أظهرت نتائج دراسة كويتية حديثة متخصصة أن تعرض البيئة الكويتية لظاهرة العواصف الترابية والغبارية يؤثر مباشرة في مختلف الجوانب في البلاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وحتى لناحية الحوادث المرورية . وقالت الدراسة المعنونة (ظاهرة الغبار والعواصف الغبارية) الصادرة عن اللجنة الوطنية لمكافحة التصحر في إدارة رصد السواحل والتصحر بالهيئة العامة للبيئة إن ذلك التأثير يكون على أشده في فصل الصيف الحار بما يكتنف الهواء من غبار وجسيمات مختلفة من معادن وعناصر ثقيلة . بالنسبة للجانب البيئي أوضحت الدراسة ان كمية الغبار المترسب نتيجة انتقاله عبر الموجات الغبارية في البلاد تبلغ 275 طنا لكل كيلومتر مربع في السنة أي ما يعادل خمسة ملايين طن من الغبار على مساحة الكويت خلال السنة الواحدة . وأضافت ان تكلفة معالجة الأمراض الفطرية ارتفع بشكل كبير نتيجة موجات الغبار من خلال رش المبيدات أو اعادة التأهيل للمحاصيل الزراعية وفقدان خصوبة التربة نتيجة النحت الرياحي للمواد العضوية وحبيبات الطمى الغنية بالمغذيات اللازمة لنمو النباتات ما يؤدي إلى تدهور الغطاء النباتي . وأشارت إلى الجانب الاقتصادي من خلال تأثر حركة الملاحة الجوية والبحرية والبرية نتيجة موجات الغبار ما يكبد الدولة خسائر بمبالغ ضخمة مبينة أيضاً أن عدد المراجعين من مرضى الربو وضيق التنفس نتيجة لموجات لغبار يصل إلى 2000 مراجع سنويا بمعدل 175 مراجعا يوميا ما يكبد خسائر بنحو 30 ألف دينار كويتي . وبينت الدراسة الجانب الامني المترتب عن تشكل الغبار لناحية ارتفاع عدد حوادث المرور خلال حدوث الغبار إلى 275 حادثا مقارنة مع 92 حادثا كمتوسط يومي للحوادث وللعواصف الغبارية . لكن بالمقابل ترى الدراسة آثارا ايجابية للغبار منها غناه بالمعادن النافعة والعناصر المفيدة لاحتوائه على اكثر من 2700 جزيء في المليون من عنصر الحديد وعلى 63 في المئة من حبيبات الطين وأكثر من 5 في المئة من المواد العضوية وحبوب اللقاح . كما يعد الغبار من أهم مصادر التغذية بالبحار والتفاعلات الكيميائية هناك . وذكرت الدراسة ان الغبار يعتبر غذاء اساسيا للكائنات الدقيقة والبلانكتونات النباتية كما يستخدم بمحتواه في وضع قيمة رقمية لمدى تدهور الغطاء النباتي في المنطقة فضلا عن احتواء الغبار على بعض النظائر المشعة التي يمكن استخدامها لتتبع او تقدير معدلات انجراف التربة على المديين المتوسط والقصير . وقالت الدراسة ان الرصد الشهري للغبار المتساقط يمكن من تقييم طرق التحكم في الرواسب الريحية كالمحميات الطبيعية والاحزمة الخضراء والتغير في طبوغرافية الارض حيث ان الغبار المتساقط في بعضها كان أقل من المحيط الخارجي بنسبة تصل إلى 65 في المئة وذلك لقدرتها على صد حبيبات الرمل الزاحفة . وعن مصادر الغبار المحلية في الكويت ذكرت منها جزيرتي وربة وبوبيان لما تحويانه من كميات مهولة من رواسب الطمى والغرين ومسطحات المد والجزر في جون الكويت وخور الصبية والاخوار المتفرقة في البالد والخباري الصحراوية ورواسب الطمي والغرين في بعض مجاري الاودية خصوصا الشمالية الغربية . وأشارت الدراسة إلى السبخات الساحلية والصحراوية والكثبان الرملية خصوصا المتواجدة في نطاق الهويملية الاطراف حيث إنها تحوي نسبة اربعة في المئة من الرواسب المفككة من الطين والغرين والرمل الناعم والمساحات الخالية والاراضي المتدهورة وندرة الغطاء النباتي سواء في المناطق السكنية او الصحراوية المكشوفة . وبالنسبة إلى مصادر الغبار الاقليمية افادت