د. إبراهيم عباس يبدو أن اجتياز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امتحان الدورة الأولمبية الشتوية في سوتشي فتح شهيته للتدخل العسكري في شبه جزيرة القرم، حيث يقبع الأسطول الروسي في مينائها الاستراتيجي في سباتسوبول بجنوده البالغ عددهم أكثر من 20 ألف جندي، وربما أن «أحدًا ما» لا يعرف حتى الآن كيف انتشر مئات الجنود الروس في شبه جزيرة القرم بهدوء وسرية، فقد أفاق الناس ليروا غالبية المؤسسات والمرافق الحكومية تحت سيطرة هؤلاء الجنود. أما الخطوة التالية فقد أدهشت العالم بشكلٍ أكبر عندما حصل غالبية السكان على الجنسية الروسية، وهو ما طرح السؤال: هل ترمي موسكو من تدخلها في أوكرانيا عبر بوابة شبه جزيرة القرم إلى انفصال هذا الإقليم الذي اقتطعته روسيا من الإمبراطورية العثمانية نهاية القرن الثامن عشر وضمه الرئيس السوفيتي الأسبق نيكيتا خروشوف إلى أوكرانيا (موطنه الأصلي) في العام 1954، وظل كذلك بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، رغم تمتعه بحكم ذاتي محدود. السؤال الذي يطرح نفسه ونحن نتحدث عن أحدث أزمة دولية قد تطول فصولها وتتوالى توابعها بشكل يتجاوز التوقعات: لماذا تدخلت موسكو عسكريًا وماذا وراء سيطرتها على القرم؟.. الجواب هو ببساطة لأطماع روسيا التوسعية وحلمها الدائم في الوصول إلى المياه الدافئة عبر بوابة شبه جزيرة القرم. استراتيجيًا تعتبر أوكرانيا (روسيا الصغيرة)، وهي خط الدفاع الأول عن روسيا في مواجهة الناتو، وهي أيضًا مقر الأسطول الروسي. وفي المكالمة الهاتفية التي جرت بين أوباما وبوتين قبل بضعة أيام أخبر الأخير نظيره الأمريكي صراحة بأن لروسيا الحق في حماية مصالحها في أوكرانيا، وهذه المصالح تصطدم بطبيعة الحال مع أوكرانيا التي يطمح قادتها الجدد في أن تكون عضوًا في الناتو وفي الاتحاد الأوروبي. إحدى التداعيات المحتملة نشوب حرب أهلية في شبه جزيرة القرم والانفصال عن الوطن الأم، كما أن التتار الذين يُشكِّلون 12% من السكان يظهرون تأييدهم لكييف، وهم على أهبة الاستعداد لمقاومة أي تيار مناوئ لهم من قبل مواطني القرم الموالي غالبيتهم للروس والذين يُشكِّلون 60% من السكان. تلويح أوباما بعزل روسيا وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وتلميح وزير الخارجية جون كيري بإمكانية استخدام القوة بقوله لقناة إيه. بي. سي: أن الرئيس أوباما لديه كل الخيارات، يمكن أن يحد من جموح الدب الروسي، لاسيما في ظل تراجع سعر الروبل والأسهم الروسية بما يهدد بحرمان موسكو من الاستثمارات الخارجية التي تحتاج إليها بشكل متزايد لإنقاذ نموها الاقتصادي المترنح، لكن تكمن الخطورة في أن تجعل موسكو من السيطرة على شبه جزيرة القرم أمرًا واقعًا، لأن ذلك سيعني أنها الخطوة الأولى في خطة استراتيجية ترمي إلى استعادة روسيا للبلدان والمناطق التي فقدتها مع تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي، وأيضًا فرض أمر واقع أيضًا في سورية يخدم مصالحها في المنطقة. لا شك أن ازدواجية المعايير هي نقطة الضعف الأساس التي تعاني منها واشنطن وحلفاؤها الغربيون في الحرب الباردة الجديدة، لاسيما عندما يتهم الرئيس أوباما موسكو بانتهاك القانون الدولي ويتغاضى عن انتهاك إسرائيل للقانون الدولي منذ أكثر من 60 عامًا!. صحيفة المدينة