من دون تغييرات كبيرة وجوهرية يدخل رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك بحكومته الجديدة إلى قاعة عبد الله السالم يوم الأحد المقبل ليؤدي هو ووزراؤه القسم أمام برلمان مرسوم "الصوت الواحد" الذي شهد تغييرات مفصلية في تركيبته وتوجهاته، وقدم 17 نائباً شيعياً ولأول مرة في تاريخ الكويت، كما قدم 38 نائباً جديداً لم يسبق لأحدهم ممارسة العمل البرلماني، بل إن معظمهم مجهولو التاريخ السياسي، بعد مقاطعة المعارضة بكل تكويناتها(الإسلامية والليبرالية والمستقلة) الانتخابات وتوجهها إلى الشارع كملاذ لها، في مسيرات ليلية ونهارية بعضها اصطدم مع رجال الأمن وبعضها جرى ترخيصه ومر بسلام . المشهد الآن يرسمه ثلاثة أطراف رئيسية، الأول هو الحكومة التي أصبحت الكرة في ملعبها لتثبت أن نواب المعارضة كانوا يعوقون عملها، ويمنعون انطلاقتها صوب تنمية طال انتظارها، الثاني هو النواب الجدد المتهمون قبل أن يؤدوا القسم بأنهم موالون للحكومة، ولن يقوموا بدورهم التشريعي والرقابي، والثالث هو المعارضة التي تدفع في اتجاه تطوير أدوات المواجهة التي استنفدت معظمها ولم تعد تؤتي أكلها عن طريق الندوات والتجمعات والاعتصامات والمسيرات، ولم يعد في جعبتها سوى المبيت أمام مجلس الأمة مساء السبت المقبل حتى موعد افتتاح المجلس "الساقط" على حد قولهم، محذرين وزارة الداخلية من استخدام العنف أو التضييق عليهم وإلا سيضطرون إلى إعلان خططهم البديلة . كشفت جميع أطراف اللعبة السياسية أوراقها وأصبح "اللعب ع المكشوف" في معركة كسر الإرادات وعض الأصابع التي يعول كل طرف على الوصول إلى مبتغاه من خلالها، فالحكومة راهنت على عنصر الوقت واستنزاف المعارضة لكل أدواتها، ويبدو أنها حققت نجاحاً ملحوظاً في ذلك بدليل انخفاض عدد المتظاهرين في المسيرة الأخيرة عن سابقتها، وانخفاض الزخم الشعبي الموازي لتحركاتهم، كما نجحت جزئياً في التخفيض من حدة المقاطعة وحققت بعض النجاح أيضا بوصول نسبة التصويت في الانتخابات إلى 40% وهو الأقل في تاريخ الكويت، لكنه لا يجرح في الشرعية الشعبية للبرلمان على الاقل في الدوائر الثلاث الأولى التي تجاوزت نسبة التصويت فيها 50%، أما في الدائرتين الرابعة والخامسة فيمكن القول إنهما لا تعبّران بالفعل عن مجموع الناخبين إذ لم يصوت فيهما سوى 100 ألف ناخب من نحو220 الف ناخب في الدائرتين . وتراهن المعارضة على استمرار الزخم الشعبي عن طريق الندوات والتجمعات والمسيرات وما ينتج عنها احيانا من اصطدام مع قوات الامن وإلقاء القبض على بعض المشاركين فيها وتوسيع دائرة المعارضة، بينما عينها على اخطاء الخصم (الحكومة والبرلمان) لاثبات أنها ليست سبب التأزيم وتأخر التنمية، والتشكيك في مشروعية النواب الجدد وعدم تمثليهم للأمة، ويتجه فريق من المعارضة لاضفاء بعدين( مذهبي وقبلي) بالتشكيك في ولاء النواب الشيعة من ناحية، وعدم تمثيل نواب القبائل للقبائل الرئيسية في الدائرتين الرابعة والخامسة . من جهته،جدد النائب السابق د . وليد الطبطبائي رفضه مرسوم الصوت الواحد، معتبراً أن هذا المرسوم ساقط شعبياً ودستورياً، مضيفاً