في معظم متاجر تطبيقات الهواتف الذكية تحتل التطبيقات المجانية المرتبة الأولى من حيث الشعبية، وبينما لا يدفع المستخدمون أي مبالغ مالية نظير الحصول عليها، يدفعون في أحيانٍ كثيرة من بياناتهم الشخصية التي تباع إلى طرف ثالث، كجهات التسويق والإعلان، كما يدفعون باضطرارهم إلى مشاهدة شاشاتهم مزدحمة بالإعلانات. وتكررت إشارة تقارير إخبارية إلى رضا المستهلكين، أو أغلبهم، بهذا الأمر، وهو ما يعني بدرجة أو بأخرى عدم اكتراثهم لحماية خصوصية معلوماتهم الشخصية، وهو ما يراه الباحثان الاقتصاديان في جامعة «كولورادو» في مدينة بولدر الأميركية، سكوت جي. سافاج، ودونالد إم. والدمان، أنه لا يستند إلى بيانات. وأظهرت نتائج دارسة أجراها الباحثان أن جانباً من المستهلكين قد سئم الآثار الخفية المترتبة على التطبيقات المجانية، وأنهم على استعداد لدفع رسوم بسيطة للحصول على التطبيقات، مقابل الحفاظ على خصوصية معلوماتهم وحجب الإعلانات. ويعتقد الباحثان أن دراستهما هي الأولى التي تقيس القيمة النقدية التي يضعها مستخدمو الهواتف الذكية لخصوصيتهم، وتوصلت الدراسة لهذه القيمة من خلال قياس مدى استعداد المستهلكين لدفع مبالغ مالية لقاء حماية وإخفاء خمسة جوانب مختلفة للخصوصية الرقمية، في حين ركزت أبحاث سابقة على دراسة الخصوصية من ناحية علوم الحاسب وليس الاقتصاد. اعتمدت الدراسة على استطلاع رأي 1726 شخصاً من مستخدمي الهواتف الذكية ينتمون إلى سبع مدن أميركية، قُدمت لهم ستة تطبيقات أحدها مجاني ومتوافر بالفعل في متجريّ «آي تونز» و«غوغل بلاي»، بالإضافة إلى خمسة تطبيقات تؤدي مهام التطبيق المجاني نفسها، لكنها تُوفر مستويات مختلفة لحماية الخصوصية وحجب الإعلانات؛ فبعضها يحمي الموقع الجغرافي، وجهات الاتصال، والرقم المميز للهاتف، والرسائل النصية، وتاريخ تصفح الإنترنت، كما تفاوتت التطبيقات من حيث سعرها. وأظهرت نتائج الدراسة، التي جاءت بعنوان «قيمة الخصوصية على الإنترنت»، استعداد المستهلكين المشاركين لإنفاق قليل من المال نظير الحفاظ على خصوصية بياناتهم، وتفاوت المبلغ بحسب طبيعة البيانات المٌعرضة للخطر، فبالنسبة للمستهلكين العاديين تبين استعدادهم لإنفاق 2.28 دولار نظير الحصول على تطبيق لا يصل إلى بيانات تصفحهم للإنترنت، وكذلك 4.05 دولارات مقابل تطبيق لا يمتلك صلاحية الدخول لجهات الاتصال الخاصة بهم، و1.19 دولار لتطبيق لا يتتبع موقعهم الجغرافي، كما أبدى المستخدمون استعدادهم لدفع 1.75 دولار نظير الحصول على تطبيق لا يحصل على رقم الهاتف الخاص بهم، و3.58 دولار لمنع التطبيق من الوصول إلى محتوى رسائلهم النصية القصيرة. وفي ما يتعلق بالمستهلكين الأكثر خبرة، أي الذين يستخدمون هواتفهم الذكية باستمرار ولأغراضٍ مختلفة، فأبدوا استعداداً لدفع قدر أكبر من المال مقابل إخفاء قوائم الاتصال ورسائلهم النصية، في حين كان المستخدمون الشباب أقل قبولاً لدفع المال لحماية الفئات الخمس للخصوصية الرقمية التي شملتها الدراسة. كما تبين من النتائج استعداد المستهلكين بفئاتهم المختلفة لدفع 2.12 دولار نظير الحصول على تطبيق لا يعرض أي إعلانات. وبطبيعة الحال تحصل تطبيقات الهواتف الذكية على أذون بالوصول إلى معلومات المستخدم، بعضها ضروري لأداء مهامها، مثل وصول تطبيق يعرض حالة الطقس إلى الموقع الجغرافي، ما يمكنه من عرض درجات الحرارة وغيرها بحسب مكان وجود المستخدم. كما حلل الباحثان عينة من التطبيقات المتاحة لنظام تشغيل «أندرويد»، وشملت ما يزيد على 15 ألف تطبيق، وتبين أن التطبيق في المتوسط يعرض إعلانات، كما يمتلك صلاحية الوصول إلى الموقع الجغرافي للمستخدم ورقم هاتفه. واستناداً إلى ذلك، ذهب الباحثان، سافاج ووالدمان، إلى أن الإصدارات المدفوعة من مثل هذه التطبيقات يمكن أن تتلقى مبلغاً يراوح بين 4.74 و5.06 دولارات نظير كل تحميل، وهو ما يزيد على مكاسب أغلب التطبيقات المجانية الحالية. واستخدم الباحثان رقم الخمسة دولارات لإجراء حساب تقريبي لمكاسب التطبيقات، وبالنظر إلى أن استخدام الشخص في المتوسط 23 تطبيقاً، وإلى عدد مستخدمي الهواتف الذكية في الولاياتالمتحدة، توصل الباحثان إلى وصول الإنفاق على التطبيقات إلى ما يراوح بين 16 و17 مليار دولار خلال عام 2013 كحد أدنى. وكان من بين النتائج اللافتة للدراسة أنه في حال إطلاع المستخدمين بوضوح على الأذون التي تحصل عليها تطبيقات الهاتف، وكيفية استخدامها لمعلوماتهم الشخصية، حينها يتفهمون خياراتهم حول الخصوصية، ما يشير إلى أن الإعلان الكامل عن كيفية استغلال التطبيقات للبيانات الشخصية، كما هي الحال في البيانات المنشورة على الأطعمة، يفيد كل من مطوري التطبيقات والمستهلكين، وهي طريقة أفضل من أي تنظيم أو تدخل حكومي في السوق. وربما يمكن للمطورين تقديم إصدارات مختلفة من التطبيقات تُوفر درجات مختلفة لحماية الخصوصية وعرض الإعلانات، وبأسعار مختلفة، ما يلائم تباين تفضيلات المستهلكين، فعلى سبيل المثال يُمكن لمستخدم يُعلي من قيمة خصوصيته أن يشتري تطبيقاً أغلى ثمناً مقابل حماية معلوماته. وتبقى أسئلة حول إذا كانت مثل هذه النتائج ستنطبق على الواقع وفي مختلف الأسواق، وما إذا كان المستخدمون لا يهتمون عند البحث بما إذا كان التطبيق مجانياً أو مدفوعاً، وما إذا كانت معدلات تحميل التطبيقات ستتأثر في حال انفتاح الشركات والمطورين في الحديث عن استخدامهم للبيانات، وإن كان هذا الكشف سيُسهِم بالفعل في زيادة الإقبال على التطبيقات المدفوعة.