اليوم.. أوروبا تكشف عن آخر المتأهلين إلى المونديال    مساء اليوم.. المنتخب الوطني الأول يواجه بوتان في التصفيات الآسيوية    كرواتيا تؤكد التأهل بالفوز السابع.. والتشيك تقسو على جبل طارق    اتفاق "تاريخي" بين زيلينسكي وماكرون لشراء 100 طائرة رافال    صفقة إف 35 للسعودية .. التذكير بصفقة "أواكس معصوبة العينين"    عاجل.. مقاوم يمني ضد الحوثي يعيش على بُعد 600 كيلومتر يتعرض لانفجار عبوة في تريم    صحيفة دولية: التوتر في حضرموت ينعكس خلافا داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني    العراق يواجه الإمارات بالأرض والجمهور    5 متهمين في واقعة القتل وإطلاق النار على منزل الحجاجي بصنعاء    حجز قضية سفاح الفليحي للنطق في الحكم    مركز أبحاث الدم يحذر من كارثة    وصاية دولية على غزة تخدم أهداف الاحتلال..أبرز بنود الاتفاق    بلومبيرغ: تأخر مد كابلات الإنترنت عبر البحر الأحمر نتيجة التهديدات الأمنية والتوترات السياسية (ترجمة خاصة)    رئيس مجلس القيادة يعود الى العاصمة المؤقتة عدن    ضبط قارب تهريب محمّل بكميات كبيرة من المخدرات قبالة سواحل لحج    37وفاة و203 إصابات بحوادث سير خلال الأسبوعين الماضيين    نجاة قائد مقاومة الجوف من محاولة اغتيال في حضرموت    الهجرة الدولية: استمرار النزوح الداخلي في اليمن وأكثر من 50 أسرة نزحت خلال أسبوع من 4 محافظات    قراءة تحليلية لنص "عدول عن الانتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    المقالح: بعض المؤمنين في صنعاء لم يستوعبوا بعد تغيّر السياسة الإيرانية تجاه محيطها العربي    بيان توضيحي صادر عن المحامي رالف شربل الوكيل القانوني للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشأن التسريب غير القانوني لمستندات محكمة التحكيم الرياضية (كاس)    إضراب شامل لتجار الملابس في صنعاء    وزارة الشؤون الاجتماعية تدشّن الخطة الوطنية لحماية الطفل 2026–2029    جبايات حوثية جديدة تشعل موجة غلاء واسعة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي    المنتخب الأولمبي يتوجه للقاهرة لإقامة معسكر خارجي استعدادا لبطولة كأس الخليج    الحكومة تشيد بيقظة الأجهزة الأمنية في مأرب وتؤكد أنها خط الدفاع الوطني الأول    منتخب مصر الثاني يتعادل ودياً مع الجزائر    نقابة الصرافين الجنوبيين تطالب البنك الدولي بالتدخل لإصلاح البنك المركزي بعدن    الأحزاب المناهضة للعدوان تُدين قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات على اليمن    دفعتان من الدعم السعودي تدخلان حسابات المركزي بعدن    مقتل حارس ملعب الكبسي في إب    الكثيري يطّلع على أوضاع جامعة الأحقاف وتخصصاتها الأكاديمية    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    محور تعز يتمرد على الدستور ورئيس الوزراء يصدر اوامره بالتحقيق؟!    الجزائية تستكمل محاكمة شبكة التجسس وتعلن موعد النطق بالحكم    القائم بأعمال رئيس الوزراء يتفقد عدداً من المشاريع في أمانة العاصمة    انخفاض نسبة الدين الخارجي لروسيا إلى مستوى قياسي    تدهور صحة رئيس جمعية الأقصى في سجون المليشيا ومطالبات بسرعة إنقاذه    تكريم الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب في دورتها ال14 بلندن    ماذا بعد بيان اللواء فرج البحسني؟    