يرى العديد من الباحثين السياسيين في أحاديث متفرقة ل«الجمهورية» أن ملامح تشكل الدولة اليمنية الحديثة بدأت بعد اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي أقر تحول نظام الحكم في البلد من نظام الدولة البسيطة إلى نظام الدولة المركبة، وأيضا بعد إقرار لجنة تحديد الأقاليم تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم إدارية لتكون الدولة القادمة دولة اتحادية، الأمر الذي سيحد من صلاحيات وتحكم المركز بالأقاليم التي ستعمل على تنمية مواردها وإدارة شؤونها بنفسها، وبالتالي تحجيم قوى الفساد النافذة في مختلف مؤسسات الدولة ومحاصرة الفساد إلى أدنى صورة. خطوات جيدة البداية كانت مع خالد باراس الذي أكد على ثقته بأن اليمن تخطو خطوات جيدة نحو بناء الدولة اليمنية الحديثة وسيتعزز ذلك من خلال ترسيخ الأمن والاستقرار، ومن خلال تأسيس الأقاليم التي لا تعني أن المركزية التي كان الجميع يشكو منها ستنتقل إلى الأقاليم وإنما سيكون الإقليم عبارة عن حلقة وصل بين المركز وبين الولايات، لهذا المستقبل سيكون بإذن الله واعداً بالخير إذا عملنا بجد وبإخلاص، ومن خلال تكاتف الجهود وتعاون الجميع ، وسيكون ذلك إقليم حكومة.. هذه الحكومات ستعمل على تسهيل مصالح الناس وتسهيل الأمور الإدارية بعيداً عن الروتين الممل والمعقد للمركز، كما ستعمل هذه الحكومات على تنمية الولايات وتطويرها، والأرض اليمنية هي أرض واحدة ليست مقسمة.. اليمن هي اليمن والتقسيم هو إداري فقط ، لهذا من حق أي شخص أن يذهب إلى أي إقليم أو يعمل في أي إقليم يحب، ولكن فقط هناك ضوابط وقوانين تنظم العمل وتحمي مصالح جميع المواطنين بدلا من الفوضى الموجودة. تحجيم الفساد أما رئيس المنظمة اليمنية لتعزيز النزاهة (OPI) أحمد الزكري والذي أبدى إعجابه بتحول نظام الحكم في اليمن من نظام الدولة البسيطة إلى نظام الدولة المركبة، وقال خطوة متقدمة أن يتم الاتفاق في مؤتمر الحوار الوطني الشامل على أن تكون اليمن دولة اتحادية لكن ذلك يحتاج إلى عمل جاد لتأسيسها بشكل جاد من قبل مختلف الأطراف المشاركة في الحوار، وبالتالي سيكون له أثر إيجابيي كبير على استقرار اليمن وعلى قدرة النظام في مكافحة الفساد لأن النظام الجديد سيلغي مركزية المركز في العاصمة وستنتقل الصلاحيات إلى الأقاليم وإلى الولايات وسيساهم بالتأكيد في إعادة توزيع السلطة والثروة بشكل عادل، وبالتالي تحجيم الفساد الذي ساد خلال عقود مضت بفعل الاستئثار بالسلطة والثروة من قبل القوى النافذة على حساب الشعب اليمني بأكمله. تعزيز ثقة الناس الأستاذ علي سيف حسن رئيس المنتدى السياسي قال إن هناك قوى اجتماعية مستفيدة استفادة عظمى حتى العظم من وضع الدولة الحالية، ولهذا هذه القوى ستعمل بكل قوة وبكل إمكانياتها الموجودة لعرقلة التحول إلى الدولة الجديدة، والمشكلة أيضاً هي أن القوى المستفيدة من النظام الجديد مازالت غير مدركة بمصلحتها وبالتالي هي لا تدافع عنه، كما أن الشريحة المتعلمة والمثقفة والتي هي المستفيد الأبرز من التحول إلى النظام الجديد غير