الشارقة - محمد أبو عرب: أجمع المشاركون في الندوة الثانية للمؤتمر العام لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أن بعض الدول استغلت التراث الإماراتي وسرقته، مشيرين إلى أن الجهود الرسمية والأهلية المتمثلة في مراكز ومؤسسات حفظ التراث، تحتاج إلى المزيد من التفعيل . وأكدت الندوة التي عقدت مساء أمس الأول في فندق كوبثورن في الشارقة، بمشاركة الباحث ناصر العبودي، والإعلامية عائشة سلطان، ود . حمد بن صراي، أن الجاليات الوافدة في الدولة تؤكد قوة تراثها عبر تمسكها به، فيما يبتعد بعض الإماراتيين عن تراثهم . اعتبرت الندوة التي أدارها الشاعر محمد البريكي، أن الإرادة السياسية المتمثلة في المؤسسين والقائمين على الدولة، تنبهت مبكراً لأهمية حفظ التراث ورعايته، مشيرين إلى مقولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في سبعينات القرن الماضي: "لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحق لنا أن نفخر به ونحافظ عليه ونطوره ليبقى ذخراً لهذا الوطن وللأجيال القادمة" . واستهلت الندوة بورقة قدمها د . صراي حول مفهوم توثيق التراث وجهود الإمارات في ذلك، وقال: "إن التوثيق يعتبر وفق الدارسين والباحثين هو تسجيل المعلومات حسب طرق علمية متفق عليها، وهو علم من علوم التاريخ" مشيراً إلى أن ضرورة حفظ التراث تتمثل في أنه الوعاء الذي يحدد الهوية، ويقدم الحماية للمجتمع، ويحفظ المكونات المادية، والمباني التاريخية، والتراثية" . وبين أن الإشكاليات التي تواجه الإمارات في ما يتعلق بالتراث، هي: أن الإمارات تواجه تغيراً في التركيبة السكانية أوجد نوعاً من الخلل في البنية الاجتماعية، وقلة الدراسات التي تناقش وتبحث في التراث الإماراتي، وغياب التوثيق العلمي وانحساره ببعض الجهود الفردية . وبعد أن قدم عرضاً لرواد البحث في التراث الإماراتي، والمؤسسات والمراكز القائمة عليه، توقف عند دور التربية والتعليم في إعادة الحياة للتراث الإماراتي وحمايته من الاندثار، وقال: "رغم أن الإرادة السياسية كانت منذ وقت مبكر متنبهة لأهمية التراث، إلا أنه في عام 2010 جاءت الأصوات تنادي بوضع التراث في مناهج التدريس في الدولة، ونفذ القرار هذا العام، أي بعد مضي أكثر من أربعين عاماً على الجهود والمطالبات الأولى الواعية" . وسلطت الإعلامية عائشة سلطان الضوء على دور الإعلام وأهميته في حفظ التراث، وقدمت عدداً من الشواهد والقصص التي تؤكد غياب الإعلام عن هذا الجانب وقصوره، وقالت: "تكرس في أذهان المجتمعات أن المؤسسات الإعلامية مؤسسات تجارية، فيما هي مؤسسات تحمل مسؤولية توعوية توجيهية، وتتحمل دوراً كبيراً في بناء وصناعة المجتمعات" لافتة إلى أن هذا الدور لا يقوم به الإعلام فعلياً، بل على العكس يسهم أحياناً في تشويه وتخريب الوعي . وأوضحت أن الإعلام في ما يتعلق بدوره في حفظ التراث يظهر قاصراً، مشيرة إلى أنه عبر تجربتها في الإعلام تابعت أحد البرامج الذي يقدم المأكولات الشعبية في العالم، وكان يبث على قناة إماراتية، ووجدت أن البرنامج لم يقدم حلقة واحدة عن المطبخ الإماراتي في الوقت الذي قدم فيه معظم مطابخ العالم وما فيها من مأكولات شعبية . وأشارت عائشة سلطان إلى أن الأجيال المقبلة إذا بقي الحال على ما هو عليه ستفقد هويتها أكثر مما هي عليه اليوم، إذ يقدم التراث بصيغته المتحفية، ولا يدخل في نسيج المجتمع كمفردة ينبغي الحفاظ عليها، لافتة إلى أن ذلك لا يعني العودة إلى الوراء ورفض المدنية والمعاصرة، بل إن ذلك يعني أن التراث قابل للتجديد والتغيير بما يتواكب مع متغيرات العصر . وتنبه ناصر العبودي إلى خطر استغلال التراث الإماراتي بصورة خاصة والعربي بشكل عام، مقدماً نموذج الصين كواحدة من الدول التي استغلت التراث الخليجي والعربي بأشكال كثيرة، وقال: "عندما تقوم الصين بصناعة الأثواب التراثية، والمستلزمات التراثية، وتبيعها للمجتمع الإماراتي، فإنها بذلك تستغل تراثه، وذلك قبل أن يشوه التراث على المدى البعيد ويخلق نوعاً من البطالة في الأيدي العاملة التي تمتهن الحرف التراثية" . وأكد أن اليونسكو قدمت للإمارات حلولاً لحفظ تراثها من الاستغلال والنهب، عبر تسجيل مفردات التراث دولياً، وبالتالي يصبح كل من يوظفه تحت طائلة المسؤولية ويحق للدولة مقاضاته، مستشهداً بحداثة المغني العالمي مايكل جاكسون حين وظّف لحناً من تراث إحدى دول أمريكا اللاتينية في أغانيه، واعترضت الدولة وقدمته للمحاكمة . وقدم العبودي سلطنة عُمان كنموذج عربي متطور في حفظ التراث، وقال: "أوجدت عُمان منذ زمن مبكر وزارة لحفظ التراث، وحددت عمراً معيناً لما يمكن أن يطلق عليه تراث، وتقوم بشكل دوري بترميم المباني والمعمار العماني القديم"، مشيراً إلى أن الإمارات فقدت الكثير من التراث المادي لها، والمباني، ولم يبق منها إلا القليل . واختتم مشاركته بتأكيد ضرورة أن تقف الجهود كاملة على صعيد الدولة لحفظ التراث الإماراتي من الاندثار تماماً، وألا تكتفي المؤسسات بوضع حفظ التراث كعبارة بين أهدافها دون أن تقوم بشيء فعلي على أرض الواقع .