ترددت كثيرا قبل أن أفتح اللابتوب ، و فى نيتى أن أكتب إليك كصديقة ، لا تعرفنى لكننى أعرفها من خلال قصص الناس المتعبة التى تكتبها ، و تحاول أن تجد لها مخرجا يريح القلوب القلقة و العقول المجهدة من كثرة التفكير . لامست أصابعى مفاتيح " الكى بورد " فشعرت برجفة ، و كدت أتراجع ، و أنسى الموضوع .لكننى و بدافع من أعماقى جلست مرة أخرى على المقعد و بدأت أكتب قصتى .. و سر قلقى و حيرتى . و ها هى بين يديك أستاذه نوال.. أنا شاب تجاوزت الثلاثين قليلا . أعتبر نفسى محظوظا إذا ما قارنت ظروفى و حجم مشاكلى بالشباب فى مثل سنى .فقد نشأت فى عائلة ميسورة ، تعلمت و تخرجت فى الجامعة ، ثم أحببت و تزوجت بمن أحبها و عشت معها سنتين من اجمل سنين حياتى . إذن ما المشكلة و لماذا أكتب لك لأخرج من داخلى مشاعر صعبة تكاد تعتصرنى فى دوامتها ، و أطلب منك أن تساعدينى فى وضع حد لحيرتى الرهيبة و معاناتى المستحيلة . أسألك أستاذه نوال .. هل يستطيع الإنسان أن يتحكم فى قلبه و مشاعره ؟ هل يجب أن يعاقب الإنسان إذا أحب فى الزمن الخطأ أو الشخص الخطأ ؟ هل لابد أن يدفع ثمنا باهظا لشئ لم يكن ينوى حدوثه أو يخطط له ؟ هذه الأسئلة أسألها لنفسى كل يوم عشرات المرات و لا أجد إجابة تريحنى لها . لقد خفق قلبى لإمرأة أخرى غير زوجتى و حبيبتى ! نعم هذا ما حدث بكل أسف و هذا ما يتسبب لى فى صراع مرير لا أستطيع وصفه . أحيانا أجد مبررات لهذه الكارثة التى وقعت على حياتى لتفتتها و تبعثرها شظايا تفتك بقلبى و مشاعرى . أقول هى السبب ، هى التى أهملتنى ، و أصبحت لا تفكر فى إرضائي بأقل الأشياء .كانت مثلا ترانى أنزل مبكرا للعمل ، فتتكاسل و لا تتعب نفسها فى إعداد كوب شاى و ساندوتش لى . بينما كنت أصل إلى عملى لأجد إنسانة أخرى فى إنتظارى و الفرحة الخجولة تكسو وجهها البرئ. و تفاجئنى بتقديم لفافة صغيرة ، أفتحها لأجد ساندويتشات شهية أعدتها بنفسها فى البيت لى و لها . الموضوع بالطبع ليس أكلا و شربا . هو مجرد مثل حضرنى الآن و أنا أكتب . لكنه يعبر عن تفاصيل كثيرة تعكس الإهمال و عدم الإهتمام بى كزوج و حبيب .تصدقى يا أستاذة أنها نسيت عيد ميلادى ! هنأنى أهلى و أصدقائى و حبيبتى السرية و نسيت هى ! و الغريب أنها قابلت الموقف بمنتهى اللامبالاه عندما عرفت و قالت لى بضحكة مستفزة :.معلهش يا حبيبى .. جل من لا يسهو . المشكلة أن الحب الذى بدأ صامتا بينى و بين زميلتى ، و المشاعر التى كانت تختبئ تحت لافتة " الزمالة و الصداقة و الأخوة " انفجرت فجأة ، و كأن الكيل قد فاض فى قلبينا. أصبحنا لا نحتمل البعاد عن بعضينا لبضعة أيام . و بدأت عيوننا تفضحنا بين الناس . الصدمة الكبرى سوف تصابين بها – سيدتى - الآن عندما تعرفين أن زميلتى التى وقعت فى حبها و لم أعد قادرا على فراقها هى : أخت زوجتى مصيبة .. أليست كذلك ؟ أرجوك أستاذه نوال .. كونى رحيمة بى فى الرد . لا تقس على أو توبخيننى .. أريدك أن تساعدينى على تجاوز أكبر محنة عشتها و لا أزال فى حياتى . وضعتنى قصتك فى حالة تأمل للدنيا و استغراق فى النفس البشرية التى عجز الفلاسفة و الحكماء و أساتذة الطب النفسى عن فهمها و حل طلاسمها و ألغازها . تسألنى هل يعاقب الإنسان لأنه أحب فى الزمن الخطأ أو الشخص الخطأ ؟ و أقول لك أنه سؤال صعب لسبب بسيط و هو أن الإجابة الحقيقية و الإنسانية التلقائية هى : لا . لا يجب أن يعاقب الإنسان لأنه وقع فى الحب . فالوقوع فى الحب ليس إختياراً ، إنه قدر ، و أنا اؤمن بذلك . لكن هناك دائما إجابة أخرى تخضع لنظرة المجتمع ، و ظروف المحبين ، و مدى قدرتهما على تحمل السباحة ضد التيار وسط أمواج عاتية ، و عواصف كاسحة .يتوقف أيضا على قدرة الإنسان المحب فى الظرف الخطأ على تحمل الإحساس بالذنب تجاه الأطراف التى أصابها الضرر نتيجة لإنقلاب حياتها رأسا على عقب نتيجة لذلك الحب فى الزمن الخطأ . أنا معك أن زوجتك مستفزه بإهمالها المبالغ فيه لأبسط مظاهر الإهتمام بك ، و أنها بخيلة فى منحك الحب و الحنان الذى تتوقعه منها ، و معك أيضا فى أن الحبيبة التى عوضتك تقصير و إهمال الزوجة استطاعت السيطرة على قلبك و مشاعرك . النقطة المهمة عزيزى التى أريدك أن تجيب عنها بنفسك : إلى أى مدى تستطيع أن تضحى فى سبيل هذا الحب الخطأ ؟ هل يمكنك أن تواجه زوجتك و تطلب منها الطلاق كحل لهذا الموقف الرهيب بين ثلاثتكم ؟هل تستطيع أخت زوجتك أن تواجه أختها بعد ذلك و كيف ستكون شكل العلاقة بينهما ؟ هل ستوافق الأسرة على ذلك أم أنكما فى هذه الحالة ستنفصلان تماما عن المشهد بالكامل و تكتفيا بنفسيكما ؟ الموقف صعب .. و معقد لذلك فأنا لن أقسو عليك لكنى سأطالبك بهدنة .. إستراحة من ساحة الصراع الرهيب الذى تعيشه ، تحاول خلالها انتزاع نفسك من كل الضغوط النفسية و العاطفية . اجلس وحدك .. سافر لمكان هادئ تحبه بشرط أن تكون وحدك . إجلس و أمامك ورقة و قلم و أسأل نفسك بمنتهى الصراحة كل الأسئلة التى وجهتها لى . إكتب السؤال واضحا بالتفصيل كما لو كنت تضع أسئلة إمتحان ، ثم أجب عنه بعد تفكير عميق ، و أحرص على أن تكون الإجابة حقيقية تعبر عن مشاعرك الحقيقية لا التى يجب أن تكون أو تقال . إذا فعلت ذلك بمنتهى الصدق مع نفسك ، ستجد الحل لتلك المعضلة الصعبة التى تعتصرك الآن . الطريق الصحيح الذى يمكنك السير به إلى بر الأمان و راحة البال يجب أن تبحث عنه داخل أعماق نفسك . لن أستطيع أنا أو أى إنسان آخر تتوقع منه أن يمسك بعصا سحرية و يأتى لك بالسعادة و السلام الداخلى . رحلة البحث عن الكنز المخبوء داخلك هى رحلتك ، يجب أن تقوم بها وحدك ، و أن تتحمل وعورة الطريق و عواصف الرياح و المطر . هل قرأت رواية " ساحر الصحراء " لباولو كويلهو ؟ إذا كنت لم تقرؤها إفعل الآن . إقرأها حتى تدرك أن الكثير من المفاتيح التى نشقى فى حياتنا و نلهث أملا فى العثور عليها تختبئ داخلنا ،لكننا بحثنا فى كل مكان آخر إلا هنا ! جرب ما قلته و سوف تجد كنزك الحقيقى .. و مفتاح حل مشكلتك الصعبة زهرة اليمن