مصدقة أن المشروع سيتحول إلى حقيقة ، لهذا أبرز تحدياً أمام التحول للنظام الفيدرالي هو عدم قناعة الناس بإمكانية تحقيق هذا التحول، وإذا تعززت هذه القناعة لدى الناس بإمكانية هذا التحول، لذلك يجب تعزيز ثقة الناس بإمكانية هذا التحول خاصة في ظل ما تم حاليا من تحول وأن يدركوا أن الأمور تسير إلى الأمام حتى ولو كانت بطيئة بعض الشيء وأن يدركوا أن متابعة الأعمال لن تحتاج منهم العودة إلى صنعاء عندما يشعر الناس أن هذا النظام اصبح حقيقة ستزداد ثقتهم بأنفسهم وبالتالي سيدافعون عن النظام الجديد. تحسين أداء المؤسسات أما الناشطة والمحامية إشراق المقطري فتقول من جانبها إن اليمنيين وبما عُرف عنهم من صبر وحكمة قد استقبلوا فكرة الانتقال إلى الفيدرالية بترحاب كبير وذلك بدلاً عن المركزية التي قتلت حتى روح الوطنية والانتماء وعززت من الفوارق بين المواطنين. وقالت هناك سلبيات في النظام الفيدرالي كأي نظام فيه سلبيات وإيجابيات وهذه السلبيات التي يتصورها البعض قد تكون في التقسيم الإداري للستة الأقاليم بسبب ضعف الأجهزة الأمنية في الوقت الراهن الأمر الذي قد يشجع على تصاعد الانتماء المذهبي و المناطقي في بعض المحافظات. وتشير إلى أن مكافحة الفساد ومحاربته لن تنجح في ظل ضعف الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة بشكل عام خاصة في ظل المحاصصة الموجودة حالياً والخالية من الكفاءات لذلك من المهم أولاً تحسين أداء مؤسسات الدولة بعيداً عن المحاصصة الحزبية وترسيخ الأمن والاستقرار في مختلف محافظات الجمهورية للانتقال للنظام الفيدرالي، وبالتالي توزيع الصلاحيات على الأقاليم الأمر الذي سيعمل على محاصرة الفساد بشكل كبير. الدكتور والباحث السياسي خالد البريهي فيقول عند التحول للنظام الفيدرالي ستتغير طرق مكافحة الفساد لأن صلاحيات المركز ستنتقل للأقاليم، وبالتالي مكافحة الفساد في الإقليم ستتأثر بمدى جدية المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في هذا الأمر وبشكل عام أتوقع أن الأقلمة ستحد من الفساد المركزي الكبير، خاصة في العبث بالثروة لأن هيمنة القوى النافذة ستضعف على الأقاليم. تعزيز الرقابة والمحاسبة الناشط والبرلماني السابق عبد الباسط المشولي فيرى أن الانتقال من الدولة المركزية أو الدولة البسيطة إلى الدولة المركبة الدولة الاتحادية ضرورة فرضها غياب دولة المؤسسات التي نفتقدها منذ قرن، حيث "فشلت الدولة المركزية في فرض التنمية المتساوية والمواطنة المتساوية وفرض هيبة القانون الأمر الذي أدى إلى سلب ونهب للثروات وغياب للتنمية مما حدا بمختلف شرائح المجتمع المطالبة بالتغيير لمنح المحافظات الحرية في إدارة شؤونها المحلية والتخطيط السليم للاستفادة من مواردها المحلية، كما أن المواطن في ظل الدولة الاتحادية سيكون قادراً على الرقابة على الحكومة المحلية بسبب قربه منها، ومحاسبتها وسيخسر الفاسدون الذين يتحصنون بالمركز. معايير الحكم الرشيد السفير أحمد عبدالله ناجي يقول إن للفساد علاقة اجتماعية قديمة وإن اختلفت في صورها وأشكالها وهو