بانها عديدة منها الصحراء الغربية للعراق وبادية الشام وأهوار العراق والسهل الفيضي للرافدين والمنطقة الايرانية المحصورة بين جبال زاجروس من الشرق وشط العرب ونهر دجلة من الغرب وصحراء الدهناء وتكوين الدبدبة فيما اشارت إلى مصادر عالمية معظمها من الصحراء الافريقية الكبرى فضلا عن المصادر الكونية أو ما يسمى الغبار الكوني ويمثل نسبة ضئيلة من مجموع الغبار المتساقط . وبالنسبة لطرق الحد والتخفيف من وصول وتساقط الغبار أشارت الدراسة إلى امكانية زراعة نباتات تتحمل الجفاف والتملح في مناطق السبخات واستخدام مواد صديقة للبيئة لتثبيت الاراضي الرملية التي تتأثر بفعل الرياح . ولفتت إلى امكانية زراعة الاحزمة الخضراء حول المصادر المحلية الرئيسية للغبار واختيار النباتات الفطرية التي تحمل الجفاف والتراكم الرملي واقامة محميات اضافية واقتراح مكوناتها البيئية خصوصا في المناطق الشمالية الغربية من البلاد . وأوضحت أهمية التخطيط واقتراح نماذج عملية لتطوير التخطيط العمراني وتصميم نموذج معماري خاص للمدن الصحراوية والتخفيف من الآثار الضارة للغبار . وذكرت الدراسة ان ذلك ممكن من خلال اعادة توزيع مناطق الرعي وتطبيق نظام الدورة الرعوية واقتراح برامج ووسائل لتطبيق التشريعات البيئية المحلية والمساهمة العملية في تصميم وتنفيذ البرنامج الوطني لمكافحة التصحر في البلاد إلى جانب برامج التوعية والربط الشبكي للمعلومات والخبرات المتصلة بقضايا الغبار محليا واقليميا . ويقول الباحثان الكويتيان الدكتور علي الدوسري وعبدالعزيز أبا ان تواجد الغبار يعتبرنتاجا طبيعيا للظروف المناخية وخواص التربة والمحتوى الرطوبي الضعيف والغطاء النباتي المحدود علاوة على الاستخدام السلبي للأراضي . وقد تطرق الكثير من الباحثين إلى العلاقة بين العواصف الغبارية وكميات الأمطار حيث بينت بيانات الرصد العالمية ارتباطا ضعيفا عدا في سنوات الجفاف المتصلة . وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن الرياح السائدة هي المشكلة الرئيسية لطبوغرافية المنطقة . فالعواصف الترابية والغبارية تمثل ظاهرة متكررة في المنطقة التي لها تأثيراتها ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل حتى على المستوى العالمي . فالغبار ظاهرة عالمية وإن كان ينتج غالبه من المناطق الجافة، حيث ظهرت رواسب الغبار في أوروبا وشرق الولاياتالمتحدة، وأن ما يقارب من مليار طن تعبر المحيط الأطلسي من أفريقيا كل سنة . فقد قدر باحثون آخرون كميات الغبار المجروفة من التربة ب 500 - 106 طن من المواد المتطايرة في الجو . وقد أوجد القمر الاصطناعي TOMS-Total Ozone Monitoring Satellite- صوراً دقيقة لانتشار الغبار في الجو فوق اليابسة والمحيطات . وقام معهد الكويت للأبحاث العلمية وبدعم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (EC063C . Grant Number:2008-1401-01) من خلال دراسة الغبار المتساقط في الكويت عبر وضع 67 مصيدة للغبار . تم على إثرها رصد العواصف الغبارية لمدة عشر سنوات من يناير /كانون الثاني 2000 حتى ديسمبر/كانون الأول 2010 للتعرف على مصادرها الإقليمية، ووضعت خريطة تفصيلية للعواصف الغبارية وأوقاتها، كما هو موضح بالشكل (1) . واوضح الدوسري في الدراسة التي اعدها مع آخرين ان العواصف الغبارية تهب بشكلين أو نمطين هما: * الشكل العريض الذي يكون بعرض واسع أكبر من 200 كم، وهذا الشكل يدل على أن العاصفة ناشئة بفعل رياح متوسطة السرعة تنشط أحيانا، وهذا النمط من الأشكال هو السائد في