الجمارك العمانية تعلن ضبط أجهزة اتصالات كانت في طريقها إلى اليمن    شركة النفط توضح حول الاجراءات بشأن الوقود الوقود وتمدد فترة تلقي الشكاوي    اتلاف أكثر من 3 آلاف لغم وذخيرة في باب المندب    زيارة ترامب إلى السعودية... مشهد جديد في هندسة التحالفات    وفد برلماني يشارك في مؤتمر التعاون الإسلامي بجاكرتا ويؤكد على دعم القضية الفلسطينية    ترامب: الشرع رد بالإيجاب عند سؤاله عن الانضمام إلى "اتفاقات أبراهام"    النفط يتراجع في ظل ترقب الأسواق لارتفاع محتمل في مخزونات الخام الأميركية    غروندبرغ: اتفاق التهدئة بين واشنطن والحوثيين خطوة ضرورية واليمن لا يزال بحاجة لخريطة الطريق    بن زايد يستقبل وزير الدفاع السعودي ويبحثان التطورات الاقليمية    ولد علي يبدأ مهمة اعداد منتخب اليمن لمواجهة لبنان    مكافحة الفساد ووزارة النقل تناقشان أبرز مظاهر الاختلالات ومعالجاتها    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ أحمد صالح الزايدي    المولّد وجمعان يكرمان الفائزين في سباق رياضي لمنتسبي المدارس الصيفية بالأمانة    رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز تغلق فترة الانتقالات في وقت مبكر    80 شهيدا في القصف الإسرائيلي على غزة منذ فجر الأربعاء    رئيس الوزراء يدشن المرحلة الأولى من عملية تفقد وتقييم الخدمات العامة    العدو الصهيوني يواصل هدم المنازل في مخيم نور شمس شرق طولكرم    الرهوي يؤكد إطلاق برامج تنموية تهدف إلى تخفيض فاتورة الاستيراد    لملس يطّلع على سير العمل في مشروع المستشفى الجديد الجاري تنفيذه بدعم إماراتي    الكيان يشكو تأثيرات الحصار اليمني خسائر بالمليارات    الوزير البكري يلتقي نائب ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)    الأمم المتحدة توجه نداء لجمع 1.42 مليار دولار لدعم البرامج الإنسانية باليمن    هيئة مكافحة الفساد تُحيي الذكرى السنوية للصرخة    فاجعة تهز إب.. وفاة 6 أشخاص من أسرة واحدة اختناقا داخل بئر مياه    سريع يعلن عن الاستهداف الثالث وافيخاي يجدد التحذير باخلاء الموانئ    الأسهم الأوروبية تسجيل استقرارا بعد الهدنة التجارية بين أمريكا والصين    شركة الغاز بمأرب تدشن استبدال الاسطوانات التالفة تعزيزا لسلامة المواطنين    بروتوكول تعاون بين "المصرية الهندسية" والاتحاد المصرى للدارتس    تدشين أولى رحلات تفويج الحجاج جواً من مطار عدن الدولي    بلجيكا.. اكتشاف أنبوب مياه روماني فريد من نوعه    كريستيانو جونيور يكتب أول سطر من مسيرته الدولية    دخول تخفيضات الرسوم الجمركية الإضافية بين بكين وواشنطن حيز التنفيذ    أجواء حارة في الصحاري والسهول    "بلو سكاي" التابعة ل "عبدالحافظ العليمي" تستولي على قطاع S2 عقلة شبوة (وثيقة)    من وادي عومران إلى وادي حضرموت.. مشروع جنوبي لتفكيك بؤر الإرهاب بالمنطقة    الفقيد صالح علي السعدي.. من الرعيل المؤسس لنادي شعب حضرموت    مكتب زراعة الأمانة يكرم مركز الشهيد "هاني طومر" الصيفي ب200 شتلة من الأشجار المثمرة    علماء روس يطورون طريقة للتنبؤ بالأمراض الوراثية والمناعية    الكلمةُ شرفٌ لا يُباع.. ومسؤولية لا تُزوَّر    النفط يتراجع من أعلى مستوى له في أسبوعين    مناقشة أوجه التعاون بين وزارة النفط والمركز الوطني للوثائق    برعاية وزير الأوقاف.. وكالات الحج والعمرة تقيم اللقاء السنوي مع الحجاج في العاصمة عدن    مصر تستعيد 25 قطعة أثرية من واشنطن    حكيمي رابع مغربي يتوج بجائزة أفضل لاعب أفريقي بالدوري الفرنسي    البغدادي يكشف عن اخفاء قسري لمحامي في صنعاء ويطالب بالاسراع في كشف مصيره    كفى عبثًا!!    علماء يحققون اكتشافا مذهلا عن الأصول الحقيقية لليابانيين    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تتضامن مع الصحفي عدنان الأعجم    "اليونيسيف" تطلق مبادرة للحد من نقص التغذية في اليمن    المناخ الثوري..        قراءة نقدية في كتاب موت الطفل في الشعر العربي المعاصر .. الخطاب والشعرية للدكتور منير فوزي    نساء عدن: صرخة وطن وسط صمت دولي مطبق.!    صبحكم الله بالخير وقبح الله حكومة (أملصوص)    أمريكا.. وَهْمٌ يَتَلَاشَى    مرض الفشل الكلوي (4)    شركات أمنية رافقت نساء المنظمات والشرعية يوم أمس    تسجيل 17,823 إصابة بالملاريا والأمراض الفيروسية في الحديدة منذ بداية 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن على ظهر دراجة نارية
نشر في الجنوب ميديا يوم 13 - 11 - 2013


الخميس 05 ديسمبر 2013 05:52 مساءً
| د. محمد جميح |
دفعت الحاجة، وقلة مصادر الدخل آلاف العاطلين عن العمل في اليمن إلى شراء دراجات نارية ومن ثم استعمالها كمركبات أجرة لكسب دخلهم اليومي في العاصمة وغيرها من المدن الرئيسية، مما جعل العاصمة تحديداَ ‘كتلة من ضجيج' مستمر تظل أصداؤه تتردد حتى ساعات متأخرة من الليل.