موجود حتى في الدول الديمقراطية وإن كانت ممارسته في هذه الدول بشكل أخف بحكم وجود سلطات متوازنة ومستقلة وحرية تعبير وإعلام ورأي عام وقضاء مستقل عادل وفي ظل وجود الحكم الرشيد الجيد من ديمقراطية وشفافية وسيادة قانون ومساواة وحسن الأداء الإداري والمساءلة والمحاسبة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وحق الاطلاع على المعلومات لذلك الفساد في مثل هذه الدول أخف بكثير من الدول العربية التي لا تعمل في أغلبها بمعايير الحكم الرشيد، بالتالي يهدر الفساد فيها حوالي 40 بليون دولار سنويا، وهو ما يكفي لإتاحة عشرين مليون فرصة عمل سنويا، ومن الطبيعي أن يكون هذا الأمر أحد أهم أسباب ظاهرتي الفقر والبطالة في العالم العربي.. ويضيف قائلاً وبالنسبة لليمن نلاحظ أن الفساد انتشر في المجتمع بشكل لا يتصوره عقل وأصبح للأسف ثقافة من المواطن إلى الحكومة والمؤسسات المحلية والأحزاب وحتى منظمات المجتمع المدني ، كما عمل على تدمير القيم والأخلاق والتقاليد حتى الوازع الديني لم يعد رادعاً لتحجيم أو اجتثاث هذه الظاهرة في ظل نظام الدولة البسيط، وبالتالي لابد من التحول إلى نظام الدولة المركبة النظام الفيدرالي لإتاحة الفرصة للأقاليم للمشاركة في اتخاذ القرار والتوزيع العادل للسلطة والثروة وسيتمكن المواطنون من ممارسة دور أكبر في الرقابة الشعبية والحكومة المحلية على مقربةٍ منهم، وستحد من عبث القوى المتنفذة في المركز بمقدرات وثروات الأقاليم خاصة مع تطبيق معايير الحكم الرشيد الذي سيكون له الدور المحوري في القضاء على هذه الظاهرة. الابتعاد عن الولاءات الضيقة الباحث عبد اللطيف يسلم يؤكد من وجهة نظره أن الفيدرالية إذا ما تم تنفيذها بشكل صحيح وكانت هناك صلاحيات فعلية للأقاليم لإدارة شؤونها وتنمية مواردها وتحديد أولوياتها ستحد كثير من الفساد الموجود خاصة إذا تم اختيار الكفاءات والقدرات وفق أسس علمية وليس حسب الولاء الحزبي والمناطقي الضيقة. المشاركة في رسم السياسات أيضاً يتحدث المهندس عبدالغني المعافى رئيس منظمة تهامة الشعبية عن هذه القضية قائلاً: نحن في تهامة استبشرنا بمخرجات الحوار رغم عدم إدراج قضيتنا التهامية ضمن القضايا التي تم طرحها على طاولة الحوار الوطني الشامل بالرغم أن تهامة عانت منذ عقود من الإهمال والتعسف في كثير من الجانب المالي والإداري والوظيفي والعسكري والاقتصادي.. الخ، الأمر الذي خلف في تهامة تركة كبيرة من الظلم والجهل والفقر والمرض والإقصاء والتهميش والتشريد ومصادرة الحقوق واغتصاب الملكيات وطمس الهوية، لذلك نرى أن معالجة هذه القضية لن تتم إلا من خلال إقليم تهامة وحين خرجت لجنة تحديد الأقاليم المشكلة بقرار رئيس الجمهورية وسمت الأقاليم وذكرت الإقليم السادس (إقليم تهامة) شعرنا أننا بدأنا ننتصر لقضيتنا التهامية، لأننا سنعيد بناء تهامة لأن ابن تهامة سيشارك في حكم الإقليم وسيشارك في رسم السياسات وبالتالي تحجيم دور قوى الفساد والتي تسعى لبقاء دورها المؤثر حتى تستمر في تنفيذ سياساتها الفاسدة. مؤتمر الحوار الوطني اليمن