ربما ينضم الرئيس السوري بشار الأسد إلى عدد من الزعماء المخلوعين في بلدة بارفيخا الروسية ذات الطبيعة الخلابة وسط غابة من اشجار الصنوبر، ويضغط المجتمع الدولي على روسيا لتنفيذ ذلك. ذات يوم قبل اعوام قليلة على انتقال الرئيس القرغيزي السابق عسكر اكاييف الى بلدة بارفيخا الروسية ذات الطبيعة الخلابة وسط غابة من اشجار الصنوبر قرب موسكو ، كان اكاييف يعيش اوقاتا عصيبة. ففي ذلك اليوم كان حشد غاضب يتظاهر خارج قصره ، وسيارة مقلوبة تحترق امامه فيما تسلق محتجون السياج وأخذوا يحطمون نوافذ الطابق الأرضي ويخلعون الأبواب. ثم وصل إشعار من احد المستشارين الأمنيين بأن ساعة الرحيل أزفت. وقال اكاييف لأحد الصحافيين بعد سقوطه في آذار/مارس 2005 انه غادر بالملابس التي كان يرتديها فقط. وبعد ايام وصل الى هذه البلدة للاقامة في منتجع حكومي منضما الى رهط من الأقران. فان هذه البلدة ذات الفيلات الأنيقة والمتاجر الفاخرة التي أُنشئت حول منتجع اكاييف ، اصبحت موطن "نصف دزينة" أو نحو ذلك من الزعماء المخلوعين وافراد أسرهم. وتوفر بارفيخا في هدوئها الثلجي ملاذا ممكنا لرئيس النظام السوري بشار الأسد الذي تضغط الحكومات الغربية على روسيا منذ الصيف لتيسير رحيله بمنحه اللجوء فيها. ورغم ان مقاتلي المعارضة السورية المسلحة يزحفون على دمشق فان الدبلوماسيين الروس نفوا حتى الآن ان موسكو تفكر في منح الأسد ملاذا آمنا في اطار خطة أوسع لحل النزاع. ولكن الروس هرعوا من قبل لانقاذ حكام متحالفين معهم في اللحظة الأخيرة. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مارك كاتز استاذ الادارة الحكومية والسياسة في جامعة جورج مايسون الاميركية قوله "ان لدى الروس خبرة في إخراج رؤساء الدول قبل لحظات على فوات الأوان ، ولعلهم يحاولون الإشارة الى الأسد بأن هناك عرضا متاحا ولكن نافذة الفرصة لن تبقى مفتوحة زمنا طويلا". ويلفت مراقبون الى ان رحيل حكام حزموا حقائبهم على جناح السرعة واستقلوا طائرات الى هذه البلدة هربا من حشود المتظاهرين في الشوارع أو لعلعة الرصاص المقتربة من قصورهم ، أسفر عن حل نزاعات في يوغسلافيا السابقة وجورجيا وقرغيزيا وبلدان اخرى. ويضيف هؤلاء المراقبون ان روسيا تقترب من الموافقة على تسوية تشتمل على رحيل الأسد ، إذا لم يفت الأوان في هذه المرحلة من النزاع حيث يسيطر مقاتلو المعارضة على مناطق من العاصمة ويطلقون قذائف الهاون على القصر الرئاسي في حي المهاجرين وسط دمشق. في غضون ذلك، اتفق المبعوث الدولي الخاص الى سوريا الأخضر الابراهيمي ودبلوماسيون روس على احياء مبادرة تعثرت الصيف الماضي بعد اصرار الروس على ألا تتضمن استبعاد الأسد عن القيام بدور في أي حكومة انتقالية. ولا يُعرف ما إذا كان الروس سيتراجعون عن إصرارهم السابق وما إذا كان الأسد سيهبط بطائرة في هذه البلدة. ورغم ان الزعماء المنفيين لا يعيشون كلهم في قصور ريفية منيفة في بارفيخا فان العديد منهم يعيشون حياة مترفة. وتؤكد تقارير عديدة ان حياة هادئة ممتازة تتوفر في بارفيخا لأفراد النخب التي قادت أنظمة كانت قبل سقوطها متحالفة مع الاتحاد السوفيتي السابق أو روسيا. وشهدت البلدة افتتاح متاجر للسلع الفاخرة تبيع منتجات غوتشي ورالف لوران وازياء دولتشي اند غابانا التي قد تلبي رغبات اسماء الأسد المعروفة بأناقة ملبسها. وقال بوريسلاف ميلوشيفيتش شقيق سلوبودان ميلوشيفيتش الزعيم الصربي السابق الذي توفي عام 2006 اثناء محاكمته بارتكاب جرائم حرب ، ان افراد العائلة