سألتني زميلة أثناء مشاركتنا في منتدى الحوار الثقافي الذي نظمته جمعية التاريخ والآثار في عدن بتاريخ 20 ديسمبر الخميس الفائت ، عن سبب قولي في مداخلتي أن الدكتورة أسمهان العلس الأمين العام للجمعية لا تنتظر الشكر من أحدٍ وهي تناضل من أجل الحفاظ على الموروث الثقافي لعدن ؟ ابتسمت للزميلة التي يبدو بأنها لم تعِ ما قصدته في عبارتي تلك ؛ فشرحت لها القصد بالتفصيل. الدكتورة أسمهان العلس ، ليست كأية ناشطة اجتماعية أو سياسية ، فهي امرأة من ذاك الزمن الذي كانت فيه النساء في مدينة عدن يخرجن في مقدمة صفوف المظاهرات الجماهيرية ، يحملن أرواحهن على أكتافهن وهن رافعات الشعارات الثورية المطالبة بخروج المحتل البريطاني من أرض الأحرار . والمناضلة أسمهان العلس ، كغيرها من بعض بنات جيلها ، كانت في إحدى الخلايا السرية للجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل (NLF) ، أي أنها كانت في ريادة النضال السياسي منذ ريعان شبابها. هذه المرأة ، المناضلة ، لا تنتظر من يقول لها شكراً جزيلاً على عطائك ، لأنها ابنة عدن التي استماتت من أجلها في الماضي ووهبت حياتها من أجلها ومن أجل الأجيال اللاحقة ، واليوم يعتصر قلبها ألماً وهي ترى ما نراه من جرائم تُرتكب في حق مدينتها ، فهل تنتظر الشكر أم تنتظر من يؤازرها في نضالها الدؤوب ضد محاولة طمس هوية عدن من خلال نهب الآثار وهدم المباني والمعالم التاريخية ، والعبث بالموروث الثقافي المتميز بتنوع الثقافات الحضارية التي عاشت في حضن عدن قروناً عديدة ؟ الدكتورة أسمهان لا تنتظر جزاءً ولا شكوراً من أحد ، ولا حتى من مدينتها ؛ فهي تعمل لوجه الله بصمت ، منذ عقود من أجل عدن ، كمناضلة وطنية وسياسية ، وكتربوية في مدارسها ثم أستاذة أكاديمية في جامعتها . وما جاء تأسيسها لجمعية التاريخ والآثار قبل سنوات مضت ، إلا لكي تدفع عن عدن الأذى ، هي ورفاقها في الجمعية ، بعد أن بدأت أيادٍ باللعب جهراً في وضح النهار، وسراً خلف ظهور متنفذين ، باسم الاستثمار وغيرها من التسميات الواهية ، بعد حرب صيف 1994م ، وجعل عدن أسيرة للنهب والسلب ، كغنيمة حرب ، وتجريع أبنائها الشرفاء العلقم ، من خلال التهميش وإقصاء البعض من وظائفهم القيادية في المرافق الحكومية وغير ذلك من التفنن في التعذيب النفسي . أعلم أن ما كتبته أعلاه سيغضب الدكتورة أسمهان العلس ، لأنها من الذين لا ينتظرون مدحاً من أحد ، علماً بأن ما ذكرته ليس مدحاً ، بل هي الحقيقة التي لا رئاء فيها ، وهي بذاتها تقول أن ما تقدمه لعدن سوى نقطة في بحر عطاءات الآخرين المحبين والعاشقين لهذه المدينة العريقة ؛ فيا له من تواضع لهذه الإنسانة التي لو تعلمون أنها كثيراً ما تنسي نفسها وهي تعمل دون كلل أو ملل من أجل عدن . الله يكون في عون هذه السيدة وفي عون كل محبي عدن ، فشمروا عن سواعدكم وهموا للدفاع عن عدن ، وإلا سيأتي يومٌ لن تكون لمدينتنا ذاكرة ، لترى الأجيال اللاحقة من خلالها الحضارات الإنسانية التي تعاقبت على ترابها . إن مقترح جمعية التاريخ والآثار بتشكيل شبكة من منظمات المجتمع المدني المختلفة في عدن ، لهو الحل الأمثل للعمل سريعاً ، ودون إبطاء، من أجل الدفاع عن الموروث الثقافي لعدن وللحفاظ عليه من العبث والضياع والاندثار ، ولإنقاذ ما تبقى من معالم تاريخية وثقافية ودينية يتم حالياً التآمر عليها لدكها ودفنها تحت أنقاضها. عدن تستغيث من اجل إنقاذ ذاكرتها . أعلم بأن المدينة تمور تحت هدير الهبة الشعبية المباركة ، فلتكن أيضاً الهبة من أجل حماية المدينة من الاندثار ، وإلا .. لا عشنا ولا شفنا . والله من وراء القصد .