العواصف الغبارية القادمة من الصحراء الغربية في العراق وسهل الرافدين، وقد يكون تكون هذا الشكل من العواصف في هذه الأماكن أيضاً إلى الطبيعة الطبوغرافية الواسعة والمفتوحة للمنطقة مما يحد من سرعات الرياح ويفتح مجال أوسع لانتشار العاصفة الغبارية . * الشكل الطولي المدبب الذي يمتاز بعرض متوسط يقل عن 150 كم، وهذا الشكل يدل على أن العاصفة ناتجة بفعل رياح عالية السرعة، وهذا النمط من الأشكال هو السائد في العواصف الغبارية القادمة من الأهوار وتكوين الدبدبة في امتدادات وادي الباطن في السعودية وإيران في المنطقة المحصورة بين جبال زاجروس وشط العرب، وقد يعزى تكون هذا النمط من العواصف في هذه الأماكن إلى الطبيعة الطبوغرافية الضيقة للمنطقة التي تحكم مسارات الرياح الطبيعية مما ينعكس على سرعاتها . وعن طريق التعامل مع العواصف الرملية والغبارية قال الباحثون ان التقليل من هبوب العواصف الغبارية والرملية يتم من خلال مكافحة أسباب هذه العواصف وفي مقدمتها مكافحة التصحر وزيادة الغطاء النباتي الذي يسهم بشكل كبير في تثبيت التربة ومنع انجرافها مع الرياح، ويكون ذلك من خلال السيطرة على المراعي الطبيعية وتنظيمها وإطلاق حملات شعبية ورسمية لغرض إيجاد حزام اخضر حول المصادر الرئيسة للغبار في المنطقة وتوفير الشتلات والمزروعات لغرسها بشكل نظامي وعمودي على اتجاه الرياح السائدة في المنطقة . وهذا الحزام الأخضر المطلوب لا بد أن يرافقه تشجيع لعمليات التخضير داخل المدن وذلك بزراعة المساحات الخالية والمهملة لضمان عدم إثارة الغبار والأتربة فيها حيث تبين أن أكثر من 30% حبيبات المترسبة في المدن يأتي بشكل رئيس من هذه المساحات حسب دراسة (Al-Dousari et al . . 2007) التي أثبتت علميا أيضاً أن الأحزمة الخضراء قللت كمية رواسب الغبار بنسبة 26% من خلال رصد شهري لمدة سنة عبر مقارنة كميات الغبار المتساقط في مصائد الغبار التي وضعت قبل وبعد الأحزمة الخضراء للمقارنة، بل إن كميات الغبار المتساقط انخفض بمقدار 50% جنوب منطقة تنتشر فيها المزارع كمدينة الجهراء بالمقارنة مع كميات الغبار في شمالها، أي في اتجاه الرياح السائدة (شمال- شمال غرب) . ناهيك أن عمليات التخضير تساعد في تلطيف أجواء المدينة وإيجاد متنزهات يرتادها الناس لقضاء أوقات الراحة والاسترخاء، وهناك تجارب عالمية في مجال زراعة المناطق الصحراوية من أجل تثبيت التربة وتحسين المناخ وقد لجأت بعض الدول المجاورة لفكرة الاستمطار (السعودية والإمارات) بغرض تثبيت التربة من خلال إعادة تأهيل النباتات الصحراوية . كما أن إيجاد المحميات الطبيعية في اتجاه الرياح السائدة بالنسبة إلى المدن والتجمعات السكانية له كبير الأثر في تقليل كميات الغبار المتصاعد، فعلى سبيل المثال لا الحصر سجلت محمية صباح الأحمد أقل المعدلات في كميات الغبار المتصاعد بالمقارنة بالنتائج المحلية والإقليمية والعالمية . كما أن منطقة المطلاع شمال الجهراء كمثال آخر منطقة خالية من أي غطاء نباتي وصنفت حسب الباحثين كمنطقة شديدة التدهور مما جعلها مصدر رئيسي للغبار وبالأخص على شمال مدينة الجهراء . إن من التوصيات المهمة تشجيع وتطبيق الزراعة الملحية في مسطحات المد والجزر بالإضافة إلى السبخات لما تمثله كمصادر رئيسية للغبار . وخلص الباحثون إلى إن مثل هذه الحملات تحتاج إلى دعم مالي وثقافي وإعلامي واجتماعي كبير لنجاحها وكذلك تتطلب حضوراً ميدانياً فاعلاً للمسؤولين والقائمين عليها لتعكس انطباعاً جاداً ورغبة صادقة منهم في خدمة الأرض والإنسان معاً .