غير أن الأمر الأخطر يتمثل في أن هذه الدراجات أصبحت وسيلة لاقتناص أرواح العديد من الشخصيات العسكرية والحزبية والرسمية في عمليات اغتيال مرعبة خلال الشهور الأخيرة، نظراً لخفة هذه الدراجات، وسهولة هربها بالدخول في الشوارع الفرعية الصغيرة، حيث تصعب ملاحقتها أو الإمساك بمن عليها في الوقت المناسب.
أصبحت الدراجة النارية أو ‘دراجة الموت' في اليمن اليوم مشابهة في دورها للسيارة الهايلوكس أو ‘سيارة الموت' في التسعينيات من القرن الماضي، التي مثلت رعباً للقيادات الأمنية والحزبية والسياسية في اليمن بعد أن تم تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال بواسطتها.
وبغض النظر عن تصاعد عمليات الاغتيال السياسي بواسطة ‘دراجات الموت'، فإنها على بشاعتها، لا تعدو كونها عرضاً للمرض الحقيقي المزمن الذي يعانيه اليمن خلال الفترة الراهنة، هذا المرض الذي يأخذ عدة تجليات سياسية وأمنية واقتصادية ودينية في آن واحد.
يبدو اليمن كله- إذن- في لحظة تأمل عميق محمولاً على ظهر دراجة نارية مسرعة لا تبدو لها وجهة محددة، وهي في مشوارها عرضة للكثير من المطبات السياسية والأمنية، والاغتيال، لا سمح الله. ومما يزيد الأمر سوءاً أن ركاب هذه الدراجة لا يريدون أن يسمعوا لبعضهم بعضا، بل يتكلمون جميعاً في لحظة واحدة، من دون أن يتناوبوا على الحديث والإصغاء، لكي يتسنى لهم فهم بعضهم بعضا بصورة أفضل.
في شمال الشمال -على سبيل المثال- وفي صعدة تحديداً يقول مهرج كبير إنه يقاتل الأمريكيين والإسرائيليين في مناطق جبلية لا يسكن بها غير اليمنيين، ولا يعرف الأمريكيون ولا الإسرائيليون إليها طريقاً، مهرج يريد إقامة دولة ‘الإمامة الإسلامية'، على طريقة الولي الفقيه في طهران، ويرى أنه الأولى بالحكم، وأن مشاكل الدراجة اليمنية لن تحل إلا عن طريقه هو، لأنه هو القائد الماهر، وهو المتصل بالنبي نسباً وديناً، وبالتالي فإن علاج الحالة اليمنية لن يستعصي عليه حتى لو كان ذلك العلاج الذي يقترحه أشبه ما يكون بوصفة شعبية قائمة على التمائم والحروز التي يدرسها لتلاميذ المدارس في محافظة صعدة عن نظريات الحق الإلهي في الإمامة والحكم، التي عفى عليها الزمن.
وقد بلغ به الأمر مؤخراً أن بدل النشيد الوطني للجمهورية اليمنية الذي يردده تلاميذ المدارس في طابور الصباح، وجعل مكانه ‘شعار الولاية' الذي يردده اليوم الطلبة في بعض المدارس في محافظة صعدة والمديريات التي يسيطر عليها، وهذا الشعار هو قسم تعبوي طائفي يزعم أن الولاية لعبدالملك بدر الدين الحوثي، على أساس سلالي، باعتباره وريث الإمامة الشرعية بنصوص دينية تؤكد حقه الإلهي في ذلك، بناء على نص القسم الذي يقول: ‘اللهم إنا نتولاك، ونتولى رسولك ونتولى الامام علي ونتولى من امرتنا بتوليه سيدي ومولاي عبد الملك بدر الدين الحوثي. اللهم انا نعادي من يعاديك ونعادي من يعادي رسولك ونعادي من يعادي الامام علي ونعادي من امرتنا بتوليه سيددي ومولاي عبد الملك بدر الدين الحوثي" .. فهل بعد هذا من تهريج؟ وهل يمكن لمن يقتنع بهذا الطرح، أو يروج له أن يؤمن حقيقة بالحوار، والاستماع للآخر، والقبول بفكرة الدولة المدنية القائمة على أساس ديمقراطي، يتم وفقاً له ‘اختيار الحاكم من قبل الشعب'، في وقت يقوم فيه الفكر الثيوقراطي الذي يروج له ‘الإماميون الجدد' على أساس ‘اختيار الحاكم من قبل الله'.
