تزامن التألق اللافت للاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي خاصة تسجيله للأهداف بالجملة مع نجاح إدارة ناديه برشلونة في المفاوضات معه لتمديد عقده مع الفريق حتى العام 2018 أي عندما يصل عمره إلى ال31 سنة ورفع شرطه الجزائي إلى 250 مليون يورو ،وهو سقف خيالي لقطع الطريق أمام أي نادٍ تسول له نفسه مناقشة انتدابه ، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه على جميع مكونات نادي برشلونة خاصة العشاق في إسبانيا و خارجها و بما فيهما أيضًا المعني بالأمر هو أين يمكن أن يلعب ميسي خارج برشلونة و يحقق نفس النجاح و دون أن يتراجع مردوده ؟ و هو السؤال الذي تسعى صحيفة " إيلاف " أن تنفرد بتقديم إجابة له لقرّائها . ديدا ميلود - إيلاف : الواقع أن المعطيات الفنية التي فرضها البرغوث الصغير منذ انضمامه لبرشلونة و خاصة منذ أن أصبح ضمن التعداد الأساسي موسم 2004-2005 تؤكد بأنه لا مكان له خارج أسوار النو كامب ، و برشلونة هو النادي الوحيد الذي يمكن أن يلعب له بنفس الأداء الراقي الذي يقدمه في جل المباريات ، ليس لأنه لا يوجد نادٍ غير قادر على شراء عقده، فهناك الكثير من الأندية خاصة تلك التي يمولها الأثرياء العرب مهما غلا سعره ، و ليس لأن فرص نجاحه في فريق آخر ضئيلة فإمكانياته الفنية و سنه اليافعة تسمحان له بالتفوق حتى وان كان بأداء اقل مما هو عليه حالياً ، لكن الأمر لا يقتصر على الجوانب الفنية و المالية التي تؤثر على مستقبل أي نجم و تجعله على الأقل يفكر في تغيير الأجواء إلا ميسي فإن المسألة معه تختلف كثيراً لأنها تتعدى لتشمل جوانب أخرى من حياته ، فالعلاقة بينه و بين ناديه بجميع الفعاليات لم تعد مجرد علاقة موقتة بين لاعب نجم ونادٍ تنتهي عندما يتراجع مستواه فيتم وضعه على دكة الاحتياط تمهيداً لرحيله ، أو على لائحة المسرحين لبيعه و الاستفادة من ريعه للتخلص من أزمة مالية تعيشها خزينة النادي ، مثلما كان الحال مع مواطنه دييغو مارادونا الذي غادر النو كامب بعد موسمين فقط عام 1984 باتجاه نابولي الإيطالي لأنه لم يتأقلم مع أجواء كاتالونيا ، أو البرتغالي لويس فيغو الذي رضخ لأموال رئيس ريال مدريد في العام 2000 ، أو البرازيلي روماريو الذي اثر العودة إلى بلاده بعد أقل من موسمين لأنه اشتاق إلى ملاهي و شواطئ و فتيات كوبا كابانا و أمثلة أخرى كثيرة توضح علاقة النجوم مع الأندية و إمكانية إنهائها بجرة قلم ، فميسي و بعد حوالي عشر سنوات من تواجده في برشلونة أصبح مثل السمكة لا يمكن أن تغادر بحر برشلونة و إذا غادرته فإنها معرضة للموت. فالبرغوث أصبح جزءاً هاماً من تاريخ برشلونة بالنظر إلى الإنجازات الكثيرة التي ساهم بقسط كبير في تحقيقها على الصعيد المحلي والقاري وعلى الصعيد الفردي جعلت النقاد و الخبراء يقارنونه بمواطنه مارادونا و البرازيلي بيلية ، و إذا كان بعضهم لا يزال متحفظاً في إجراء هذه المقارنة و يتريثون حتى تألقه في كأس العالم التي تبقى نقطة ضعفه فإن الجميع يصنفه بعدهما مباشرة بعيداً عن بقية النجوم الحاليين على غرار رونالدو و إبراهيموفيتش و إنييستا و السابقين و ما أكثرهم على غرار بلاتيني و فان باستن و غوليت والجميع يعلم بأن الثابت في مسيرة برشلونة منذ عام 2004 هو اللاعب ليونيل ميسي . و يجمع المتابعون لهذا الموضوع بأن ميسي لا يمكن تغيير ناديه لأن ناديه أصبح