المرشحين لجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2025    وادي زبيد: الشريان الحيوي ومنارة الأوقاف (4)    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    نوهت بالإنجازات النوعية للأجهزة الأمنية... رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    الماجستير للباحث النعماني من كلية التجارة بجامعة المستقبل    مدير المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه ل " 26 سبتمبر " : التداعيات التي فرضها العدوان أثرت بشكل مباشر على خدمات المركز    الدكتور بشير بادة ل " 26 سبتمبر ": الاستخدام الخاطئ للمضاد الحيوي يُضعف المناعة ويسبب مقاومة بكتيرية    قراءة تحليلية لنص "محاولة انتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    التأمل.. قراءة اللامرئي واقتراب من المعنى    مدير فرع هيئة المواصفات وضبط الجودة في محافظة ذمار ل 26 سبتمبر : نخوض معركة حقيقية ضد السلع المهربة والبضائع المقلدة والمغشوشة    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة المنورة تتجاوز نمطية العواصم الثقافية
نشر في الجنوب ميديا يوم 07 - 01 - 2014

مرت على المملكة العربية السعودية خلال العقد الأخير مناسبتين كبريين تمثلتا في اختيار منطقتين من مناطق المملكة لتكونا عاصمتين للثقافة الإسلامية خلال عام معين، حيث وقع الاختيار الأول على مكة المكرمة لتكون المحطة الأولى لانطلاقة هذه الفعالية، أما الاختيار الثاني فقد حظيت به المدينة المنورة لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية خلال العام 1434ه - 2013م، وانطلقت المناسبة قبل أكثر من عشرة أشهر شهدت خلالها العديد من البرامج والأنشطة المختلفة والمتنوعة وعكس ذلك الدور الذي قدمه القائمون على هذا البرنامج ليكون علامة في المشهد الثقافي خلال هذا العام.. وبالنظر إلى واقع هذه الاحتفالية التي يقارب عمرها العام بالمدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية 2013م، تظهر العديد من الأسئلة والعديد من الاستفسارات والعديد من المحاور التي تصب في صالح هذه الاحتفالية وماذا قدمت من خلالها من برامج وأنشطة كان غرضها الأساسي التعريف بالمكان وثقافته وثقافة البيئة المحلية المحيطة بها وتستطيع من خلال ذلك كله المساهمة في الحركة الثقافية السعودية والعربية والإسلامية.. وكيف ينظر المثقفون لفكرة العواصم الثقافية وعلى أي صورة يجب أن تكون مستقبلًا.. العديد من الرؤى طي هذا التحقيق..
مشروع حضاري
حول فكرة العواصم الثقافية يقول الأمين العام لمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسسكو عبدالعزيز بن عثمان التويجري: أن هذا البرنامج يندرج في نطاق العمل الكبير الذي تنهض به الإيسيسكو، على الصعيد الإسلامي العام، وعلى الصعيد الدولي أيضًا، لتجديد البناء الحضاري للعالم الإسلامي من جهة، ولتقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع من جهة أخرى، وذلك من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة التي منها استمدت النهضة الأوروبية أنوارها، وعلى أساسها قامت الحضارة الإنسانية المعاصرة على اختلاف مشاربها. وهو الأمر الذي يساهم إلى حد كبير، في تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، وفي إشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب، في هذه المرحلة العصيبة التي يمرّ بها عالمنا اليوم، والتي تستدعي من المجتمع الدولي تضافرَ الجهود جميعًا، وعلى شتى المستويات، من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمّة من جراء هيمنة روح الأثرة والأنانية والعداوة والشحناء وحب السيطرة على مقدرات الشعوب وإحكام القبضة على السياسة الدولية لخدمة مصالح القوى العظمى.
