عاش الكاتب الإنجليزي جورج أوريل فترة من حياته مشرداً في باريس ولندن، وتخللت حياة التشرد والبطالة فترات قصيرة عمل فيها في مطاعم وفنادق باريس، وسجّل في كتاب له بعض مشاهداته وانطباعاته عنها. ورغم أن الفندق الباريسي الذي عمل به كان فاخراً، إلا أنه يصف حالهم في مطعم الفندق هكذا: «كنا نتحرك في بقعة من الماء المصوبن وأوراق الخس والورق الممزق والطعام المُداس». ولأنه لم يكن هناك حوض غسيل في المطبخ، وإنما مغطس للأواني والأطباق، ف «لم يكن غريباً أن يغسل نادلٌ وجهه في الماء المستعمل لشطف الأواني. لكن الزبائن لا يرون شيئاً من هذا». وفي مقطع آخر يشير أورويل إلى كافتيريا الفندق التي تتراكم في زواياها المظلمة أوساخ مرّ عليها عام كامل، كما أن سلة الخبز تعج بالصراصير، وحين اقترح صاحبنا على زميل له القضاء عليها، أجاب: «لماذا نقتل الحيوانات المسكينة؟»، ووصلت القذارة هناك حداً جعل زملاءه يضحكون منه لأنه أراد في إحدى المرات غسل يديه قبل أن يلمس الزبدة، التي تذهب مباشرة إلى أفواه الزبائن. ويوضّح أورويل بأنهم لم يكونوا قذرين لأنهم أرادوا ذلك، لكن لأن الواجب الأول لعمال المطبخ هو الدقة، ولا يمكن أن يكون المرء دقيقاً إلا بإعطاء أمور الدقة وقتاً طويلاً، فكانوا يخصمون الوقت المخصص لنظافة المكان ولنظافتهم الشخصية، ويضيفونها للوقت الذي تحتاجه الدقة. ولا تعتقد عزيزي الذي تملأ بطنك بأكل المطاعم، ولا أنتِ عزيزتي التي هجرتِ المطبخ ونزلت الميدان لخدمة المجتمع ورد الجميل وبقية الكلام المنمق وغير المقنع، بأن أورويل كان يبالغ في مسألة الدقة، ففي كل الأماكن هناك أولويات ينبغي الاهتمام بها قبل كل شيء. ... المزيد