صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ما لا تعرفونه عن عبدالملك الحوثي    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة المنورة تتجاوز نمطية العواصم الثقافية
نشر في الجنوب ميديا يوم 07 - 01 - 2014

مرت على المملكة العربية السعودية خلال العقد الأخير مناسبتين كبريين تمثلتا في اختيار منطقتين من مناطق المملكة لتكونا عاصمتين للثقافة الإسلامية خلال عام معين، حيث وقع الاختيار الأول على مكة المكرمة لتكون المحطة الأولى لانطلاقة هذه الفعالية، أما الاختيار الثاني فقد حظيت به المدينة المنورة لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية خلال العام 1434ه - 2013م، وانطلقت المناسبة قبل أكثر من عشرة أشهر شهدت خلالها العديد من البرامج والأنشطة المختلفة والمتنوعة وعكس ذلك الدور الذي قدمه القائمون على هذا البرنامج ليكون علامة في المشهد الثقافي خلال هذا العام.. وبالنظر إلى واقع هذه الاحتفالية التي يقارب عمرها العام بالمدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية 2013م، تظهر العديد من الأسئلة والعديد من الاستفسارات والعديد من المحاور التي تصب في صالح هذه الاحتفالية وماذا قدمت من خلالها من برامج وأنشطة كان غرضها الأساسي التعريف بالمكان وثقافته وثقافة البيئة المحلية المحيطة بها وتستطيع من خلال ذلك كله المساهمة في الحركة الثقافية السعودية والعربية والإسلامية.. وكيف ينظر المثقفون لفكرة العواصم الثقافية وعلى أي صورة يجب أن تكون مستقبلًا.. العديد من الرؤى طي هذا التحقيق..
مشروع حضاري
حول فكرة العواصم الثقافية يقول الأمين العام لمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسسكو عبدالعزيز بن عثمان التويجري: أن هذا البرنامج يندرج في نطاق العمل الكبير الذي تنهض به الإيسيسكو، على الصعيد الإسلامي العام، وعلى الصعيد الدولي أيضًا، لتجديد البناء الحضاري للعالم الإسلامي من جهة، ولتقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع من جهة أخرى، وذلك من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة التي منها استمدت النهضة الأوروبية أنوارها، وعلى أساسها قامت الحضارة الإنسانية المعاصرة على اختلاف مشاربها. وهو الأمر الذي يساهم إلى حد كبير، في تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، وفي إشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب، في هذه المرحلة العصيبة التي يمرّ بها عالمنا اليوم، والتي تستدعي من المجتمع الدولي تضافرَ الجهود جميعًا، وعلى شتى المستويات، من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمّة من جراء هيمنة روح الأثرة والأنانية والعداوة والشحناء وحب السيطرة على مقدرات الشعوب وإحكام القبضة على السياسة الدولية لخدمة مصالح القوى العظمى.
مضيفًا: أن الاحتفال بعواصم الثقافة الإسلامية كل سنة، هو تعبير وافي الدلالة عن الاهتمام الذي توليه الإيسيسكو والدول المعنية كافة، للعمل الثقافي على تعدّد مجالاته وتنوّع مناحيه، باعتبار أن الثقافة في مفهومها العام ومدلولها الشامل، هي حجر الزاوية في البناء الحضاري للأمم، وهي القاعدة المتينة للإقلاع الاقتصادي، وللازدهار الاجتماعي وللتنمية الشاملة المستدامة.
مؤكدًا أن هذا البرنامج الحضاري الإنساني يفتح أمامنا المجال واسعًا للتعريف بعطاءات الحضارة الإسلامية، ولإبراز خصوصيات الثقافة الإسلامية المبدعة التي تلاقحت فيها الثقافات الإنسانية جميعًا، والتي شارك في إبداعها المسلمون على اختلاف أعراقهم مع غيرهم من أتباع الأديان السماوية وغير السماوية وأهل الملل والنحل والعقائد والمذاهب المختلفة الذين عاشوا في قلب المجتمعات الإسلامية، وكانوا من بناة الحضارة الإسلامية ومن صناع الثقافة الإسلامية. مبينًا أهمية التأكيد على هذه المعاني وإبراز هذه القيم للردّ على الدعاوى المغرضة التي تتهمنا بالانغلاق وبالعنصرية، وبالتخلف والتراجع الحضاري، وتصف الثقافة الإسلامية ظلمًا وعدوانًا بأنها ثقافة الإرهاب والتطرف، بينما هي ثقافة تسامح واعتدال ووسطية واحترام للكرامة الإنسانية، وثقافة إيمان وعمل يهدفان إلى ما فيه الخير والصلاح للناس أجمعين. مواسم كاسدة
ويشير الدكتور معجب الزهراني داخل في ذات السياق إلى أن التقليد المتبع في اختيار بعض المدن العربية كعواصم للثقافة، يعتبر تقليدًا جيدًا ونبع من أفكار بلا شك تعرف معنى الثقافة ومفهومها الشامل، فالثقافة ليست ترفًا قد يفعّل وقد يهمّش حسب الحاجة، وليست توابل بلا طعم ترمى على طبخات بلا طعم، أو مجرد زينة لدى الشعوب ترتدى في بعض المناسبات. فهي ضرورة وضرورة ملحة تمامًا كالتعليم وبعض الضروريات الأخرى.