أن "مسيرة كرامة وطن 4 لن تكون الأخيرة، وسنستمر في إسقاط المرسوم وما ترتب عليه من مجلس اسقطه الشعب، من خلال العزوف عن المشاركة في الانتخابات" . وطالب الطبطبائي"بإسقاط هذا المجلس وعدم استمراره والعودة إلى نظام الأربعة أصوات"، مؤكداً أن "أي تعديل على نظام التصويت يجب أن يكون من خلال مجلس الأمة، الممثل الحقيقي للشعب"، مشيراً إلى "وجود حالة من الغضب الشعبي العارم، بسبب تغيير النظام الانتخابي، لذا فإننا ندعو الحكومة إلى التعامل بحكمة وحصافة مع التظاهرات الرافضة للمرسوم" . وعن التظاهرات داخل المناطق السكنية، قال إن "كتلة الأغلبية لم تدع إلى مثل هذه التظاهرات، ومن يخرج فيها هم شباب غاضبون من تعديل النظام الانتخابي"، داعياً الحكومة إلى "التعامل بعقلانية مع هؤلاء الشباب من دون استخدام أدنى وسائل القمع" . من جانبه، قال النائب في المجلس المبطل أسامة الشاهين:"نعلن استمرارنا في مقاطعة ورفض العبث الحكومي بالنظام الانتخابي المنفرد، والمخالف للمادتين 71 و81 من الدستور"، وأكد أن هذا العبث فرّغ المادة 6 من محتواها، والتي تنص على ان "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر للسلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور" . وقال النائب السابق مسلم البراك إن "حراكنا سيستمر حتى يسقط المرسوم والمجلس المزور" . وأكد النائب السابق فلاح الصواغ أن "الكويت تستحق الفزعة وتستحق التضحية" . وقال النائب السابق أحمد الشريعان "سنستمر حتى نحقق اهدافنا المنشودة التي تتمثل في اسقاط المرسوم"، وأعرب عن "قلقه ان تتخطى المسيرات حدود السلمية، وتصل إلى أمور تصعيدية لا تحمد عقباها"، متمنياً "حل هذه المشكلة قبل أن تصل إلى حد مأساوي يؤثر سلباً في الكويت وأهلها"، مؤكداً أن "عدم الاستجابة لمطالب المتظاهرين يزيد اعدادهم إلى الضعف في كل مسيرة يتم الإعلان عنها . حكومياً شدد رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك على أهمية المرحلة المقبلة من أجل تحقيق الانجاز أملاً التعاون من قبل مجلس الأمة، وأشار إلى أن "الحكومة ستعمل مع مجلس الأمة الجديد على تحقيق تطلعات الشعب الكويتي وانجاز مانرجوه جميعاً"، وأعرب عن تفاؤله تجاه النواب الجدد الذين قدموا مؤشرات ايجابية للتعاون مع الحكومة وصولاً إلى تشريعات وقرارات تصب في مصلحة الوطن والمواطنين . ورأى ان الوزارة ليست مقاماً للتشريف وإنما هي للتكليف والعمل الوطني وانه حرص على اختيار وزراء ورجال دولة يستحقون ثقة المواطنين بعيداً عن انتمائهم، وأكد أن الكرة الآن في ملعب السلطتين وليس لدينا عذر في أي اعاقة أو عرقلة لمسيرة التنمية، ونأمل من نواب المجلس الا يجعلوا قاعة عبدالله السالم للمحاضرات، وإنما قاعة انجازات لكل ما تقدمه اللجان البرلمانية من مشروعات ينتظرها أبناء شعبنا . وكشف النائب عدنان المطوع عن الاجتماعات التنسيقية التي حضر بعضها ممثلو كتل نيابية لتبادل الرأي حول مناصب مكتب المجلس، وتم التوافق من خلال التصويت على اختيار النائب علي الراشد رئيساً والنائب عدنان عبدالصمد نائباً وطلب منهما التواصل مع بقية