والمعضلة أنك عندما تحاول فتح النقاش مع مثل هؤلاء، يأتيك الرد حاسماً وسريعاً، بالاستشهاد بقوله تعالى ‘الله يخلق ما يشاء ويختار'، وقوله ‘وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم'، فالاختيار من الله ، وهو الذي قضى أن يجعل الحكم في سلالة بعينها حسب تنظير بدر الدين الحوثي، الأب الروحي للثيوقراطية الجديدة، الذي يقول "والولاية لمن حكم الله بها له في كتابه وسنة نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – رضي الناس بذلك أم لم يرضوا، فالأمر لله وحده وليس للعباد أن يختاروا ولا دخل للشورى في الرضا، لأنه لا دخل للناس في أمر قد قضاه الله ورسوله'، وهذا هراء لا يوازيه إلا هراء النظريات الكنسية التي قالت ب'الحق الإلهي للملك' في أوروبا العصور الوسطى.
وإذا غادرنا المربع الأمني للحوثي وتركناه في برجه العاجي الذي يحلم فيه بعهد ديني وسياسي جديد في اليمن، سوف تطالعنا دراجات نارية تخرج من بطون الجبال، محملة بالأحزمة الناسفة، وتحمل الرايات السوداء، وتنطلق بشكل مريع في ‘الجهاد ضد الحلف الصليبي اليهودي'، على الرغم من أن معظم ضحايا جهادها هذا من المسلمين اليمنيين الذين قتلت منهم خلقاً كثيراً في جهادها المقدس ضد ‘الصليبيين واليهود'. ركاب هذه الدراجة يعيشون خارج العصر، ويظنون أن الإسلام محصور في النسخة الرديئة من الجهاد التي يحاولون تعميمها، ويعتقدون أن الالتزام بالإسلام يعني نسخ القرن الأول الهجري شكلياً، وإسقاطه بشكل حرفي وآلي على القرن الخامس عشر الهجري. ولسائق هذه الدراجة النارية ‘شعارالبيعة'، الذي لا يختلف عن ‘شعار الولاية' الحوثي إلا في حقيقة أن ناصر الوحيشي زعيم القاعدة في جزيرة العرب، لم يزعم أن لديه نصاً دينياً يثبت حقه الإلهي في التسلط على رقاب الناس، كما يفعل زميله عبدالملك الحوثي، أما ما عدا ذلك فإن الطرفين ‘يقاتلون' الأمريكيين في الاستراتيجيات، و'يقتلون' اليمنيين في التكتيكات.
وإذا تركنا الوحيشي وطريقته الخاصة في قيادة الدراجة اليمنية، سنلقى عدداً من سائقي هذه الدراجة المكدودة يعزفون على وتر ‘القضية الجنوبية'، ومظالم الجنوبيين، وهؤلاء لا يزيدون عن كونهم مجموعة من الانتهازيين السياسيين الذين تسببوا بنكبات الجنوب، وعادوا يتباكون عليه، لأهداف لا علاقة لها بمعاناة الناس في الجنوب أو الشمال.
وهؤلاء الساسة في حقيقة الأمر لا يهمهم أن تحل قضية الجنوب لا بالوحدة ولا بالانفصال، وإنما يهمهم أن يبقى الوضع على ما هو عليه الآن، لأن ذلك هو الوضع المثالي الذي يجعلهم يعتصرون القضية الجنوبية قدر ما يشاؤون، ولأن تسوية الوضع في الجنوب لصالح الوحدة أو حتى قيام دولة مستقلة في الجنوب، يجعلهم يفقدون ‘القضية' التي يبتزون الداخل والخارج بها، لعلمهم أن تسوية وضع الجنوب ولو بالانفصال لن يكون لصالحهم، لأن تاريخهم الدموي جعل مجرد ذكر اسمائهم يبعث على تذكر ماضي الدماء التي سفكوها، ناهيك عن أن حل القضية ضمن إطار اليمن الواحد سيجعلهم يتوارون عن مسرح الأحداث في اليمن الجديد. نحن إذن أمام دراجات نارية متعددة أو دراجة نارية واحدة تختلف طرق قيادتها باختلاف نظرة وفلسفة ومصلحة أصحابها. والإشكال أن الوقت يمضي، فلا هذه الدراجة وصلت إلى نهاية المشوار، ولا سائقها يستطيع التوقف قليلاً لمراجعة ‘خارطة الطريق'.
لست أدري لماذا أحس أنني بحاجة إلى قراء الحديث الشريف التالي كلما تأملت في خط سير هذه الدراجة النارية المجنونة : ‘أحكم السفينة فإن البحر عميق واستكثر الزاد فإن السفر طويل وخفف الظهر فإن العقبة كؤود وأخلص العمل فإن الناقد بصير'.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.