القاهرة - "الخليج": يعول الناقد الدكتور رمضان بسطاويسي كثيراً على النقد الثقافي، باعتباره مخرجاً من الأزمة الراهنة، وهو أحد الذين دخلوا مجال النقد من زاوية علم الجمال، حيث أصدر كتب عدة منها "الحرية والإبداع" و"الخطاب الثقافي للإبداع" و"جماليات الفنون" و"دراسات في علم الجمال"، ويؤكد بسطاويسي في هذا الحوار أن أقسام النقد في الجامعات المصرية منعزلة عن المجتمع وتغييراته المتلاحقة . كيف ترى حال النقد الأدبي في اللحظة الراهنة؟ النقد مرتبط بالوضع السياسي والاجتماعي، ونحن الآن في حالة سيولة سياسية، وهذا يؤثر سلباً في النقد الأدبي، فالناقد يعايش الأحداث ويتأثر بها، والنقد تجربة حوار مع النص وليس تقييمه، ونحن الآن أمام نص اجتماعي مفتوح على أفق متسع من التغيير والتحول الدائم، وليس هناك أفق ثقافي مطروح، يمكن أن يشارك فيه الناقد بأدواته، وأظن أنه مع الاستقرار المأمول ستتغير الأوضاع كثيراً . لكن البعض يتحدث عن تراجع دور النقد؟ النقد بمفهومه العام هو قراءة النصوص الموجودة في الحياة، لكن عندنا إشكالية في مصر، وهي إعادة إنتاج الأخبار التي تحدث في الفضائيات، وليس هناك متابعة لإنتاج المطابع، رغم أن ذلك موجود في دول المغرب العربي وفي أوروبا في جميع المجالات، في العلوم السياسية والاجتماعية والثقافية، فإحدى المشكلات التي نعانيها نحن المثقفين، هي عدم تسليط الضوء الكافي على المنجز الفكري والإبداعي، عندنا لوازم تكرارية لما يحدث، من دون نظرة نقدية حقيقية لما يقدم في الإعلام . أنت أحد المتخصصين في علم جمال الأدب، لماذا لم ينتشر هذا النوع من النقد في حياتنا الثقافية؟ توجد أسماء مهمة في هذا الصدد مثل د .سعيد توفيق ود .شاكر عبد الحميد ود .رمضان الصباغ وغيرهم، المسألة تتعلق بالحوار السياسي والاجتماعي وضرورة إفساح المجال للنقد الثقافي، الذي يكاد يكون غائباً، المسألة مرتبطة بالتوجه الإعلامي، وللأسف هذا الاهتمام غير موجود عندنا، هو موجود في الدراسات الأكاديمية في جامعتي عين شمس والقاهرة على وجه التحديد . لماذا تعطي النقد الثقافي هذه الأهمية؟ حين ينشغل الناقد بالممارسات الإنسانية، يقرأ الأنساق الأدبية والثقافية للنص الأدبي بشكل يجعله قادراً على سبر أغواره، أحيانا نجد كاتباً تقدمياً لكنه يكتب نصاً رجعياً، النقد الثقافي يبرز خلفيات الكتابة الإبداعية والفكرية . كل نص أدبي أو فني يقدم رؤية ثقافية للواقع، ويقدم أيضا نظرة للعالم، ولذلك هناك رؤى ثقافية متعددة، نتيجة لتعدد الرؤى للواقع، فالنصوص الأدبية يكمل بعضها بعضاً في كشف المسكوت عنه في الواقع المعيش، وينبغي ألا يكون هناك إقصاء لأي رؤية للواقع أو محو لأي ممارسة أدبية أو فنية، وقد حاولت عبر الكتابة النقدية الكشف عن الخطاب الثقافي للإبداع من خلال تحليل النصوص الأدبية من منظور النقد الثقافي . ما الصعوبات التي يمكن أن تواجهنا في هذا الإطار؟ أعتقد انه يوجد كثير من الصعوبات التي تواجهنا يومياً، التي قد ترجع إلى طريقة قراءتنا للحياة اليومية، ذلك لأننا في الأغلب لا نقرأ الحياة ولكن نقرأ تصوراتنا عنها، لأن ذواتنا جزء من الموضوع الذي نقرؤه، وقد تنبه فرويد لذلك فكتب "علم نفس الحياة اليومية"، وكتب عالم الاجتماع هنري لوفيفر كتاباً من ثلاثة أجزاء عن "نقد الحياة اليومية" . ويعد الأدب العربي نموذجاً رائداً للكشف عن الجوانب الخفية من الحياة اليومية فهو يضعها في بؤرة الوعي، بل إن تاريخ الشعر العربي تكمن أهميته في رصد الحياة اليومية وصورها، فمن أجل مقاومة ضغوط الحياة اليومية، علينا كثيراً أن نرتدي القناع، والحياة اليومية تلتقي مع المسرح إلى حد بعيد في الدراما، وهنا تزداد أهمية النقد القادر على إزاحة الأقنعة وكشف الحجب، حتى يتسنى لنا معرفة وقائع الحياة اليومية وبناؤها علمياً . هل يؤثر هذا في مستقبل الكتابة؟ مستقبل الكتابة أصبح مرتبطاً بنوع الحياة التي يحياها الإنسان، ولعل تأمل أشكال الكتابة يبين لنا العلاقة المتبادلة بين أشكال الأدب والسمات الثقافية والروحية السائدة، ولذلك تعرض فن القص في العقود الأخيرة إلى عملية تغيير، حولته من فن بسيط إلى فن يستوعب أدق الخبرات الإنسانية .