مضيفًا: أن الاحتفال بعواصم الثقافة الإسلامية كل سنة، هو تعبير وافي الدلالة عن الاهتمام الذي توليه الإيسيسكو والدول المعنية كافة، للعمل الثقافي على تعدّد مجالاته وتنوّع مناحيه، باعتبار أن الثقافة في مفهومها العام ومدلولها الشامل، هي حجر الزاوية في البناء الحضاري للأمم، وهي القاعدة المتينة للإقلاع الاقتصادي، وللازدهار الاجتماعي وللتنمية الشاملة المستدامة.
مؤكدًا أن هذا البرنامج الحضاري الإنساني يفتح أمامنا المجال واسعًا للتعريف بعطاءات الحضارة الإسلامية، ولإبراز خصوصيات الثقافة الإسلامية المبدعة التي تلاقحت فيها الثقافات الإنسانية جميعًا، والتي شارك في إبداعها المسلمون على اختلاف أعراقهم مع غيرهم من أتباع الأديان السماوية وغير السماوية وأهل الملل والنحل والعقائد والمذاهب المختلفة الذين عاشوا في قلب المجتمعات الإسلامية، وكانوا من بناة الحضارة الإسلامية ومن صناع الثقافة الإسلامية. مبينًا أهمية التأكيد على هذه المعاني وإبراز هذه القيم للردّ على الدعاوى المغرضة التي تتهمنا بالانغلاق وبالعنصرية، وبالتخلف والتراجع الحضاري، وتصف الثقافة الإسلامية ظلمًا وعدوانًا بأنها ثقافة الإرهاب والتطرف، بينما هي ثقافة تسامح واعتدال ووسطية واحترام للكرامة الإنسانية، وثقافة إيمان وعمل يهدفان إلى ما فيه الخير والصلاح للناس أجمعين. مواسم كاسدة
ويشير الدكتور معجب الزهراني داخل في ذات السياق إلى أن التقليد المتبع في اختيار بعض المدن العربية كعواصم للثقافة، يعتبر تقليدًا جيدًا ونبع من أفكار بلا شك تعرف معنى الثقافة ومفهومها الشامل، فالثقافة ليست ترفًا قد يفعّل وقد يهمّش حسب الحاجة، وليست توابل بلا طعم ترمى على طبخات بلا طعم، أو مجرد زينة لدى الشعوب ترتدى في بعض المناسبات. فهي ضرورة وضرورة ملحة تمامًا كالتعليم وبعض الضروريات الأخرى.
ويتابع الزهراني حديثه مضيفًا: خلال متابعتي للصعيد الثقافي لدى بعض المدن التي تم اصطفاؤها في الأعوام الماضية، وجدت مدنا تتزين بحلل جديدة، إعلامًا مرئيًا ومسموعًا يؤكد على أن هذه المدينة عاصمة للثقافة العربية أو الإسلامية، وكانت ثمة ندوات شعرية هنا وهناك.. ومسرحًا ورقصات وبعض الزخارف وثمة ضيوف حضروا وأقاموا وتنزهوا أو تسوقوا وغادروا على عجل، لكن هل انتهى دور المدينة عند هذا الحد؟
ويواصل الزهراني حديثه، بقوله: حتى الآن وبرغم استمرار هذا التقليد، إلا أن مسألة العاصمة الثقافية تظل مجرد خطوات تحوم حول الثقافة دون أن تطرق على بابها، فليس الأمر مجرد ندوات قليلة عدد الحضور، ليس مسرحيات مكررة ولا تأكيد إعلامي يتكرر في كل ساعة، وما دامت المدينة قد تم اصطفاؤها كما ذكرت، وما دامت قد تزينت لاستقبال ذلك الحدث فلابد إذن من وعي أكبر بالدور الذي رسم لها، أي لابد من تدريب المدينة على استقبال الحدث. وإذا توغلنا أكثر في دور الثقافة والمثقفين نجد أن الحصاد كان ضئيلا للأسف، فقد رأينا في بعض هذه المناسبات ذلك الحشد من اللجان والأموال التي ستنفق وحين بدأ الحدث بالفعل، فوجئنا بعاصمة لم يتم إعدادها جيدا وفوجئنا بحصاد أشبه بحصادات عادية في مواسم كاسدة، وحتى تلك الكتب التي تمت طباعتها، كانت في معظمها خاضعة للمعرفة والمجاملات ولم يتم استدعاء مثقفين مقتدرين للإدلاء بدلوهم في هذا الحدث. هذه السلبيات لم تطل عاصمة بعينها وإنما طالت كل العواصم التي سبقتها، ولعل ما لا تعرفه تلك العواصم عند اختيارها هو كيف تستغل هذا الاختيار ففي مثل تلك المهرجانات يمكن أن تخلق أجيالًا جديدة ذات وعي تأخذ من الأجيال السابقة وتعطيها، ويمكن أن تكتشف مواهب مبدعة في الشعر والرواية والفنون، ويمكن أن يحارب أي فكر متطرف ويمكن أن تطرح دعاوى السلام والحب سلسة تنساب إلى عقول من يحضرون تلك الفعاليات.
