توافق هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لعدد من دول الربيع العربي وهي تخطو خطواتها الأولى في مرحلتها الجديدة، ففي ليبيا يحتفل الليبيون بمرور الذكرى السنوية الأولى لمقتل العقيد معمر القذافي، وإعلان ليبيا محررة، وفي تونس "دعوات" للاحتفال بمرور سنة على انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي. لكن هذه المناسبة لم توحد الشعب ولم تجلب الفرحة والابتهاج بعد مرور سنة كما كان متوقعاً، بل مازال المشهد يعلوه الدخان وصوت الرصاص والعنف والدم. فما الذي يحصل في تونس تحديداً، وليبيا، وغيرها بعد سنة أولى من الربيع العربي؟ وماهي المسارات والمؤشرات التي تأخذنا إلى مستقبل المنطقة بعد هذه التجربة الصعبة ذات الثمن الدموي الباهض.. إن العودة إلى حالة تونس ومراجعتها كل مرة هي محاولة للاطمئنان على صحة «الربيع العربي». فهي تحولت، بشكل أو بآخر، كما تقول الكاتبة بصحيفة السفير اللبنانية هيفاء زعيتر إلى "ميزان عربي" لقياس مسار العمليات الانتقالية التي تعقب إسقاط النظام، لكن هذا الميزان بات مختلاً ويعاني من الاضطراب والعنف والانقسام بشكل كبير جداً. فبعد السنة الأولى من الربيع الانتخابي (الثورة الشعبية سبقت ذلك بسنة كاملة).. مازالت المظاهرات العنيفة تخرج مناهضة لحكم الإسلاميين، المشهد ينقلب إلى حالة احتقان حادة مستمرة بين صفوف السلطة والمعارضة، وتعطلت العملية السياسية، أصبح العنف ظاهرة أسبوعية متكررة، سقطت هيبة الأمن وسلطاته في البلاد كما يقول ذلك الكاتب التونسي صلاح الدين الجورشي. بعد السنة الأولى (أو الثانية بحسب التقويم الثوري – الانتخابي) من الربيع.. ظاهرة العنف السياسي تتفاقم، يسقط أربعة قتلى و50 جريحاً أمام السفارة الأميركية.. أميركا تحذر رعاياها من السفر إلى تونس، وتطالب العاملين غير الرئيسيين فيها بالمغادرة.. مازال مسلسل العنف مستمراً. في مظاهرات ضد الفساد والكساد وعدم تحقيق (مطالب الثورة) جنوبتونس يسقط قتيل آخر وعدد من الجرحى على يد من يُسمون "ميليشيات حركة النهضة". التاريخ يعيد نفسه، وتبدأ الدورة سريعة من جديد، فبعد أن كانت الجموع الغاضبة تلعن البلطجية والشبيحة، خرجت الجموع مجدداً تهتف بعد سنة من حكم الإسلاميين ضد "روابط ولجان حماية الثورة" التي اتهمتها منظمات مدنية بالتورط في مقتل لطفي نقض ممثل حزب نداء تونس المعارض. بعد سنة أولى من الحكم.. تفقد السلطات الحالية المنتخبة في تونس شرعيتها، بحسب ماتقوله المعارضة بسبب عدم تمكنها من صياغة دستور جديد في مدة عام من تاريخ انتخاب المجلس التأسيسي، وعدم تحديد أي جدول زمني للانتهاء من إعداده. الرئيس منصف المرزوقي يحذر: "الجماعات الإرهابية المتطرفة انتقلت من أفغانستان، وأصبح مركزها المغرب العربي، الخطر يهددنا، إنه على أعتاب بيوتنا". يرد عليه زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" السلفي في تونس سيف الله بن حسين "إنك طاغوت علماني مرتد.. لابد من تشكيل ميليشيات لمواجهة العلمانيين". راشد الغنوشي (زعيم النهضة) يتمسك بميليشيات (حماية الثورة) "إنهم استمدوا شرعيتهم من نضالهم، لا أحد له الحق في إنهاء هذه الشرعية". الرئيس المرزوقي يرد عليه قلقاً متخوفاً "لن نسمح بانهيار الدولة.. نحن نمر بمرحلة حرجة، لقد آن الأوان لدق جرس الإنذار، إن الهياكل الشرعية للدولة هي الوحيدة المؤهلة لحماية الثورة وأمن تونس". ليبيا سنة بعد رحيل القذافي.. الحرب مستمرة بعد سنة أولى من "ربيع النهضة".. منظمة العفو الدولية تقول إن ملف حقوق الانسان منذ اسقاط الرئيس زين العابدين بن علي في تونس في تراجع على يد الحكومة الاسلامية الحالية، إن ذلك "يثير الشكوك حول مدى التزامها بالإصلاح". وفي ليبيا.. بعد السنة الأولى من الربيع.. رصاص الثورة مازال يدوي في المكان، الحرب دائرة والحصار مستمر على بني وليد آخر معاقل القذافي.. كلاوديا غازيني المحللة في مجموعة الأزمات الدولية تقول "منذ الإعلان الرسمي لنهاية المعارك، أصبحت ليبيا فريسة النزاعات الداخلية". في السنة الأولى من الربيع.. مازالت ليبيا تحت وطأة الميليشيات المسلحة، ف"المتطرفون يحكمون ليبيا"، هكذا يقول رئيس المؤتمر الوطني الليبي محمد المقريف، "إن الواقع هنا يدق بقوة اجراس الخطر. الموقف الذي تشهده ليبيا يبعث على الحزن ويجب الخروج منه على وجه السرعة والا فإن العواقب ستكون وخيمة". يقول شحات العوامي رئيس المجلس المحلي لمدينة بنغازي السابق، "أصبحوا يطالبون بمطالبهم تحت تهديد السلاح.. لقد استقلت بعد ثلاثة اشهر بسبب الضغوط اليومية المصحوبة بتهديدات مسلحة ممن يطلبون وظائف او مساكن، في احدى المرات اتصل به عدة اعضاء بالمجلس وهم يرتعدون خوفا لأن رجلا يطلب منزلا قال لهم اذا لم تعطوني ما أريده فإنني سأدخل مبناكم بحقيبتين من المتفجرات وأنسفكم جميعا". وفي السنة الأولى بعد رحيل القذافي.. مازال ملف تشكيل الحكومة الليبية ملفاً صعباً يدور بين التيارات السياسية المختلفة، وسط حالة من الانفلات الأمني، فمائة وعشرون من سجناء الحق العام فروا من سجن الجديدة في طرابلس يقول ذلك رئيس جهاز الحرس الوطني في ليبيا، وجهاديون مسلحون يتوافدون على شمال مالي عبر ليبيا استعدادًا للحرب هناك، تقول ذلك صحيفة لوفيغاروا الفرنسية. وإلى ضفة كبيرة مظلمة ومؤلمة، بعد السنة الأولى من الربيع أو أكثر مازال نصف الشعب اليمني جائعاً، هكذا يقول برنامج الغذاء العالمي، وما يزال الشعب السوري كل يوم يقتل ويسيل دمه في حرب مفتوحة عصية لا أحد يعرف مستقبلها ولا إلى أين تتجه، والمحصلة 38 ألف قتيل، وأرضٌ خراب. هل يحق لنا بعد ذلك أن نحتفل.. أم نعلن الحداد، ونتوشح السواد؟ *من عبدالله الرشيد