في أيام المدارس، كان الطالب يفلت من مضايقات المتنمّرين إذا كان لاعباً في النادي، أو كان معروفاً لدى إدارة المدرسة لكثرة مشاركاته، أو كان قوي البنية مثل الخرسانة المسلحة، أو كان صلباً وحازماً قلبه من حديد، أو كان دبلوماسياً يعرف كيف يتصرف في المواقف الحرجة ويداري خوفه بالتمثيل والتظاهر بالعنفوان، كما كنت أفعل. أما من كان بديناً مثقلاً بلحومه ومرتبكاً بشحومه، أو ضعيفاً كأنه قطة مريضة، أو منعزلاً يمشي بجانب الحائط، أو وديعاً لا يؤذي حتى النمل، أو كان ابن أمه دمعته على خده، فكل هؤلاء المساكين كانوا أهدافاً سهلة للأولاد المتنمّرين، وكانوا يتعرضون للإيذاء الجسدي والمعنوي والذل والهوان. والخلاصة أن الأولاد كانوا أربع فئات: فئة متنمّرة، وفئة تتعرض للتحرش بالقول أو بالفعل، وفئة ثالثة تعيش في أمان وسلام، وفئة أخيرة كانت بمنأى عن المضايقات، لا لمواصفات ذاتية فيهم، وإنما لشيء يتعلق بذويهم، يعني أنا وأنت في وقتنا الحالي. وقبل كل شيء عليك كولي أمر أن تغسل يديك بالماء والصابون من الخبراء والتربويين الذين يجلسون في المؤتمرات لمناقشة ظاهرة التنمّر، فالظاهرة لا تحتاج إلى دراسة ولا إلى كلام، فقد كانت متفشية في المدارس منذ أن عرفتها سنة 1981، ولا تزال موجودة برغم أنني تخرجت في المدرسة والجامعة وتزوجت وأنجبت وصار أولادي في المدارس، وهذا يعني أن الخبراء والتربويين لم يفعلوا شيئاً طوال تلك العقود سوى التهام الفطائر في البوفيه الذي يعقب جلسات النقاش. كل ما هنالك أن طفلاً نشأ في غابة من الصراخ والعويل وتبادل الضرب والإهانات حتى صار نمراً، ثم أخذ يتنمّر على عيال الناس الذين تربوا في بيوت وادعة ومحترمة، ومن ثم فلا حل لهذه الظاهرة حتى لو تدخل فيها المجتمع الدولي ووضع برنامجاً لتأهيل المتنمّرين، مثلما لا حل لظاهرة السرقة، والاعتداء، والكذب، والخيانة. وعليك كولي أمر أن تغسل يديك أيضاً، بالماء والصابون، من ذوي الأولاد المستأسدين الذين يزأرون فوق رؤوس أقرانهم المسالمين ويثبون عليهم وينشبون فيهم مخالبهم ويقطعونهم بألسنتهم الحادة وأيديهم الطويلة، فهم على عكس ما تأمل وتتوقع وتفترض، لن يعترضوا طريق النمورية التي يسير فيها أولادهم، بل على العكس، ينامون ملء جفونهم لأن أولادهم ضواري يخشاهم الجميع، خصوصاً إذا كان قانون الغابة هو السائد في بيوتهم. ... المزيد الاتحاد الاماراتية