ويختم الزهراني حديثه بقوله: إن المدن تكرم بالفعل حين تختار لتلك المهمات، لكن ما ننتظره بشوق هو أن يكون دور تلك المدن أكبر بكثير مما شاهدناه حتى الآن.
على مدار العام
وأكد عميد كلية الآداب بجامعة طيبة الدكتور سليمان الرحيلي أن اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية كان فرصة ثمينة ومواتية لكل مؤسساتها لتعزيز تلك المكانة التي تحظى بها المدينة وإعادة وهجها الثقافي والحضاري الخالد في مكانين هما التاريخ وقلوب المسلمين التي تزيد على المليار من البشر، وإشاعة ثقافة هذا المفهوم من قبل الجامعات وقطاعات التعليم مما كان له دور فاعل وواعٍ في هذا المجال، من خلال ما تابعناه من مجموعة المؤتمرات والندوات والمحاضرات العلمية التي توزعت طيلة العام الثقافي للمدينة.
عائق الإمكانات
كذلك امتدح الدكتور عبدالوهاب الحكمي الفعاليات الثقافية التي تقام في مختلف العواصم العربية والإسلامية وضرب في ذلك مثالًا سابقًا وهو اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية وهي بلا شك عاصمة أبدية لها نظرًا لما تمثله من ثقل ديني كبير يتمثل في وجود الحرم المكي الشريف بها كما أنها قبلة المسلمين من كل حدب وصوب ومهوى أفئدتهم وهي منبع الرسالة المحمدية الخالدة التي أنارت وأضاءت العالم بنور الهدى فقد اشتملت الاحتفالات في ذلك الوقت على مناشط عديدة في عدد من الجهات، حيث أقيمت المحاضرات والندوات وطبعت الكتب والمؤلفات وكان الاحتفال بحجم الحدث إلاّ أن المأمول كان أكثر، ولكن تظل الإمكانات هي العائق الحقيقي في سبيل إعطاء الصورة المشرقة لثقافتنا الإسلامية وهو ما ينطبق على باقي الاحتفالات في العواصم العربية والإسلامية الأخرى ويظل التواصل الثقافي العربي الإسلامي أهم ملمح من ملامح فعاليات هذه العواصم الثقافية واحتفالاتها.
الحلقة المفقودة
واعتبرت الكاتبة سارة الخثلان أن الاهتمام بموضوعات الساعة الثقافية هي الحلقة المفقودة في ظل احتفاليات العواصم الثقافية، فكل ما يدور في محاضرات وندوات وجلسات تلك الاحتفالات يكون حول كتب قديمة وما دار حولها من خلافات، والأجدى من ذلك البحث عن موضوعات ثقافية تمس حياة الناس اليوم وما يحصل على الساحة العربية والعالمية من حراك ثقافي ومحاولة فتح حوار ثقافي مع العالم بعيدًا عن لف حبل المشنقة حول الآخر والصدام مع الثقافات والحضارات الاخرى فلا بد من أن تكون نواتج تلك الاحتفالات معبرة عن حوار الحضارات والثقافات والبحث عن ما يربط بين ثقافة أبناء الأمة الواحدة.
