تزداد نسبة الزراعة الرأسية في العالم نتيجة عوامل مختلفة، إلا أنها لا تزال غير منافسة بالحد المطلوب، نتيجة ارتفاع تكلفة المعدات المستخدمة فيها لتنمية النباتات، الأمر الذي يُشكّل دافعاً للخبراء لتطوير وسائل أكثر نجاعة لمعالجة الخلل الكامن فيها. وذكرت مجلة "نيو ساينتست"، العلمية المتخصصة، في تقرير لها حول هذا الموضوع أخيراً، أن مدينة سكرانتون، في ولاية بنسلفانيا في أميركا تحتضن أكبر مزرعة رأسية، بمساحة تبلغ نحو 3.25 هكتارات وبرفوف مرتفعة تتسع لزراعة 17 مليون نبتة، حيث تزرع أنواع مختلفة من النباتات ومنها الخس، الكرنب، السبانخ، الطماطم، الفلفل، الريحان والفراولة. ويشير الاختصاصيون إلى أن إنتاج هذه المزرعة يفوق انتاج أول مزرعة رأسية أنشئت في مدينة نيو بوفالو عام 2011، بنحو 10 أمثال. وتهدف هذه المزارع بشكل أساسي الى تجنب مشكلات الزراعة في المناطق الجافة لصعوبة استصلاحها، بالإضافة إلى المناطق الموبوءة، فضلاً عن اختصار المسافات الطويلة بين المزارع والمدن. وتقلل هذه الوسائل الزراعية الحديثة من مستوى الانبعاثات الكربونية الناتجة عن توصيل المزروعات لمناطق الاستهلاك في المدن. هدف المزارع الرأسية ويمكن تغذية النباتات المزروعة عبر الري بالتنقيط وأنظمة التربة الخالية من الأملاح، والإضاءة الاصطناعية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأنواع من الأنظمة يسهل إدارتها إلكترونياً من خلال مختلف برامج الكمبيوتر، بحيث تحصل جميع النباتات على الماء والغذاء بشكل دوري ومتساوٍ. كما يمكن للمزارع التحكم بجميع هذه الأنظمة عبر هاتفه الخليوي. الأمر الذي يمكنه أيضاً من متابعة أكثر من مزرعة في الوقت ذاته، من حيث حصول كافة النباتات على الغذاء اللازم، وموازنة نسبة الأملاح في التربة. وبالتالي إذا كان المزارع خارج بلاده فإن ذلك لن يمنعه من إدارة مزرعته عن بعد، الأمر الذي يصب أيضاً في خانة تقليص تكلفة العمالة اليدوية. ويرى الداعمون لفكرة المزارع هذه أنها وسيلة لإشباع حاجات الشعوب التي باتت تنحو أكثر فأكثر نحو السكنى في المدن، حيث تشير توقعات الأممالمتحدة في هذا الشأن إلى أن 86%، من سكان الدول النامية سيقطنون المدن عام 2050، الأمر الذي قد يزيد من الضغط على الموارد، لذلك فإن الزراعة الرأسية تعمل على توفير الغذاء حتى في أحلك الظروف الجوية المضطربة. وطالما أن المزارعين يستطيعون حماية محاصيلهم من الآفات الزراعية، فلن يحتاجوا إلى مبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية. فضلاً عن أن النباتات في هذا النوع من المزارع تمتص المياه بطرق أفضل من المزارع التقليدية. وانبثقت فكرة أول مزرعة رأسية أنشئت في الولاياتالمتحدة من فصول الجفاف الطويلة التي سادت أجزاء من البلاد وقتها. وفي هذا الشأن يقول دانيل كلوكو، المدير التنفيذي في شركة "غرين سبيرت فارم" : "لقد صممنا مزارعنا الرأسية لتعيد معالجة المياه، وهي تستخدم ماء أقل بنسبة 98% للنبتة الواحدة مقارنة بالطرق التقليدية". تصميم المزارع الرأسية وتصمم معظم المزارع الرأسية لتعتمد على مصادر الإضاءة الطبيعية قدر الإمكان، مثل مزارع "سكاي غرين" في سنغافورة، إلا أن الحال في المزارع اليابانية في مدينة "نوفيج"، مغاير لذلك، حيث تم تصميم المزرعة بدون نوافذ، إلا أن النباتات تعتمد في بنائها الضوئي على أطياف معينة من الضوء لإتمامها عملية البناء الضوئي الضرورية لنموها. وتنتج هذه المزرعة نحو 6 ملايين قطعة من الخس في العام. وفي هذه الحالة قد تكون فاتورة الكهرباء المرتفعة نسبياً هي العائق الوحيد أمام انتشار هذا النوع من المزارع وتحقيقها منافسة عالية في السوق. وفي هذا الصدد عمل الخبراء في شركة "فيليبس"، بهولندا على تقليل نسبة الإنارة الصناعية المستخدمة في مزرعة "نوفيج"، إلى 68%، ما عمل على تخفيض التكلفة بشكل كبير. وأشارت مجلة "نيو ساينتست"، إلى أن الأبحاث الحديثة في هذا المجال تشير إلى عدم حاجة النباتات المزروعة بهذه الطريقة إلى الضوء الاصطناعي ذي الكثافة الثابتة طوال الوقت، فيمكنها النمو في ظل تباين تلك الكثافة الضوئية طوال اليوم، تماماً كما هي الحال مع الضوء الطبيعي من الشروق وحتى الغروب. وهذا بدورة سيفضي إلى توفير الطاقة. وتعمل هذه الاختلافات أيضاً على دفع النباتات للإزهار بشكل أسرع، وفي هذا الشأن يقول دانيل كلوكو، المدير التنفيذي في شركة "غرين سبيرت فارم" : "إن الطماطم والفلفل دخلت في مرحلة الإزهار بشكل أسرع، مقارنة بالضوء الثابت الكثافة". استخدام ذكي للأماكن تبنى هذه المزارع الرأسية في أماكن مختلفة، ومنها المدارس. وتستخدم وكالة الدفاع الأميركية للمشاريع والأبحاث المتقدمة على سبيل المثال 18 طابقاً للمزارع الرأسية في جامعة تكساس لإنتاج نباتات معدلة وراثياً، والتي تستخدم لإنتاج البروتين المستخدم في تصنيع اللقاحات. وتلعب الصدفة أيضاً دوراً في بناء هذه المزارع الرأسية. ففي اليابان ولدى انفجار مفاعل "فوكوشيما"، أصبحت الأرض غير قابلة للزراعة، وبالتالي تم بناء المزارع الرأسية فيها لتلبية حاجات السكان من الغذاء المطلوب. البيان الاماراتية