ويتابع الزهراني حديثه مضيفًا: خلال متابعتي للصعيد الثقافي لدى بعض المدن التي تم اصطفاؤها في الأعوام الماضية، وجدت مدنا تتزين بحلل جديدة، إعلامًا مرئيًا ومسموعًا يؤكد على أن هذه المدينة عاصمة للثقافة العربية أو الإسلامية، وكانت ثمة ندوات شعرية هنا وهناك.. ومسرحًا ورقصات وبعض الزخارف وثمة ضيوف حضروا وأقاموا وتنزهوا أو تسوقوا وغادروا على عجل، لكن هل انتهى دور المدينة عند هذا الحد؟
ويواصل الزهراني حديثه، بقوله: حتى الآن وبرغم استمرار هذا التقليد، إلا أن مسألة العاصمة الثقافية تظل مجرد خطوات تحوم حول الثقافة دون أن تطرق على بابها، فليس الأمر مجرد ندوات قليلة عدد الحضور، ليس مسرحيات مكررة ولا تأكيد إعلامي يتكرر في كل ساعة، وما دامت المدينة قد تم اصطفاؤها كما ذكرت، وما دامت قد تزينت لاستقبال ذلك الحدث فلابد إذن من وعي أكبر بالدور الذي رسم لها، أي لابد من تدريب المدينة على استقبال الحدث. وإذا توغلنا أكثر في دور الثقافة والمثقفين نجد أن الحصاد كان ضئيلا للأسف، فقد رأينا في بعض هذه المناسبات ذلك الحشد من اللجان والأموال التي ستنفق وحين بدأ الحدث بالفعل، فوجئنا بعاصمة لم يتم إعدادها جيدا وفوجئنا بحصاد أشبه بحصادات عادية في مواسم كاسدة، وحتى تلك الكتب التي تمت طباعتها، كانت في معظمها خاضعة للمعرفة والمجاملات ولم يتم استدعاء مثقفين مقتدرين للإدلاء بدلوهم في هذا الحدث. هذه السلبيات لم تطل عاصمة بعينها وإنما طالت كل العواصم التي سبقتها، ولعل ما لا تعرفه تلك العواصم عند اختيارها هو كيف تستغل هذا الاختيار ففي مثل تلك المهرجانات يمكن أن تخلق أجيالًا جديدة ذات وعي تأخذ من الأجيال السابقة وتعطيها، ويمكن أن تكتشف مواهب مبدعة في الشعر والرواية والفنون، ويمكن أن يحارب أي فكر متطرف ويمكن أن تطرح دعاوى السلام والحب سلسة تنساب إلى عقول من يحضرون تلك الفعاليات.
ويختم الزهراني حديثه بقوله: إن المدن تكرم بالفعل حين تختار لتلك المهمات، لكن ما ننتظره بشوق هو أن يكون دور تلك المدن أكبر بكثير مما شاهدناه حتى الآن.
على مدار العام
وأكد عميد كلية الآداب بجامعة طيبة الدكتور سليمان الرحيلي أن اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية كان فرصة ثمينة ومواتية لكل مؤسساتها لتعزيز تلك المكانة التي تحظى بها المدينة وإعادة وهجها الثقافي والحضاري الخالد في مكانين هما التاريخ وقلوب المسلمين التي تزيد على المليار من البشر، وإشاعة ثقافة هذا المفهوم من قبل الجامعات وقطاعات التعليم مما كان له دور فاعل وواعٍ في هذا المجال، من خلال ما تابعناه من مجموعة المؤتمرات والندوات والمحاضرات العلمية التي توزعت طيلة العام الثقافي للمدينة.
