عندما تدفق الجنود الأميركيون والمدنيون داخل أفغانستان، بعد سقوط «طالبان»، لم يتعرضوا في أيامهم الأولى للانتكاسات نفسها، التي أصابت السوفييت من قبل في جهودهم لتطوير جنوبأفغانستان. وبدلا من ذلك أغدقوا أموالاً طائلة على البلاد، حيث أنفقت أميركا على أفغانستان أكثر من 90 مليار دولار، لإعادة الإعمار وأنشطة الإغاثة، وهو ما يعتبر الرقم الأكبر حتى الآن، مقارنة بأي رقم آخر تلقته دولة أوروبية بموجب خطة «مارشال»، لإعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية، وفقا للمراقب الأميركي الخاص لأفغانستان. واستطاعت تلك الأموال أن تصنع المعجزات، بما في ذلك زيادة أعداد الأطفال الذين يذهبون للمدرسة، وانخفاض ملحوظ في عدد النساء اللاتي يتوفين أثناء الولادة، وفي عدد الأطفال الذين يموتون بسبب أمراض يمكن معالجتها بسهولة، إضافة إلى نمو مستقر في اقتصاد البلاد. لكن لم يعد واضحاً ما إذا كانت تلك التغييرات مؤهلة للاستمرار خلافا لما أنجزه السوفييت، والذي ذهب بسبب الحرب الأهلية في البلاد. فقد زاد إلى الضعف عدد المدنيين الذين يخضعون للعلاج، بسبب الإصابات من الأسلحة النارية، خلال الشهور العشرة الأخيرة من عام 2013، مع ارتفاع معدل الوفيات إلى 14% عن العام الماضي. ويشير أحد قادة المجاهدين السابقين إلى انعدام الأمن، حتى على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة كابول، ويضيف «في الماضي كان هناك قتال موسمي، لأن المقاتلين يذهبون في فصل الشتاء إلى باكستان، أما الآن فلدى المقاتلين قواعد ثابتة، ويستطيعون مواصلة التفجيرات حتى خلال الشتاء». ويبدو أن سيطرة الحكومة تضعف مع اتساع رقعة القتال. وتقول الأممالمتحدة، في بيان خاص بالشؤون الإنسانية، إن «عدد المدنيين الذين لا يستطيعون الحصول على الخدمات الطبية، قد تزايد من 3.3 إلى 5.4 ملايين»، مشيرة إلى أن أكثر من نصف مليون مواطن هجروا مناطقهم بسبب القتال. وحيث إن أفغانستان أصبحت الآن أخطر مكان في العالم بالنسبة لموظفي الإغاثة، فإن المستقبل يبدو مظلماً. ويحذر البيان من أن «أكثر سيناريوهات 2014 احتمالاً، هو مزيد من التدهور للوضع الجاري، ما يستدعي مزيداً من الاحتياجات الانسانية». وظل الجنود الأفغان على ولائهم للحكومة، بسبب الأموال السخية التي تدفعها لهم القوى العظمى على شكل رواتب، والتي تفوق ما كانوا يحصلون عليه قبل عقد من الزمان. ووعدت واشنطن بمزيد من الاموال والتدريب، إلا أن ذلك الوضع من المتوقع أن يتغير ما لم توافق الحكومة الأفغانية على التعاقد مع أميركا، لمزيد من القواعد العسكرية الأميركية على الأراضي الأفغانية، لكي تستطيع القوات الاميركية مرة أخرى إطلاق طائراتها من دون طيار، لمطاردة الميليشيات الدولية على طول الحدود مع باكستان. وأصبح الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، والأميركيون على طرفي نقيض في الوقت الذي يطالب كرزاي بمزيد من الامتيازات، واضعاً في اعتباره أن واشنطن تريد قواعد لها في أفغانستان أكثر من حاجتها هي للدعم منها. ويحذر دبلوماسيون أميركيون من مغبة انسحاب كلي مثلما حدث في العراق، وسيتساءل الذين لم يرحبوا من قبل بالتدخل الأميركي في بلادهم عن معنى هذا الانسحاب الكامل. الامارات اليوم