النواب وترك حسم بقية مناصب مكتب المجلس لحرية الراغبين في الترشح وحظهم عند التصويت . وربط المطوع بين استمرار المجلس أربع سنوات وبين التوافق الحكومي النيابي على الركائز الرئيسية لانطلاق مسيرة العمل الضخمة التي ينتظرها الكويتيون . وأعلن النائب أحمد المليفي أنه سيترشح لرئاسة مجلس الأمة . وقال: لدي قناعة بأن الأمر يتم من خلال المنافسة الشريفة بين الراغبين في الترشح "ونحن جميعا حريصون على خدمة الكويت" . وبشأن قضيته الرئيسية في المجلس، أكد ضرورة إعادة اللحمة الوطنية وتجاوز كل سلبيات المرحلة الماضية والاستفادة من الإيجابيات وترميم العلاقة بين السلطتين . وشدد النائب عادل الخرافي على ضرورة "ألا يغضب أحد من المعترضين على تغيير آلية التصويت والمقاطعين للانتخابات"، مشيراً إلى أن "هؤلاء سيعودون إلى رشدهم وسيعودون مرة أخرى خلال الفترة المقبلة للمشاركة في الانتخابات، ونسأل لهم الهداية والتوفيق دائما لكونهم أبناء الكويت، ونحترم آراءهم ولو اختلفنا معهم فيه" . وأشار الخرافي إلى أن "المقاطعة لم تؤثر في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، والدليل على ذلك زيادة عدد المقاطعين من 53% خلال انتخابات فبراير ،2012 بينما نجد نسبة المشاركة بلغت 56%خلال الانتخابات التي أقيمت أخيراً "، واستنكر "تطاول بعض الشخصيات السياسية على أمير البلاد بالقول "لن نسمح لك، وغيرها من المفردات الغريبة علينا في المجتمع"، مشيراً إلى أن "أميرنا يمارس صلاحياته وفق الدستور ولن يرحل" . وأضاف: "علينا أن نحترم الأمير كونه أباً لجميع الكويتيين، وعلينا أن نحشمه بأدب، وبالكلمة الطيبة، ولدينا قانون ولدينا رأي ورأي آخر، ولا أحد يرضى بالذي يحدث في الشارع اليوم" . وأبدى النائب عبدالحميد دشتي استغرابه من "نواب سابقين لعقود من الزمن استشرى في عهدهم الفساد وكانوا من أسباب معاناة فئة البدون من دون أن يحركوا ساكنا واليوم يتاجرون بقضية كانوا هم من أسباب تفاقمها وبعدما أصبحوا خارج السرب صاروا يغردون" . وتابع: "لهم اقول فشلتم وفق كل المعايير فاتركوا لمن يحلقون في السرب اليوم اصلاح خرابكم" . وتمنى النائب خالد الشطي على الحكومة ان "تتقدم إلى المجلس ببرنامج عملها، الذي يجب ان يكون واضحاً، وفق وقت زمني محدد، إضافة إلى خطة تنمية من شأنها تحقيق رغبة الأمير بجعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً، وتكون هي خارطة الطريق التي بناء عليها يتم تحديد العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية" . وأبدى استغرابه من "الأصوات التي تنطلق وتتحدث في الكواليس من مذهبها وطائفتها، ثم تتنكر في العلن وتناقض نفسها في ظاهر خطابها"، مشدداً على ان "مثل هذه الاصوات لن تبني وطناً، فكم سيكون جميلاً لو تحركنا كنواب شيعة لحقائب وزارية تتولاّها شخصيات سنية، ويرشح النواب الليبراليين والإسلاميين السنة شخصيات شيعية؟" . وأكد ان "بناء الكويت الجديدة يتطلب جدية وشفافية تتجاوز الصفقات السياسية بين التيارات السياسية، لاسيما وأن الأمير يريد المجلس حقيقياً وليس صورياً" . واختتم الشطي: "لقد أصبحت