في اليوم الذي تسقط فيه أشعة الشمس عمودية فوق خط الاستواء، يتساوى طول الليل والنهار في كل بقعة من بقاع الأرض تقريباً، ويطلق على هذه الحالة «الاعتدال الربيعي». وهو يصادف يوم الحادي والعشرين من شهر آذار/ مارس. وإن كان هذا اليوم قد ارتبط علمياً بالشمس وزاوية سقوط أشعتها على الأرض، فإن علاقته بشعوب الأرض أقدم من ذلك بكثير، فقد بنت علاقة وطيدة بينه وبين أساطيرها ومعتقداتها، وكانت عودته إيذاناً بعودة الربيع، فقد احتفل قدماء المصريين بهذا اليوم احتفالات كبيرة، حيث اجتمعوا عاماً بعد عام أمام واجهة الهرم الشمالية، قبيل المغيب، ليشهدوا منظر قرص الشمس المائل نحو الغروب مقترباً من قمة الهرم، لتبدو واجهة الهرم وقد انشطرت قسمين، وهو عيد مرتبط عندهم ببدء البعث، حيث اعتقدوا أن الخلق بدأ في هذا اليوم، وأطلقوا عليه «يوم شم النسيم» حيث يخرج الجميع إلى الطبيعة الساحرة والحدائق والمنتزهات، للاستمتاع بالنسيم العليل. وكذلك احتفلت به شعوب ما بين النهرين، فارتبط عند السومريين بموسم بذر الشعير، ويعده البابليون رأس السنة عندهم، وقد ذكر الفردوسي في ملحمة الشاهنامة قصة الملك الذي حمل الجن مركبته إلى كل أطراف الأرض، وبذلك أصبح هذا اليوم عيداً قومياً عند الفرس، مرتبطاً ببدء السنة الجديدة وعودة الحياة إلى الأرض وتجددها، أما الكرد، فلهم أسطورتهم الخاصة التي تحكي عن ملك طاغية هو (الضحاك) ربطت حول كتفيه ثعابين جائعة، كانت لا تهدأ حتى يطعمها أدمغة الشباب، لذا فإنه كان يأمر بقتل شابين كل يوم، ليسكت الثعبانين الجائعين، وتستمر الأسطورة إلى أن يأتي (كاوا) الذي احتال عليه بأن أرسل أدمغة الخرفان إلى الملك، وأرسل الشباب إلى الجبال، ليربوا هناك ويشتد عودهم، وهكذا فعل كل الناس، فخلق (كاوا) جيشاً قوياً، وعندما أصبحت أعدادهم كافية نزلوا من الجبال، واقتحموا قلعة الضحاك، وأشعلوا ناراً هائلة في الجهات الأربعة من القلعة، ليعرف الناس أن عهد الضحاك قد انتهى، وفي اليوم التالي أشرقت الشمس من جديد، وبدأت الأرض تزهر وتنبت، فكان ميلاداً جديداً أطلق عليه الكرد «النوروز». وإن كان هذا اليوم عند الأمم القديمة هو عيد تجدد الحياة، والبعث، والخلق، وانتصار الخير والحق، وشروق الشمس، وانتفاض الطبيعة؛ فإنه يرتبط أيضاً في الزمن الحديث بعيد الأم، الذي لم تعرفه المنطقة العربية إلى أن نادى به من مصر الأخوان أمين في جريدة أخبار اليوم، وتم الاتفاق بعدها على أن يكون يوم بدء الربيع يوماً للأم كذلك، ليتناسب مع المعتقدات الشرقية المتوارثة في المنطقة بأكملها بما يرمز إلى التفتح والبعث والحياة التي تعد الأم أحد رموزها. وإن كان الأمر كذلك، فإن سؤالاً يراودني في زمن يشبه زمن الضحاك الذي قتل الشباب والأطفال والنساء والشجر والحجر بلا وجه حق، ليغذي شروره، في زمن تجثم على صدره غيوم الظلم والسواد، لتقتلع حبات الأكباد قلعاً من صدور أمهاتهن، هل تنتظر الأمهات فعلاً في عيدهن حبات الألماس وقلائد الذهب، وباقات الورد، وما تزينه الوسائل الإعلامية في عيون الناس أنه دليل محبة ولولاه ما كانت المحبة؟ هل يحتاج عيد يحتفي بالأم والأرض إلى ذلك البذخ والترف، ليحدد قيمتها عند المحتفلين؟ هل عيد يمجد الطبيعة واخضرار الأرض، وزوال الظلم، وانتشار الحرية والنصر، يحتاج فعلاً إلى بريق الماس والذهب؟ هل عيد ارتبط ب «شم النسيم» وب «شعلة كاوا» تبذل فرحته الأموال من دون سواها؟ أليست هدية الأم في عيدها أن لا تنذر أبناءها للموت والجوع والقهر؟ أليست في رؤية بسمتهم والحياة تثمر في دروبه؟ فكما أن بعث الطبيعة هو حياة لكل الناس، فإن فرحة أم هي فرحة كل الأمهات، وكذلك لوعة قلب هي جرح في قلوب كل الأمهات. [email protected] The post وإن عاد الربيع appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية