عبدالمحسن سلامة قصة شهيرة انتشرت في أثناء انهيار الاتحاد السوفيتي, ربما تكون حقيقية, وربما تكون عكس ذلك, إلا أن مضمون القصة له مغزي ومعني بغض النظر عن مدي حقيقة تلك الواقعة, التي تقول إن الولاياتالمتحدةالأمريكية, جندت رئيس المخابرات السوفيتية وطلبت منه مطلبا وحيدا لا ثاني له, نظرا لحساسية موقفه, ودقة موقعه, وهو أن يختار دائما أسوأ العناصر لتولي المواقع القيادية في المؤسسات والهيئات الكبري في الاتحاد السوفيتي, علي اعتبار أن الترشيحات الأمنية كانت هي الفيصل في اختيار من يشغلون تلك المواقع في الاتحاد السوفيتي المنهار, وعلي مدار عدة سنوات نفذ رئيس المخابرات مهمته بكل دقة وسهولة, فكان يتفنن في اختيار أسوأ العناصر لشغل المواقع القيادية تحت دعاوي عديدة, أهمها أهل الثقة أكثر أمانا من أهل الخبرة, وأهمل الكفاءات وأصحاب المواهب الحقيقية, فكان انهيار الدب السوفيتي العملاق وتفتيته الي عدة دول لتنتهي أسطورة القطب العالمي الثاني الي الأبد. للأسف الشديد نحن نسير علي نفس الدرب منذ سنوات طويلة, وحينما قامت ثورة يوليو2591 استطاعت مصر أن تتقدم بضع خطوات في هذا المجال, ثم تراجعت بحدة وبعد أن كان التعليم هو أداة الحراك الاجتماعي, تغير الأمر ووقعت مصر في نفس خطيئة أهل الثقة, وأصبحت الوظائف والمواقع القيادية محجوزة لمن يدينون بالولاء والثقة والقرابة والمعارف والواسطة والمحسوبية, وظل هذا الأمر مستمرا حتي بدأ الانهيار الاقتصادي والسياسي. وقامت ثورة يناير1102 وثار الشعب علي تلك الأوضاع الظالمة والقاسية, وكل أشكال الفساد والمحسوبية والتزوير وتوريث الوظائف العامة والمواقع السياسية والتنفيذية, إلا أنه للأسف الشديد لم يتغير شيء ملموس علي أرض الواقع, فالفساد كما هو, والشللية والمحسوبية أكثر ضراوة وعنفا, والمواقع القيادية يتم شغلها بنفس الأساليب, بدءا بأهل الثقة ومرورا بالشللية والمحسوبية و,الصداقة وصلة القرابة. هذا هو الواقع المرير الذي لابد من الاعتراف به, فأنصاف الكفاءات هم المتصدرون للمشهد.. هم الذين يحتلون مواقع الرئاسة في جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها وشركاتها, لأنهم جاءوا بنفس الطريقة, فلا توجد معايير واضحة عادلة وشفافة لاختيار القيادات, وانما هي معايير هلامية تطبق في الغرف المغلقة ويتم تفصيلها حسب المقاس, لاختيار من هم دون المستوي, ولا استثناء لتلك القاعدة في أية جهة أو مؤسسة, بدليل هذا الوضع المتردي والمنهار للشركات والمؤسسات. قد يرد البعض أن مصر في وضع استثنائي حاليا, وأن التعثر الحالي له أسبابه الخاصة وهو كلام حق يراد به باطل, لأن وجه الحقيقة الآخر هو الخلل في اختيار القيادات, بدليل أن الأزمة مستمرة قبل الثورة وبعدها وازدادت تعقيدا بعد الثورة, وحينما حكم الإخوان لجأوا الي نفس الطريقة من خلال الأهل والعشيرة, وبعد الإخوان تغير الأهل والعشيرة الي أهل الثقة وأصحاب المعارف والواسطات. لن يتم إنقاذ الدولة المصرية من التدمير, إلا بوضع أسس عادلة وشفافة وعملية ومنضبطة لاختيار القيادات وشغل الوظائف, بدءا من أقل وظيفة وحتي أكبر وظيفة, وأن يكون كل ذلك متاحا للجميع بعيدا عن التمييز الديني أو الجنسي أو السياسي أو العرقي أو اللوني أو الجغرافي. ما دفعني لكتابة هذا المقال ما يحدث في شركة الحديد والصلب, وما تعانيه من تعثر وخسائر بلغت أكثر من058 مليون جنيه في العام الماضي, في وقت يربح فيه أصحاب شركات الحديد الأخري المليارات, فلماذا تحدث الخسائر في الشركات العامة وحدها؟! ليس هناك سبب سوي سوء اختيار القيادات, وعدم وجود نظام للتعيينات أو شغل الوظائف في شركة الحديد والصلب وغيرها من الشركات والهيئات العامة في جميع القطاعات( الغزل والنسيج, السكك الحديدية, النقل العام, الصناعات الغذائية), وهكذا الحال في المؤسسات الأخري المملوكة للدولة سواء أكانت مؤسسات إعلامية أو صحفية أو خدمية, أو إنتاجية فكلها في الهم سواء, فلا توجد قواعد للاختيار ولا شفافية في شغل الوظائف, والشللية والواسطة والمعارف هي التي تحكم دائرة الاختيار. قامت3 ثورات منذ2591 حتي الآن والواقع كما هو, فهل هناك إصرار علي تدمير الدولة المصرية أم أن الانقاذ ممكن؟! الإجابة متروكة للمسئولين والقراء.