مسؤولية تحقيق الإنجازات الآن على عاتق السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد أن وضع الامير البلاد على المسار الصحيح، وقام الناخبون بتلبية ندائه واختاروا ممثليهم في مجلس الأمة عبر انتخابات اتسمت بالشفافية والنزاهة بشهادة الجميع" . وأكد النائب عبدالله المعيوف أن ما يجري حالياً من عنف منظم في المناطق السكنية وترويع للمواطنين الآمنين وتحريض الشباب للاشتباك مع رجال الأمن هو تخطيط من "إخونجية" الكويت . وذكر أن هدف المخربين ليس تعطيل الحياة النيابية بل رفع وتيرة الاضطرابات والوصول إلى الاشتباك مع رجال الأمن للدفع إلى فرض الأحكام العرفية وتعليق الدستور لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من مخطط شيطاني يخفي بين أكمامه ما هو أخطر وأكبر من مسألة التصويت . وحاولت الحركة الدستورية "الإخوان المسلمون" التخفيف من حدة الاحتقان تجاهها، وقال القيادي بالحركة النائب السابق مبارك الدويلة إن أموراً خطرة حدثت في الفترة الأخيرة، لذلك كان لزاما علينا وضع النقاط على الحروف، واستنكر الحملة الإعلامية الشرسة التي تصب في اتجاه واحد، ونفى ممارسة الحركة للميكافيلية أو مبدأ الغاية تبرر الوسيلة"، ولذلك نحن قاطعنا الانتخابات، ولدينا قناعة أن الصوت الواحد غير دستوري"، وبالتالي فإن المجلس غير دستوري . وتابع: "لا يجوز لومنا أننا تركنا الانتخابات وجعلنا أشخاصاً آخرين لا نرغب فيهم يصلون إلى المجلس، لأن هذه ليست مسؤوليتنا، فمن عقّد الحبال هو من يتحمّلها" . وأكد أن "الصوت الواحد ليس لمصلحة البلد وهذه قناعة لدينا، ليس لأن هناك 17 شيعياً وصلوا، وإنما لأن الصوت الواحد ليس في مصلحة البلد" . وقال: الديمقراطية في العالم للأغلبية، ولم نشهد يوما في العالم أن هناك قانوناً لمصلحة الأقلية .ومضى قائلاً: غير صحيح أن الصوت الواحد قضى على الفرعيات، بل إن المقاطعة التي كانت نسبتها 60% هي السبب، مشيرا إلى أن الجميع يشعر بظاهرة شراء الأصوات، وفي الدائرة الخامسة - على سبيل المثال - عندما قاطعت القبائل أصبح شراء الأصوات "على عينك يا تاجر"، والوضع لا يخلو من الدائرة الرابعة . وتابع: غير صحيح أن المقاطعين 20%، مؤكدا أن هناك 60% لم يشاركوا، ومن غير المعقول أن توجه الحكومة وسائلها وتشغل "المطاوعة" لإصدار فتاوى بأن هذا المجلس شرعي، فإن كل هذا الأمر من شأنه أن يحرك الباقين، لكنهم قاطعوا وبالتالي فإن المقاطعة هي 60% .وقال :إن هذا المجلس أول عيوبه أنه غير متجانس، ومن بين 50 شخصاً لا يجدون رئيس مجلس مناسباً، ولذلك فإنه وللمرة الأولى يترشح لرئاسة المجلس 6 نواب! وعن دور المعارضة وكيف سيكون، قال الدويلة: إن العيون كلها تتجه إلى حكم المحكمة الدستورية، مشيرا إلى أنه إذا حكمت المحكمة بدستورية القانون، فإما أن تكتفي المعارضة بالحكم وتحترمه، وإما أن تسعى المعارضة إلى إسقاط المجلس سياسياً عن طريق وضع سلبياته أمام الأمير، لافتاً إلى أن هناك مجموعة من النواب عليهم أن يذهبوا إلى الأمير، بعد أن هدأت الأمور، وهذا لن يتم إلا عن طريق المحكمة الدستورية إذا حكمت بدستورية القانون .