكاتهم .. وفي كل شيء مغامرون والدعاء من اجلهم اصبح واجب وطني، وهذا اضعف الإيمان لشعب يتمسك بهم بشكل عقائدي بل وعلى استعداد لان يموت من اجلهم. إنه شأن شعوب العرب قاطبة فقد اثبت ( ربيعها) بانها لا تعرف غير الماضي المتلبث في الأسماء والامجاد، ولا هدف لها غير نهج العودة اليه، فلم يرفدها الحاضر بغير الحضور الفيزيائي المجرد من قيم الحضارة. لكني أحسب هنا ان على الجنوب ان يمثِّل استثناء نظراً لظرفه المغاير عن بقية الشعوب تلك، فأمامه الوقت والإمكانية الكبيرة بان يستند الى العقول الجديدة كخيار طبيعي يوازي تجدد الحياة وتعقيد التحديات وخاصة في اللحظات الحرجة. انتهى حوار صنعاء مثلما توقع الجميع وكان البعض بحاجة لان يجرب، حسناً! ربما هو درس آخر لكنه ليس الدرس الأخير ... هل يعلم الجميع الان ما هو الدرس الاخير والأكبر، الذي يبدو بان لا احد من الرفاق والأخوة والزملاء قد فهمه وتعامل معه بشكل واقعي ؛ إنه ) التوازن كضرورة ) على الارض، التساوي بالقوة، ليس عددا وعدَّةً ولكن قدرات وكفاءة بما يحبط ارادة الخصم ويكبح نواياه ويكسر أنيابه، ويوازيه دهاءاً، ويفوقه اخلاقاً . كيف يصبح الجنوب قوة حقيقية يعترف بها الداخل والخارج القريب والبعيد بعقله وليس بعواطفه ويحسب الجميع لها حساب حقيقيي وليس يضعها ضمن أوراقه، يخاطبها بندّية وليس بدونية، تفرض وجودها على الارض دون ان تستجدي أرضاً لوجودها ... تلك القوة هي الشرط الاول في صياغة اي معادلة جديدة وفي اي حوار حقيقي، وبدونها سيظل الجنوبيون منكبِّين على تشكيل المجالس وبناء الهيئات وصياغة الوثائق وتسجيل الخطابات ورفع الصور وكتابة الشعار والغرق في تفاصيل تنظيمية وتعريفات نظرية واختلافات يومية وموات بطيء، والقادة تتآكل أيامهم الباقية ويتفاقم الخرَف والعجز الإنساني عندهم، بينما الارض يستفحل فيها العطش الأحمر لدماء الشباب، والوطن المُستَنزَف يصبح مرثية تُلقى في المناسبات وترددها الأجيال . المليونيات الجميلة الرائعة التي أبهرت العالم، وآخرها هذه النوفمبرية العملاقة، هي فعل الضرورة المنبثق بعفوية، وهي طاقات الجماهير الكامنة تخرجها في المناسبات، لكنها ستصبح مزلزلةً لو قُدِّر لها أن تُستثمر بشكل منظم جداً وقوي جداً. كيف ؟ ... هذا السؤال الذي تتصدع له الأدمغة البسيطة، لكن زعامات التاريخ الحقيقية في غير بقعة من هذه الارض استطاعت ان تجيب على هذا السؤال الاكبر وأن تقود شعوبها نحو الحياة والحرية. هل بمقدور الزعامات التي صنعت مآسي الجنوب ان تقوده الى الخلاص ؟ لا أحد يستصيغ هذا الطرح بموضوعية ولا حتى بالمقاييس الحسابية البسيطة . لكن ان كان وجود تلك الزعامات اليوم ضرورة واقعية فإنها بالفعل ستحتاج الى معجزة. وفي قمة الفرضية المتفائلة فان هذه المعجزة ( ربما) تصبح غير مستحيلة ومقدور عليها لمرة واحدة لو تخلت تلك القيادات عن الذات والموروث المتأصل والمتألق فيها وبادرت الى كسر دوائرها الضيقة وسياج حاشياتها واختارت الإنصات للعقل وللمطالب الحقيقية لهذه المرحلة الأصعب في تاريخ الجنوب وانصاعت للضرورة الملحة وتداركت اعمارها الباقية بان تستثمر أيامها يوما بعد آخر بجهد موحَّد في سبيل الدراسة والعمل على خلق (الضرورات) الكبيرة على الارض من اجل استعادة دولة الجنوب، وهم يعرفون جيدا ماهي تلك الضرورات التي يبني العالم على أساسها نظرته الجديدة للقضية الجنوبية ويندفع حثيثا لحلها ويسخِّر لها ما هو اكبر وأعظم من مجرد ( بن عمر). والضرورات لا تُخلق على الارض ولا تُصنع بغير حامل قوي وموحَّد وبغير قوة حقيقية تجبر كل الأطراف الداخلية والدولية القريبة والبعيدة للمجيء الى طاولة حوار حقيقي متكافئ. إن قادة صنعاء وقادة الدول المجاورة جميعهم ولا استثني احدا منهم ( ليس على طريقة مظفر النواب ) لن يحترموا غير الأقوياء وهذا ما تعلمناه من كل التواريخ والأحداث . لهذا فالمطلوب اليوم من كل الزعامات ان تتدارس على مستويات مختلفة مسألة الإجابة على السؤال الكبير وهو ؛ كيف يتم خلق ذلك التوازن الحقيقي على الارض بالشكل الواقعي المطلوب ؟ وكيف يتحول الجنوب الى قوة حيوية تمارس الإملاء من اجل توفير شروط الحياة الكريمة دون المناشدة والتودد والتوسل والاستغاثة. هو سؤال المرحلة القادمة لان أمام الجنوب ؛ إما ينال حريته بإرادته او تتحول قضيته الى نسخة مُزْمِنَة من قضية الصحراء الغربية( لا سمح الله). الكاتب السياسي د/احمد عبد اللاه[/b]