أصيل القباطي كل شيء هلامي في هذا البلد المسكين، بدءاً بالدولة وانتهاءً بمواقفنا الشخصية، لا شيء يمكن البناء عليه. ولعلنا حين نسأل عن سبب مصيبتنا هذه لا نجد إلا الأحداث المصاحبة للثورة 2011 لنلقي على عاتقها هذا الحِمل، متجاهلين تأصل الانفصام في الوعي السياسي العام والذي يقود بالأساس إلى الحالة الهلامية التي نعيشها، إلا أنه كان في السابق مقتصر على دائرة ضيقة في أطار الطبقة السياسية أما اليوم فقد أصاب الجميع إلا من رحمته أقداره ووضعته بعيداً عن السياسة والساسة. يكفينا النظر في مواقف جديدة لقيادات سياسية ومقارنتها بمواقف سابقة لهم، لنستشعر السرعة التي يتفشي بها وباء الأنفصام في اوساط الطبقة السياسية. المشكلة الكبرى أن أعراض هذا الوباء ومضاعفاته لا تظهر إلا على المواطن اليمني البسيط فتبدأ بظهور التذمر والاحباط عليه وتتطور وصولاً إلى أشتداد الازمات المعيشية والأمنية، والمشكلة الأكبر أن أولئك السياسيين تظهر عليهم أعراض انفصامهم بشكل معاكس يتناقض والأعراض التي يظهر بها المواطن، فسنراه يبدو أكثر أرتياحاً وسيارته القديمة قد انتقلت إلى طور حديث وفخم وقد يكون مدرعاً وبيته القديم الضيق أصبح قصراً أصغر ملحقاته اوسع من بيته القديم. وحين ترى هذا التطور الذي يحياه هذا السياسي المنفصم - على مرحلتين - عن الشارع اولاً وعن المبادئ التي يدعي تبنيها، تكتفي بلعن كل شيء وستبدأ بنفسك خصوصاً إن كنت قد شاركت في الثورة، ولعلكَ قد تنزلق لمنحى أخر وتقول "سلام الله على عفاش"، آنذاك ستغدو كل المنكرات التي كنت تؤمن بحرمتها سابقاً حلالاً على الأقل لتطفئ اشتعال القهر بين ضلوعك وستكرر "سلام الله على عفاش".. مهما يكن فإن انفصاماً كهذا عن مواقفك السابقة خصوصاً من عفاش ليس ذي فائدة ولو كجزء من أصغر جزء من الفوائد التي يجنيها الساسة الأنفصاميون. (لا يحتاج المرء في كل مرة يذكر بها "سلام الله على عفاش" أن يكرر ترديد موقفه من هذا الشعار). فمثلاً، سمعنا تصريحاً لقيادي في الحراك رفض سابقاً مؤتمر الحوار وأعتبره التفاف على القضية الجنوبية لا أكثر يصف فيه مخرجاته بالذات قضية الستة الأقاليم بالحل العادل للقضية الجنوبية، ويقولون الآن ان العميد ناصر النوبة تجول في صنعاء بموكب لا يقل أبهةً عن المواكب التي تتجول بها مشائخ قبائل الشمال المتقهقرون في جغرافيتهم. أيجابي هو الخروج من خندق مطالبات غير واقعية في ظل الرأي العام الدولي والأقليمي السائد لكن ان يتم الانجرار هكذا والتسليم التام لرأي مضاد تماماً لما كنت تتبناه بالأمس فهذا يشكل حالة أنفصامية تثير الريبة بواقع سياسي مهترئ يجيد الأتجار بقضايا الناس ومعاناتهم. قال أحد الرفاق من القيادات القاعدية في الحراك، قياداتنا غيروا اليوم شعاراتهم من "بلادي بلادي الجنوب وجمهورية عاصمتها عدن" إلى "لابد من صنعاء ولو طال السفر"..! أجبته بأن هذه ليست حالة أصابت قيادات الحراك بقدر ما أصابت طبقة الزعماء السياسيين في اليمن بشكل عام فلا شيء يحركهم، لا مبدأ ولا أيديولوجيا ولا معاناة الشعب، بقدر ما تحركهم مصالح خاصة وضيقة. هل أحدثك عن قيادات ووجوه من حزب الأصلاح تظهر كل يوم بوجه أم عن قيادات ووجوه من المؤتمر تتبدل رؤاها كل يوم أيضاً؟ هل أحدثك عن ساسة ذبحوا مواقفهم ومبادئهم ب"سويس" سيارة أو مفتاح قصر يصرفهما هادي..؟ او اولئك الذين يمسحون بأوراق بصائر الأراضي المصروفة تاريخهم ومكانتهم التي وضعناهم بها..؟ يا صديقي إن الامثلة كثيرة، فالعملية السياسية تقودها حرباوات يتلونّ سريعاً.. أسرع مما قد تعتقد وأعتقد ونعتقد. عدن اوبزيرفر