الذين استقروا في بارفيخا يعيشون حياة كريمة منذ اختفاء النزاع اليوغسلافي عن الأنباء. وتعيش ميريانا ماركوفيتش ارملة الزعيم الصربي السابق في فيلا ونجلها ماركو ميلوشيفيتش في فيلا أخرى منفصلة. وتحدث بوريسلاف ميلوشيفيتش في اتصال هاتفي مع صحيفة نيويورك تايمز عن تسعة اعوام من حياة ماركوفيتش في المنفى قائلا انها حياة "اعتيادية" تماما في نمطها اليومي مؤكدا مجيء اشخاص من صربيا لزيارتها. واضاف "انها تستقبل ضيوفا باستمرار وتعيش حياة محترمة طبيعية". وتعكف ماركوفيتش على تأليف كتاب يضم المقابلات الصحافية التي أُجريت مع زوجها في حين ان نجلها متزوج من روسية انجبت له ابنة. وأكد بوريسلاف ميلوشيفيتش ان سكان الحي لن يعترضوا على انتقال الأسد وافراد عائلته الى بارفيخا. وقال ان القبول بمجيء اسماء الأسد واطفالها بصفة خاصة سيكون "التفاتة انسانية". في غضون ذلك امتنعت ماركوفيتش عن استقبال صحافي لإجراء مقابلة معها عندما طُرح عليها المقترح في اتصال هاتفي. ولم يتسن العثور على رقم هاتف اكاييف الذي انتقل للاقامة في بارفيخا هربا من الاحتجاجات في بلده قرغيزيا عام 2005. ولكن البائعة انا شكودا التي تعمل في معرض لبيع سيارات بنتلي قالت إنها ترى حيدر نجل اكاييف باستمرار في البلدة. وباع المعرض سيارة بنتلي موديل فلاينغ سبار الى العائلة بعد عام أو نحو ذلك على انتقالها الى البلدة. وقالت شكودا ان عائلة الرئيس القرغيزي المخلوع "كانت تملك مالا أكثر بكثير يوم وصولها". وتنعزل بارفيخا التي يسكنها في الغالب اثرياء روس حديثو النعمة عن موسكو بزحمة الشوارع ولكنها عدا ذلك بديل لطيف عن نجومية المثول امام محكمة صورية أو القتل في عملية اعدام جماعية على طريق ترابية. وتضم البلدة طرقا ريفية ضيقة تخترق غابة من اشجار الصنوبر حيث يختفي كل بيت وراء سور عال وتراقب عدسات التلفزيون ذو الدائرة المغلقة المارة من زوايا مختلفة. وبعد خمس سنوات على خلع اكاييف لاقى خلفه كورمان بيك باكييف مصيرا مماثلا في انتفاضة شعبية عندما اقتحم محتجون القصر الرئاسي. ولكنه هرب الى بيلاروسيا متفاديا الاحراج الذي يمكن ان يسببه تحول حاكمين احدهما اسقط الآخر الى جارين في حي واحد. وكانت سمعة موسكو بوصفها مدينة ذات احضان مفتوحة لمن يسقط من الحكام المستبدين تعززت عام 2004 عندما وضع عمدتها وقتذاك يوري لوجكوف طائرته الخاصة تحت تصرف اصلان اباشيدزة زعيم مقاطعة اجاريا الانفصالية في جورجيا للهروب بها قبل ان تدخل القوات الحكومية عاصمته باتومي. وتردد ان اباشيدزة يعيش الآن في بارفيخا. ولكن الحكام الذين لاذوا بموسكو لم يعيشوا كلهم حياة هادئة في منفاها. فان زعيم المانيا الشرقية اريك هونيكر وزوجته مارغوت هربا الى موسكو من قاعدة جوية سوفيتية في المانيا. واقام الاثنان في السفارة التشيلية ولكن الرئيس بوريس يلتسن اعادهما الى المانيا. وهرب زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان من سوريا الى موسكو عام 1998 ولكن روسيا رفضت استقباله ووضعته على طائرة الى افريقيا حيث وقع في قبضة اعدائه الاتراك الذين سجنوه في جزيرة منذ ذلك الحين. ويرى مراقبون انه لم يبق متسع من الوقت لعائلة الأسد. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل ايام ان روسيا لا تريد التوسط بشأن لجوء الأسد الى بلد ثالث. واكد ان دولا في المنطقة اقترحت على روسيا ان تنقل الى الأسد انها مستعدة لاستقباله. واضاف لافروف "إذا كان هؤلاء يرغبون في تقديم ضمانات اليه فليتفضلوا".