باعه الطويل في حضرة صاحبة الجلالة، ومتابعته الحثيثة لتطورات أدواتها، عاملان مكنّا، رئيس التحرير المسؤول في جريدة العرب «تأسست في لندن عام 1977»، عبدالعزيز الخميس من استشراف متغيرات الواقع الصحفي في ظل اشتباكه مع العالم الرقمي، متنبئا بعدم غياب الورق عنه، بل ومؤكدا أن الصحافة الورقية ستقاوم وتعود بصورة مختلفة وأكثر حداثة. وهو يرى أنها أحسنت صنعا عندما خاضت غمار الصحافة الإلكترونية لتمنحها الرصانة وتنتشلها من الانجراف مع تيار الصحافة الصفراء الخاوية إلا من التهويل والإسفاف. والخميس يضع استمرارية الصحافة في عهدة فرادة المحتوى، بغض الطرف عن كيفية وصولها إلى القارئ. ويؤمن الخميس بأن الوقت حان لنزع فتيل التأزيم الذي لازم الخطاب الإعلامي في المرحلة السياسية الراهنة، التي تعصف بها رياح التحولات، مشددا أنه على الإعلام أن يكون منحازا وبقوة لمصلحة شعبه وأمته، وأن يلعب دوره في دعوة الجميع إلى مائدة التعايش. يفرد الخميس، الذي شغل مناصب عدة في مطبوعات يومية وشهرية، مساحة واسعة للتفصيل بشأن مصطلح الحياد، الذي يراه «غير مشروح بحيادية»، معتبرا أنه رهان صعب يضع الصحفي أمام استحقاق إفساح المجال أمام جميع الآراء للبروز بتساو، بلا ميل أو نفور من إحداها. وحول ما ينقص الإعلامي العربي، يعتقد الخميس أنه بحاجة ماسة إلى التدريب سيما وأن مستوى أساتذة كليات الإعلام في الجامعات العربية «جدا هزيل»، ما ينتج صحفيين غير مؤهلين لاقتحام العمل الصحفي بكل تداعياته واشتراطاته. «الاتحاد» التقت الخميس وأجرت معه الحوار التالي حول واقع الصحافة العربية ومستقبل صناعة أخبارها. ◆ ما توقعاتك حيال مصير الصحافة الورقية في ظل تنامي صحافة الإعلام الاجتماعي؟ ◆◆ توقع كثيرون انحسار دور الصحافة الورقية وتراجعها بسبب تطور وسائل الحصول على المعلومات والأخبار عبر الإنترنت. وساعد على ذلك تراجع أرقام التوزيع بشكل جدي. لكن ما يثير الانتباه أن التراجع لم يمس مطبوعات كثيرة بل ارتفعت أرقام توزيعها بشكل مدهش كما حدث مع «الإيكونوميست» وغيرها من المطبوعات. وهذا يجعلنا نشير إلى أن المطبوعة محتوى وتطور. وفرادة المحتوى هو الفيصل في زيادة توزيع الصحف أو تراجعها. في عالمنا العربي لا غرابة أن تتراجع أرقام التوزيع؛ فالعلاقة بين القارئ والجريدة ليست وثيقة بشكل يعد انتماء لا فكاك منه. فالصحيفة في الغرب تمثل تيارا قد يكون سياسيا أو فكريا أو اجتماعيا بل واقتصاديا. ونحن ليس لدينا صحف تمثل تيارات سوى تيار السلطة، وإن مثلت المعارضة فلا فرق في المحتوى، كل يمجد في صاحبه. بينما الصحف الغربية لا تنقاد بسهولة لرغبات ملاكها بل يمارس إعلاميّوها النقد الإيجابي والمتحرر من التبعية العمياء، لكنه يظل متمسكا بالخطوط العليا التي تصوغ علاقته ليس فقط مع الملاك، بل أيضا مع احترام عقل القارئ، ولعب دور المحفز لصوغ ما يسمى بالرأي العام. ... المزيد