كتب - نشأت أمين: قال الدكتور محمد موسى الشريف إن الأمة الإسلامية اليوم تعصف بها أحداث ضخام، وتلفها أهوال الانقسام، ويتكالب عليها الأعداء، ينتقصون من أرضها وينتهكون من عرضها.. واللبيب العاقل في هذا الزمان يحار كيف يثبت نفسه، وكيف يثلج صدره، وكيف يشفي غليله عندما يسمع الأخبار من هنا وهنالك.. من الشام وما يجري فيها، ومن مصر الجريحة وأسدها المحبوس، من بورما وما يحدث فيها من قتل للرجال والنساء والأطفال، ومن العراق أرض الخلافة الإسلامية أرض البطولة والكرم والشجاعة وما يجري في العراق على أهل السنة من أهوال، ومما يجري في أرض فلسطين وبيت المقدس مسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووصية رب العالمين في صدر سورة الإسراء. وأشار فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى أن المسلم في حيرة من أمره كيف يتحمل قلبه كل هذه الآلام، وكيف يتحمل عقله كل تلك الأهوال. وأشار إلى أن كل ما يمكن المرء تخليه عناه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة، وكل ما تتفطر له الأكباد وتتقطع له القلوب، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يواجه مثل هذه الصعاب وأكبر منها، ومع ذلك كان يرددها بكل ثقة وتفاؤل بنصر الله "ألا إن نصر الله قريب"، فكان يردد ونفسه مطمئنة ويطمئن أصحابه رضي الله عنهم بذلك. إخواني الكرام: كم نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم من آلام، وكم نزل به من أحداث، وكم كانت قوى الشر آنذاك تعلن الحرب على دعوة الإسلام وتريد استئصال شأفتها.. ويكفيكم وصف المولى عز وجل في سوره الأحزاب (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً). فكانوا يحفرون الخندق وهم جوعى وفي خوف شديد، وفي ظل هذه الأجواء عاقت الصحابة صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ بالمعاول، فاشتكى الصحابة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآها ألقى ثوبه، وأخذ المعول، وقال: "بسم الله". ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله لأنى أبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقلع ثلثها الآخر، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصور المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقلع بقية الحجر، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة. انظروا إلى الأمل الذي تمتلئ به نفسه الشريفة كيف يعد أصحابه في مثل هذه الأهوال بملك قصرى وقيصر، أرأيتم أملا مثل هذا الأمل، وثقة بنصر الله كمثل هذه الثقة، "إذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم". سراقة بن مالك وفى موقف آخر يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مطاردا، ويقابله سراقة بن مالك يعترضه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب يا سراقة ولك سواري قصري .. يوعد سراقة بسواري قصري ملك الروم التي كانت دولة عظمى أنذاك وهو مطارد وضعيف بمنطق بعض الناس.. ويموت الحبيب صلى الله عليه وسلم وتفتح الروم ولم ينس الصحابة هذا الوعد، فيأتي عمر بالسوارين ويلبسهما لسراقة بن مالك رضي الله عنه. نعم تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم فهو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. وفي يوم من الأيام شكى خباب بن الأرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له "يا رسول الله ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا فقال له النبي قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه شيء، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون". الليل والنهار ومضى الشريف قائلا: أيقول بشر مثل هذا الكلام إلا إذا كان نبياً مؤيداً ومؤذراً بنصر الله، وهو الذي قال "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر" نعم هذه أحداث كلها ثقة وتفاؤل بنصر الله، فكان دائماً لا تؤثر عليه أهوال ومحن، ولم تهتز ثقته لحظة بنصر الله، بل كان دائما يثبت الصحابة رضوان الله عليهم ويحفزهم لأنه "لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون". الخطبة الثانية الحمد الله الواحد القاهر العزيز الغفار مقدر الأقدار ومقدم الليل على النهار.. أحمد الله خير الخلق وأذكاه وأشمله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد... أما بعد معاشر المسلمين أحباب الله كيف يمتلئ المرء أملاً وحقيقة ماثلة ونحن نعيش في هذا الزمان الممتلئ بالفتن، هناك قاعدة حقيقية وهي أنها كلما استيقظ المسلمون ووعدوا والتزموا بدينهم وسنة نبيهم تعرضوا للمحن والفتن والابتلاءات لعدة أسباب منها أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يختبرهم "أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجه والله خبير بما تعملون " . "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون"، "ولو شاء الله لانتصر منهم". وتعليقاً على ذلك قال الشريف إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يبين المؤمن الصادق من المتخلف القاعد، والسبب الآخر أن أعداء الإسلام لا يرضيهم أبداً أن يعيش المسلمون في عزة وتقدم ورخاء وأن يسترجعوا السدة العليا التي كانوا عليها ألف سنة، لذلك تزيد الفتن والبلاء على المسلمين وتشتد الحرب عليهم، والآن كيف لا يمتلئ المرء أملاً والله عز وجل يقول "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار"، "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين". فتح القسطنطينية وحكى الخطيب السعودي في ختام خطبته أن الصحابة في يوم من الأيام أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا قد سمعوا أنه تحدث عن فتح القسطنطينية فسألوه أي المدينتين تفتح أولاً فقال مدينة هرقل وبعد ذلك فتحت كما وعد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالإسلام ينتصر بالمسلمين المعتصمين بكتاب الله وسنه نبيه وكذلك المؤمنات المعتصمات بكتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم، "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون"، "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" ... فالله يمكن لنا في الأرض وسينصرنا نصرا مؤيدا ومؤزرا. وأكد في ختام كلامه أن الطغاة الذين أذلوا عباد الله عقب الربيع العربي سيزلون لا محاله أسوة بمن سبقوهم، وسيقام العدل والرخاء وسيصلي المسلمون بالمسجد الأقصى بعون الله، وإن غداً لناظره لقريب.. ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً. جريدة الراية القطرية