ثقافة الترف
الكاتب والإعلامي علي زعلة آثر أن يضع جملة من الأمنيات في المواسم المقبلة لعواصم الثقافية بقوله: على العواصم الثقافية أن تعكس هذه المناسبات بصدق ومحبة الهوية الحقيقية لعالمينا الإسلامي والعربي وتزيل ما علق بها من شوائب بقصد أو دون قصد من بعض المغرضين والكارهين أو أبنائها الحقيقيين، وأن تقرب أواصر الصلة والتعارف بين الكتاب العرب وتفتش عن المبدع الحقيقي فتكرمه، أن تعمل على أن تجعل الكتاب صديقًا للقارئ وأن يكون بمتناوله بسعر مناسب ليحل محل الفضائيات التي بدأت تسحق الثقافة وتتراجع بها إلى الخلف، وأن تكون ملتقى خصبًا لمناقشة هموم الكاتب والقارئ والناشر، وأن يكون الحضور الإعلامي لمثل هذه التظاهرة موازيًا لأهميتها الثقافية كي لا يكون مرورها عابرًا على وسائل الإعلام، ونريد كذلك من المناسبة ذاتها أن تحرك الإبداع باتجاه مصالح أبناء أمتنا في العالمين العربي والإسلامي الذين ما يزال الغالبية منهم يعاني من الجهل والفقر والمرض ولا تنسى أن لنا أرضًا عربية محتلة هنا وهناك، وأن لا تتحول الثقافة ومراسيمها إلى ترف ومراسيم شكلية تكافأ من خلالها بعض المدن معنويًا ويبقى الواقع المأساوي لثقافة في بلادنا مرًا وقاحلًا، وأخيرًا أن تبحث عن المنتج الثقافي الحقيقي المعبر عن قلقنا المشروع تجاه قضايانا بعد أن طغى تهور العولمة وغطى بطوفانه الماس اللؤلؤ الحقيقي الذي تزخر به ثقافتنا العربية والإسلامية.
مفهوم عاصمة الثقافة الإسلامية
تأتي فكرة عاصمة الثقافة الإسلامية على غرار البرنامج الذي أطلقته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسو باختيار عاصمة الثقافة العربية، فتبنت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسسكو برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية التي تسند سنويا إلى ثلاث مدن إسلامية عريقة واحدة عن كل من المناطق الإسلامية الثلاث: العالم العربي وإفريقيا وآسيا، تضاف إليها العاصمة التي تستضيف المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة الذي ينعقد كل عامين وتمتد الاحتفالات والتظاهرات على سنة كاملة، وقد وقع الاتفاق على هذه التظاهرة منذ عام 2001 من قبل المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة الذي انعقد آنذاك في العاصمة القطرية الدوحة، وتم اعتماده في المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة الذي انعقد في الجزائر عام 2004.
وتتمثل أهداف برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية، في نشر الثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن التي تختار كعواصم ثقافية إسلامية بالنظر لما قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية. وتقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة، وتعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها عالمنا اليوم وتستدعي من المجتمع الدولي تضافر الجهود جميعًا على شتى المستويات من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمة.
وانطلقت الاحتفالية في عام 2005م باختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية، وتوالت بعدها الاختيارات ففي عام 2006م وقع الاختيار على حلب عن المنطقة العربية، وأصفهان بإيران عن المنطقة الآسيوية وتمبكتو بمالي عن المنطقة الإفريقية. وفي عام 2007م تم اختيار طرابلس بليبيا وفاس وطشقند عن المنطقة الآسيوية وداكار عن المنطقة الإفريقية. وفي 2008م اختارت المنظمة مدينة الإسكندرية عن المنطقة العربية ولاهور عن المنطقة الآسيوية وجيبوتي عن المنطقة الإفريقية. وفي عام 2009م اختيرت القيروان وباكو الأذرية وكوالالمبور الماليزية عن المنطقة الآسيوية، وانجامينا التشادية عن المنطقة الإفريقية، وفي عام 2010م تم اختيار تريم باليمن ودوشنبه التاجيكستانية عن المنطقة الآسيوية، وموروني القمرية عن المنطقة الإفريقية. وفي عام 2011م اختيرت تلمسان بالجزائر ونواكشوط بموريتانيا وجاكرتا الإندونيسية عن المنطقة الآسيوية، وكوناكري الغينية عن المنطقة الأفريقية. وفي عام 2012م اختيرت النجف عن المنطقة العربية، ودكا عاصمة بنغلاديش ونيامي عاصمة النيجر. وفي العام 2013م وإضافة إلى المدينة المنورة تم اختيار طرابلس من لبنان وغزنه من أفغانستان ونيجيريا كانو من نيجيريا.
وتطرحُ العواصم الثقافية الإسلامية المختارة تعريفًا بثقافتها الخاصة بمعناها الواسع، وتُقدّم الثقافة من منظور تنموي جديد، وتربطها بجميع شرائح المجتمع، بما يلقي الضوء على اشتغالاتها بإنمائها المحلي والتواصل الإبداعي والإنتاجي فيها والإمكانات الثقافية والحضارية المتوافرة في هذه المجتمعات. ويُعزّز هذا الحدث السنوي، أشكال المثاقفة والحوار ما بين الثقافة العربية والإسلامية نفسها والثقافات الأخرى، خصوصًا أن تجارب العواصم الثقافية الإسلامية تمايزت حتى اليوم باختياراتها الثقافية الأوروبية والآسيوية عمومًا، وأحيت أسابيع ثقافية خاصة بكلّ بلد عربي وفعاليات عالمية متنوّعة، ما أسهم إلى حدّ بعيد في خروج هذه المجتمعات من انغلاقها الثقافي نحو تعزيز المشاركة في الحياة الثقافية العامة، وبالتالي توظيف الثقافة كإحدى الوسائل الهادفة إلى التنمية (مواقع، متاحف، مسارح...). في حين أصبح الاستثمار في الثقافة كصناعة من الأمور التي تعوّل عليها الدول المتقدمة في زيادة دخلها القومي، خصوصًا أن ما يُصرف على العاصمة حاملة هذا اللقب كثير، في الوقت الذي لا تصل فيه الموازنات المرصودة لقطاع الثقافة عمومًا في مجتمعاتنا إلى مستوى الطموحات المعقودة.
ويكتسب هذا الحدث، الذي دخل إلى مجتمعاتنا حديثًا في مسعى لمحاكاة تقليد أوروبي انطلق من اليونان في التسعينيّات، يكتسب أهميته في كونه يُعيد تأهيل ثقافتنا العربية والإسلامية ويطرح أسئلة ملحّة في صلب الثقافة وأحوالها ومستوى تطوّرها في مجتمعاتنا، وبالتالي قدرتها على خلق وعي جديد، ورؤية مختلفة لتنفيذ السياسات الثقافية المطروحة، ويمكّنها من الانتشار إلى أبعد والتوسّع نحو ثقافات أخرى، وإن كان أصل المناسبة قائمًا على تجديد الاستعارة للفكرة وتنويعها. ذلك أن الحدث هو ليس تأملًا في الثقافة بمعناها الضيّق ولا ينبغي أن يتحوّل إلى مَعارض لبعض الإنتاج الثقافي نوعًا وكمًّا، وإنما يشكّل حلقة كاملة من حركة الأفعال والأفكار، وتجربة جدّية لإقامة تماس حقيقي مع الثقافات الأخرى.
صحيفة المدينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.