عائق الإمكانات
كذلك امتدح الدكتور عبدالوهاب الحكمي الفعاليات الثقافية التي تقام في مختلف العواصم العربية والإسلامية وضرب في ذلك مثالًا سابقًا وهو اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية وهي بلا شك عاصمة أبدية لها نظرًا لما تمثله من ثقل ديني كبير يتمثل في وجود الحرم المكي الشريف بها كما أنها قبلة المسلمين من كل حدب وصوب ومهوى أفئدتهم وهي منبع الرسالة المحمدية الخالدة التي أنارت وأضاءت العالم بنور الهدى فقد اشتملت الاحتفالات في ذلك الوقت على مناشط عديدة في عدد من الجهات، حيث أقيمت المحاضرات والندوات وطبعت الكتب والمؤلفات وكان الاحتفال بحجم الحدث إلاّ أن المأمول كان أكثر، ولكن تظل الإمكانات هي العائق الحقيقي في سبيل إعطاء الصورة المشرقة لثقافتنا الإسلامية وهو ما ينطبق على باقي الاحتفالات في العواصم العربية والإسلامية الأخرى ويظل التواصل الثقافي العربي الإسلامي أهم ملمح من ملامح فعاليات هذه العواصم الثقافية واحتفالاتها.
الحلقة المفقودة
واعتبرت الكاتبة سارة الخثلان أن الاهتمام بموضوعات الساعة الثقافية هي الحلقة المفقودة في ظل احتفاليات العواصم الثقافية، فكل ما يدور في محاضرات وندوات وجلسات تلك الاحتفالات يكون حول كتب قديمة وما دار حولها من خلافات، والأجدى من ذلك البحث عن موضوعات ثقافية تمس حياة الناس اليوم وما يحصل على الساحة العربية والعالمية من حراك ثقافي ومحاولة فتح حوار ثقافي مع العالم بعيدًا عن لف حبل المشنقة حول الآخر والصدام مع الثقافات والحضارات الاخرى فلا بد من أن تكون نواتج تلك الاحتفالات معبرة عن حوار الحضارات والثقافات والبحث عن ما يربط بين ثقافة أبناء الأمة الواحدة.
ثقافة الترف
الكاتب والإعلامي علي زعلة آثر أن يضع جملة من الأمنيات في المواسم المقبلة لعواصم الثقافية بقوله: على العواصم الثقافية أن تعكس هذه المناسبات بصدق ومحبة الهوية الحقيقية لعالمينا الإسلامي والعربي وتزيل ما علق بها من شوائب بقصد أو دون قصد من بعض المغرضين والكارهين أو أبنائها الحقيقيين، وأن تقرب أواصر الصلة والتعارف بين الكتاب العرب وتفتش عن المبدع الحقيقي فتكرمه، أن تعمل على أن تجعل الكتاب صديقًا للقارئ وأن يكون بمتناوله بسعر مناسب ليحل محل الفضائيات التي بدأت تسحق الثقافة وتتراجع بها إلى الخلف، وأن تكون ملتقى خصبًا لمناقشة هموم الكاتب والقارئ والناشر، وأن يكون الحضور الإعلامي لمثل هذه التظاهرة موازيًا لأهميتها الثقافية كي لا يكون مرورها عابرًا على وسائل الإعلام، ونريد كذلك من المناسبة ذاتها أن تحرك الإبداع باتجاه مصالح أبناء أمتنا في العالمين العربي والإسلامي الذين ما يزال الغالبية منهم يعاني من الجهل والفقر والمرض ولا تنسى أن لنا أرضًا عربية محتلة هنا وهناك، وأن لا تتحول الثقافة ومراسيمها إلى ترف ومراسيم شكلية تكافأ من خلالها بعض المدن معنويًا ويبقى الواقع المأساوي لثقافة في بلادنا مرًا وقاحلًا، وأخيرًا أن تبحث عن المنتج الثقافي الحقيقي المعبر عن قلقنا المشروع تجاه قضايانا بعد أن طغى تهور العولمة وغطى بطوفانه الماس اللؤلؤ الحقيقي الذي تزخر به ثقافتنا العربية والإسلامية.
مفهوم عاصمة الثقافة الإسلامية
تأتي فكرة عاصمة الثقافة الإسلامية على غرار البرنامج الذي أطلقته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألكسو باختيار عاصمة الثقافة العربية، فتبنت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسسكو برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية التي تسند سنويا إلى ثلاث مدن إسلامية عريقة واحدة عن كل من المناطق الإسلامية الثلاث: العالم العربي وإفريقيا وآسيا، تضاف إليها العاصمة التي تستضيف المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة الذي ينعقد كل عامين وتمتد الاحتفالات والتظاهرات على سنة كاملة، وقد وقع الاتفاق على هذه التظاهرة منذ عام 2001 من قبل المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة الذي انعقد آنذاك في العاصمة القطرية الدوحة، وتم اعتماده في المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة الذي انعقد في الجزائر عام 2004.