بالنسبة له بمثابة المنتخب الوطني فما دام أنه يستحيل لأي لاعب تغيير منتخب بلاده فإن الأمر كذلك بالنسبة للفتى الأرجنتيني فهو مستمر حتى تعليق الحذاء و ربما سيكون له مكان آخر في النادي بعد الاعتزال يؤكد وفاءه الدائم للنادي الذي عالجه من المرض فلولا برشلونة ربما كان ميسي الآن مشرداً في أحد الشوارع الأرجنتينية أو مصاباً في أحد مستشفياتها التعيسة . فميسي يدرك جيدًا بأن تكفل برشلونة بعلاجه من المرض لوحده دين ثقيل يصعب تسديده و جميل يستحيل إنكاره ، و أفضال برشلونة بإدارته و محبيه و إعلامه لا تتوقف عند هذا الحد فالكل يسانده بشكل مطلق في تحقيق إنجازات فردية و التفوق على بقية منافسيه و على رأسهم الغريم البرتغالي رونالدو سواء في قضية الرقم القياسي للألماني جيرد مولر أو في موضوع نيله الكرة الذهبية الرابعة على التوالي و التي ما كان ليحوز عليها لو كان يلعب لنادٍ غير برشلونة الذي قام بحملة لردع المطالبين للفيفا و مجلة فرانس فوتبول منح الجائزة لغير ميسي بحجة الحفاظ على مصداقية الجائزة. و أكثر من ذلك يؤكد الخبراء بأنه و مثلما أصبح ميسي جزءاً من تاريخ برشلونة العريق فإن برشلونة أصبح جزءاً من حياة ميسي بل الجزء الأهم في حياته بل اصبح جزءاً من كيانه فهل يعقل أن يتخلى احد عن جزء من كيانه يدرك جيداً بأنه قد يتسبب في ضياعه بالكامل، كما أن العامل المادي الذي يؤثر كما قلنا كثيراً في حركة اللاعبين الشتوية و الصيفية لا يمثل اعتباراً لميسي بعدما أغرقه برشلونة بأمواله بفضل العائدات التي تدرها البطولات الكثيرة التي يحصدها الفريق مع نهاية كل موسم بمساهمة فعالة من ميسي نفسه. و ميسي يدرك بأنه في برشلونة نال الألقاب و البطولات على اختلاف ألوانها لكن الأهم من ذلك نال احترام الجميع بما فيهم المنافسون له من أندية و لاعبين وإعلاميين و إن غادر برشلونة فإنه سيحتفظ بتاريخ يفتقد للاحترام بأنه سيعامل مثلما عومل فيغو و سينظر إليه على أنه مجرد سلعة يمكن أن تُباع لمن يدفع أكثر، سلعة ترخص كلما اقترب موعد انتهاء صلاحيتها و ميسي من اللاعبين الذين لا يرغبون في أن تنتهي صلاحيتهم و يتطلع أن يبقى يساهم دومًا في إنجازات النادي . و كان بإمكان ميسي أن يعود أدراجه إلى النادي أو الدوري الذي قدم منه إلى برشلونة مثلما حدث مع روماريو الذي عاد إلى البرازيل و رونالد كومان الذي عاد إلى هولندا لاستكمال مسيرته قبل الاعتزال غير أن ميسي يختلف عن هذه النوعية من اللاعبين النجوم ، فقد ترعرع في برشلونة و هناك سطع نجمه و تحول البلوغرانا إلى ناديه و دوريه و كان يمكن حتى أن يتم تجنيسه ليدافع عن ألوان منتخب إسبانيا . و مما زاد من تعلق ميسي ببرشلونة فإن الأخير جعل البرغوث متعطشاً دائماً لنيل بطولات جديدة تثري خزائن النادي رغم كل ما حققه ، و هو عامل لا نجده في بقية الأندية و لا نجده مع نجوم آخرين يصلون إلى درجة التشبع بمجرد ما يكررون إنجازاً ما ، فميسي و هو في سن ال 25 لا يزال يدشن موسمه الجديد و كأنه الموسم الأول في مسيرته دون الشعور بالملل لسبب بسيط هو أنه يلعب في برشلونة . و هكذا فإن مشاهدة ميسي خارج أسوار ملعب النو كامب تبقى أمراً أقرب إلى المستحيل منه إلى الممكن وربما سيضطر ميسي إلى الاعتزال المبكر- إذا شعر بأنه غير قادر على تقديم نفس الأداء- ليضحي بالكرة حباً في النادي الذي جعله يعشق الكرة و يغرم بها .