الأربعاء 19 ديسمبر 2012 10:01 مساءً الملاحظ الصحفي - المجلة أحدث الكاتب الصحفي في جريدة النيويورك تايمز نيكولاس كرستوف يوم أمس ضجة كبيرة في "توتير" بعد أن تم منعه من دخول مملكة البحرين. كتب أكثر من ثلاثين تغريدة ذكر فيها أن منعه كان بسبب تغطياته السابقة للأحداث في البحرين، وفي تغريدة أخرى كتب معتذرا للشعب البحريني لأنه "خذله" ولم يقم بواجبه الأخلاقي تجاهه. بين التغريدات الغاضبة، أشار الكاتب الأميركي إلى حسن تعامل موظفي الأمن وهو ما يختلف عن التعامل الذي لقيه في المرات السابقة التي منع فيها من دخول دول مثل ايران أو الكونغو . الفنان نصف الموهوب بن أفليك دخل على الخط التوتيري و أشار مازحا برغبته بالمساعدة. أثارتني هذه القصة لأنها تعكس شعوراً متصاعداً بالبطولة بين الصحافيين خصوصا أولئك الفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي مثل توتير، وكرستوف هو من أشهر الأسماء المنخرطة في هذه الموجة. الحقيقة أن هذا الشعور خاطئ ومخادع لأن على الصحافي الحقيقي أن يتحلى بالرصانة والهدوء، وأن يبتعد قدر الإماكن عن إثارة الضجيج خصوصا إذا كان هو شخصياً طرفا في هذه القضية. أما لماذا؟ فلأن مجرد دخوله كنجم وبطل في هذه القضية سيفقد الموضوع الذي يكتب عنه الحيادية المطلوبة. كصحافي يلزمه أن لا يدمج عواطفه الشخصية بما يكتب، فضلاً على أن يجعل القصة كلها تتمحور حول شخصه. لاحظنا أخيرا أنه كلما يمنع كاتب من دخول دولة ما إلا ويبدأ بكتابة تغريدات مبالغ فيها عن سبب المنع، وفي رأيي المتواضع أن هذا يعود لأعراض ما بعد "الربيع العربي" الذي شحن الكثير من الكتاب بشعور الاضطهاد و"صراعهم الخيّر" ضد قوى الشر، كما يعتقدون. هذه الموجة العارمة حقنت الكثير من الصحافيين بشعور البطولة. من الجائز والمتوقع أن تفعل ذلك الجماهير العاطفية، ولكن الصحافي يجب أن يبتعد عن هذه الموجة بقدر ما يستطيع. نيكولاس كرستوف يعلن على تويتر منعه من دخول البحرين صحيح أن هناك أنظمة مستبدة حول العالم، ولكن حتى مع هذه الدول فإنه على الكاتب أو الصحافي الذي يذهب للتغطية أن يكشف عن هذا الاستبداد بالحقائق والأرقام لا بلغة العواطف. ولكن، في موضوعنا، لا يمكن القول إن مملكة البحرين تنتمي بأي حال من هذه الأحوال لهذه الدول، فهناك حرية صحافية معقولة ونقد واسع وحوار سياسي داخلي وناشطون في مواقع توتير.. ودخول وخروج الصحافيين العرب و الأجانب مستمر ولا موانع أو معوقات. البحرين ليست بلدا منغلقا أو منعزلا كما أراد أن يروج مثل هذا الكاتب، وهو كما أشرت، تعبير عن شعور تراكم في السنوات الأخيرة يجعل الصحافي يتصور حدّ الإعتقاد أنه هو المنقذ ومن دونه سيموت الناس. ثم أنه من غير المعقول القول إن منع دخول صحافي هو ما سيتسبب في حجب الحقائق عن الجماهير "التي تنتظر تقاريره ومقالاته"، وهو القادم من بعيد، ليكشف للناس كل ما يجهلونه من قصص وحكايا. هناك وهم لدى العديد من الصحافيين الغربيين المشاهير – ليس أولئك المحترفين والرصينين – أنهم وحدهم القادرون على نقل الحقائق وكشف المستور وتوقع المستقبل. لكن هذا شعور واهم لأن الصحافة العربية تطورت خلال السنوات الأخيرة، وارتفع فيها مستوى الحرية، والأهم أن كثيرا من الكتاب العرب أكثر دراية ومعرفة بما يجري في المنطقة. هم أفضل بمراحل من كتاب مشاهير مثل توماس فريدمان الذي خابت أغلب توقعاته وتحليلاته حول منطقة الشرق الأوسط، كما ذكرت في تدوينة سابقة. إلى حد الآن لا أحد يعرف لماذا فعلا منع الصحافي نيك كرستوف من دخول البحرين، ولكن أنا شبه متأكد أنه سيسمح له بالدخول مستقبلا، لنكتشف أن كل هذا الضجيج هو مجرد زوبعة في فنجان توتير، والمستفيد منه هو وحده الصحافي الذي تلقى العشرات من عبارات الإعجاب والمديح. لكن هل نتوقع منه تغطية حيادية في المرات المقبلة. في الحقيقة هو صحافي متمرس ولكن حتى الصحافي المتمرس تعميه المشاعر الرسولية إذا سكنت عقله وتدفقت في شرايينه.