وتتمثل أهداف برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية، في نشر الثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن التي تختار كعواصم ثقافية إسلامية بالنظر لما قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية. وتقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة، وتعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها عالمنا اليوم وتستدعي من المجتمع الدولي تضافر الجهود جميعًا على شتى المستويات من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمة.
وانطلقت الاحتفالية في عام 2005م باختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية، وتوالت بعدها الاختيارات ففي عام 2006م وقع الاختيار على حلب عن المنطقة العربية، وأصفهان بإيران عن المنطقة الآسيوية وتمبكتو بمالي عن المنطقة الإفريقية. وفي عام 2007م تم اختيار طرابلس بليبيا وفاس وطشقند عن المنطقة الآسيوية وداكار عن المنطقة الإفريقية. وفي 2008م اختارت المنظمة مدينة الإسكندرية عن المنطقة العربية ولاهور عن المنطقة الآسيوية وجيبوتي عن المنطقة الإفريقية. وفي عام 2009م اختيرت القيروان وباكو الأذرية وكوالالمبور الماليزية عن المنطقة الآسيوية، وانجامينا التشادية عن المنطقة الإفريقية، وفي عام 2010م تم اختيار تريم باليمن ودوشنبه التاجيكستانية عن المنطقة الآسيوية، وموروني القمرية عن المنطقة الإفريقية. وفي عام 2011م اختيرت تلمسان بالجزائر ونواكشوط بموريتانيا وجاكرتا الإندونيسية عن المنطقة الآسيوية، وكوناكري الغينية عن المنطقة الأفريقية. وفي عام 2012م اختيرت النجف عن المنطقة العربية، ودكا عاصمة بنغلاديش ونيامي عاصمة النيجر. وفي العام 2013م وإضافة إلى المدينة المنورة تم اختيار طرابلس من لبنان وغزنه من أفغانستان ونيجيريا كانو من نيجيريا.
وتطرحُ العواصم الثقافية الإسلامية المختارة تعريفًا بثقافتها الخاصة بمعناها الواسع، وتُقدّم الثقافة من منظور تنموي جديد، وتربطها بجميع شرائح المجتمع، بما يلقي الضوء على اشتغالاتها بإنمائها المحلي والتواصل الإبداعي والإنتاجي فيها والإمكانات الثقافية والحضارية المتوافرة في هذه المجتمعات. ويُعزّز هذا الحدث السنوي، أشكال المثاقفة والحوار ما بين الثقافة العربية والإسلامية نفسها والثقافات الأخرى، خصوصًا أن تجارب العواصم الثقافية الإسلامية تمايزت حتى اليوم باختياراتها الثقافية الأوروبية والآسيوية عمومًا، وأحيت أسابيع ثقافية خاصة بكلّ بلد عربي وفعاليات عالمية متنوّعة، ما أسهم إلى حدّ بعيد في خروج هذه المجتمعات من انغلاقها الثقافي نحو تعزيز المشاركة في الحياة الثقافية العامة، وبالتالي توظيف الثقافة كإحدى الوسائل الهادفة إلى التنمية (مواقع، متاحف، مسارح...). في حين أصبح الاستثمار في الثقافة كصناعة من الأمور التي تعوّل عليها الدول المتقدمة في زيادة دخلها القومي، خصوصًا أن ما يُصرف على العاصمة حاملة هذا اللقب كثير، في الوقت الذي لا تصل فيه الموازنات المرصودة لقطاع الثقافة عمومًا في مجتمعاتنا إلى مستوى الطموحات المعقودة.
ويكتسب هذا الحدث، الذي دخل إلى مجتمعاتنا حديثًا في مسعى لمحاكاة تقليد أوروبي انطلق من اليونان في التسعينيّات، يكتسب أهميته في كونه يُعيد تأهيل ثقافتنا العربية والإسلامية ويطرح أسئلة ملحّة في صلب الثقافة وأحوالها ومستوى تطوّرها في مجتمعاتنا، وبالتالي قدرتها على خلق وعي جديد، ورؤية مختلفة لتنفيذ السياسات الثقافية المطروحة، ويمكّنها من الانتشار إلى أبعد والتوسّع نحو ثقافات أخرى، وإن كان أصل المناسبة قائمًا على تجديد الاستعارة للفكرة وتنويعها. ذلك أن الحدث هو ليس تأملًا في الثقافة بمعناها الضيّق ولا ينبغي أن يتحوّل إلى مَعارض لبعض الإنتاج الثقافي نوعًا وكمًّا، وإنما يشكّل حلقة كاملة من حركة الأفعال والأفكار، وتجربة جدّية لإقامة تماس حقيقي مع الثقافات الأخرى.
صحيفة المدينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.